عادةً ما تمثل الأزمات فرصاً لإعادة الحسابات والتفكير بعمق، وقد اتسم عالمنا المعاصر الذي قمنا ببنائه جميعاً بدرجة عالية من الفردية والمادية، التعصب والأنانية، والتهديد لحياة الإنسان وجميع أشكال الحياة الأخرى، والعنف والتشريد وإساءة معاملة الشعوب ومعظمهم من المهمشين والنساء والأطفال، وتآكل قيمنا الإنسانية والثقافية والأخلاقية والروحية، لقد أصبح العالم حقاً مكاناً للجشع البشري اللامحدود، وكما يقول المثل اللاتيني “أصبح الإنسان ذئباً لأخيه الإنسان”.
ما فعله فيروس كورونا اليوم، إنه أجبرنا على التفكير من منظور إنساني دون إهمال ودون تحيز، أليس من الغريب كيف يعلمنا عدو الإنسانية أن نكون أكثر إنسانية، لقد ذكّرنا هذا الوباء بما قاله المهاتما غاندي: “هناك ما يكفي في العالم لحاجة الإنسان, ولكن ليس لجشعه”.
تأتي هذه الأزمة اليوم لتبين للمجتمع العالمي بأسره المعنى الحقيقي للتضامن الإنساني ولتذكرنا بالقيم المتجذرة في إنسانيتنا المشتركة التي تمدنا بالاستقرار والقوة والأمن والأمل والسعادة والسلام في حياتنا في هذه الأوقات المربكة، لقد دفعتنا هذه الأزمة إلى التفكير مجدداً في قيمة وكرامة الإنسان، وفي قدرتنا على الحب والرحمة، فعلى الرغم من المسافة الجسدية التي تفصلنا إلا أن روح التضامن الإنساني والاجتماعي التي لمسناها خلال الأسابيع الأخيرة قد يكون لها تأثير عميق على إحساسنا بالمجتمع والعالم أجمع على المدى الطويل.
في سياق هذه الجائحة، نحن بأمس الحاجة إلى تغيير نمط تفكيرنا، تغيير سلوكنا، وتغيير كيفية ارتباطنا ببعضنا البعض، نحتاج إلى صحوة عالمية لإعادة الترابط الإنساني، هذا ليس وقت اليأس ولكن وقت الإيمان والعزيمة، ليس وقت التذبذب أو التسويف، ولكن وقت الالتزام الجماعي لنسج روح التضامن معاً كأفراد في عائلة إنسانية واحدة، البشرية الآن بحاجة إلى هذه القيمة الإنسانية، بحاجة إلى التضامن الإنساني، وليس فقط الابتعاد الاجتماعي، هذا التحدي المشترك هو ما يسمح لنا بالتغلب على هذه الأزمة.
وهكذا يمكن النظر إلى هذه الأزمة على أنها درس يعمل على زعزعة “الأنا الفردية” التي ترغب في أن تفيد نفسها على حساب الآخرين، بعبارة أخرى، اليوم، تُتاح لنا الفرصة لنتعلم كيف نتحمل المسؤولية في مساعدة الآخرين، وكيف يمكننا أن نجد متعة في التفكير والعمل لصالح الآخرين، إذا خطونا هذه الخطوة نحو إشراك أنفسنا في مثل هذا الشكل من أشكال التضامن الذي يُثري علاقاتنا ببعضنا البعض، سننفتح على بُعد جديد تماماً من أبعاد الوجود، وسنكتشف قيمة العمل الإيماني الجماعي في بناء حياة كريمة للجميع.
أود أن أقتبس من جاك ديلور والذي قال “العالم قريتنا، فإن شب حريق في أحد البيوت، فسرعان ما تمدّ النيران بالسقوف فوق رؤوسنا جميعاً، وإذا حاول أحدنا أن يعيد بناء بيته بمفرده فلن يكون لجهوده إلا أثر رمزي فحسب فينبغي أن يكون التضامن شعارنا، وعلى كل منا أن ينهض بنصيبه من المسؤولية الجماعية”.
لدى البشرية ولأول مرة، الفرصة لبناء مستقبلها، ليس على وهم إيديولوجية أحادية الجانب، ولكن على مجموعة من القيم العالمية التي نتشاركها جميعاً، إنه الوقت المناسب لإعادة تقييم حياتنا لنصبح أكثر إدراكاً لأهمية ترابطنا وتكاتفنا، علينا أن نتضامن، لا لنكون معاً فقط، ولكن لنفعل شيئاً معاً.