(من كتاب: الأب كابي ألفرد هاشم و الأب غي-ريمون سركيس، أؤمن… وأعترف قراءة معاصرة في الإيمان المسيحي، دراسات لاهوتيّة، دار المشرق 2014).
ربَّ مراقبٍ قد يُفاجأ عندما يرى اليوم معظم المؤمنين يهابون مجيء المسيح الثاني بخلاف المسيحيّين الأوائل الذين كانوا يتمنّون حدوثه في أقرب وقتٍ للانعتاق من الاضطهاد وقساوة الدهر والولوج مع الربّ المنتصِر إلى خدر عرسه السماويّ. والغريب أنّه مع تقدّم العصور، لجأ الكثيرون إلى عبارة ” نهاية العالم ” في حديثهم عن مجيء المسيح الثاني ممّا يستدعي الخوف وتصوّر الكوارث المرافقة لهذا الحدث من زلازل وعواصف وإبادات وزوالٍ، متأثّرين ببعض الصور التي أعطاها المسيح، يقرأونها على حرفيّتها وكأنّها وصفٌ علميّ لا صورة رمزيّة كما في قوله: ” وعلى الأَثَرِ، بَعدَ ضِيقِ تِلكَ الأَيَّامِ، تُظْلِمُ الشَّمسُ، ويَحْبِسُ القَمرُ ضَوْءَهُ، وتَتَساقَطُ الكَواكِبُ منَ السَّماءِ، وتَتَزَعْزعُ قُوَّاتُ السَّماوات ” (متّى 24: 29). إلاّ أنّ عبارة ” نهاية العالم ” تناقض الإيمان المسيحيّ، والحريّ بنا استعمال العبارة الأدقّ والأصحّ: ” نهاية عالم “ لأنّ الحياة لن تصل يومًا إلى العدم، بل تبلغ غايتها ويتحقّق رجاء البشر، إذ ” في المسيح يجد تاريخُ الإنسان والخليقة الخلاص والنهاية السامية “[1]. عند مجيء يسوع، ينتقل العالم من الزمن العاديّ حيث تتوالى الساعات والأيّام في دورةٍ ترتكز على حركة الكواكب إلى الأوان حيث يبلغ الزمن ملأه، إلى عالم الحياة الأبديّة التي لا بدء لها ولا نهاية. بعد حديث يسوع في إنجيل مرقس عن يوم مجيئه، يعلن لتلاميذه: ” وهذا بَدْءُ المَخاض ” (مرقس 13: 8)، ويلجأ إلى صورةٍ عاد واستعملها أيضًا القدّيس بولس بقوله ” إنّ آلامَ هذا الدَّهْرِ الحاضِرِ لا يُمكِنُ أن تُقَابَلَ بالمَجدِ المُزْمِعِ أن يَتجلَّى لنا. لذلِك تَتوَّقعُ البَريَّةُ، مُتَرَقِّبةً، تجلِّيَ أَبناءِ الله؛ لأَنَّ البَرِيَّةَ سَتُعْتَقُ، هيَ أَيْضًا، من عبوديَّةِ الفسادِ الى حُرِيَّةِ مَجْدِ أَبناءِ الله: فنحنُ نَعْلَمُ أنّ الخليقةَ كلَّها معًا تئِنُّ حتَّى الآنَ وتَتَمخَّض ” (رومية 8: 18-22). وتعكس صورة المرأة الحامل التي تقاسي آلام المخاض لتعطيَ الحياة لجنينها أبهى صورة عن يوم مجيء المسيح، لأنّ الإنسان يولد بعد هذا المجيء إلى الحياة الأبديّة حيث يُعاين نور الله في أبهى تجلّياته، ولا تكون نهاية العالم عندئذٍ بل نهاية عالمٍ زمنيّ لأنّ ” مجيء المسيح في المجد لا يعني النهاية بل اكتمال العالم وملء الأزمنة “[2].
[1] التعليم المسيحيّ، رقم 668.
[2] W. KASPER In: COMMUNIO, Je crois, 272.