يوافق البعض فيما هو إعتراض لكثيرين.
لذا من اجل التمييز الرزين:
علينا أن نستخدم القليل من الروية في التفكير (في المبدأ والأسلوب) كي لا نقع بالتسرع…
حين نأخذ بعين الإعتبار أنّ رجل الدين هو مواطن بطبيعة الحال نستطيع القول أنه يحق له إعطاء رأيه في السياسة ونمط إدارة شؤون الدولة مثله مثل بقية المواطنين. لا بل هو “واجب” كل مواطن صالح ان يكون واعياً لمكامن الخير في وطنه ومنبهاً (عبر وسائل مشروعة وسلمية) لما يرى من مكامن أخطاء لدى السياسيين.
متى تبدأ “الإشكالية”؟
تبدأ حين السواد الأعظم من أهل السياسة يُفسدون وعن واجباتهم يتقاعسون، فيقوم من بين المواطنين “مؤمنون” ويحتكمون إلى رجال الدين – كونهم بالمبدأ في مقدمة من يُعتبر صدى صوت الله على الأرض- وكل ذلك بغية رفع الظلم وإحقاق الحق. ولكن في تعقيدات هذا الواقع وحين يبدأ البعض باعتبار أنّ سلطة رجل الدين (من الله) هي فوق سلطة الحاكم في الدولة، يصبح رجل الدين مغموراً بمسؤوليات الروح والدولة معاً. ويحدث أن هذه تفشله هنا وتُفقده مصداقيته هناك. و مع الاصرار على عدم تغير الذهنيات في السياسات ومع طول الأزمات تصبح “العادة” أن يكون رأيه – بأمور الدولة – ممراً إجبارياً!
لكن الحقيقة هي أن كل سلطة هي مسؤولية أمام الله، أكانت دينية أو مدنية.
و الهم الأول لرجل الدين هو دائماً مساعدة النفوس على تبني رؤية الله و منظوره في الحق و المحبة. وصوته كرجل دين عليه ان يكون دائماً لعلاقة عامودية سليمة مع الله تُترجم بعلاقة أفقية سليمة بين الأفراد. و”تدخله السليم” من على منبره كرجل دين من الأفضل ان ينحصر في التشديد على هذه المبادئ دون الدخول في دهاليز التسميات وضيق التحزبات. فالله للجميع و منطقه لا يتبدل بحسب ضيق منطق الطائفية و الفئوية.
إذاً هل هذا ينفي حق رجال الدين في رؤية خاصة و التعبير عنها و الدفع بإتجاهها؟ لا !
ولكن ليس من على منابر “كلمة الله” و بثياب رعايته. بهذه – سلطة – يُْعلِمون منها حقائق الله الثابتة و يعلّمون بها تعالميه التي أوحاها. لذا في هذه حصراً نحن – كمؤمنين- ملمزمين بطاعتها.
ولأن تعاليم الرب لا تدخل في الزواريب ولا المحسوبيات الفئوية من الأفضل ان تبقى هذه الزاوية الخاصة : خاصة! ولا نخلط هذه بتلكَ ذاكرين إجابة يسوع حين قال: «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله». وتضيف الآية : فتعجبوا منه. (مر 12: 17)
يقول البعض إن~ رجال الدين يتكلمون حين يصمت أهل السياسة … لكن، الحقيقة هي أن على الجميع أن يتكلم و يكون فاعلاً بالحق – بحسب الوزنات والمسؤوليات التي هو منوط بها – من أجل ان يكون ” كل الوطن”= “مدينةً لله … فاضلة” .
وبالإنتظار… حين يخالف رأينا رأي رجل الدين في مواضيع السياسة، ما هو أفضل خيار؟
هو دائماً – و كما تجاه الجميع – الإلتزام بالإحترام.
للأسف أننا تعودنا أن نخلط بين مخالفة فكرة معينة و حياكة خلاف مع صاحبها.
تعودنا أن نرفض من لا يشبهنا لا بل أن نعنّفه و نعرّضه للسخرية و القتل المعنوي.
وندعي اننا بهذا نعمل لمجتمع حر و علماني!!!
و لكن من أجل رقي ندعي العمل من أجله علينا أن نتقن الفصل بين خلاف و إختلاف .
و لنبتعد عن الإزدواجية في التهليل لمرجعية دينية حين توافقني الرؤية وتحقيرها حين تخلافني بها.
لا خلاص للإنسان بإنسان “مهمن كان”…
إنما خلاص الإنسان – و بالتالي الأوطان – بإلتزام :
ألا و هو تبني منظور المحبة التي أوصى بها خالق الأكوان .
ولنُدخل كل فعل ورد فعل بهذا الميزان.. فبهذا وحده الخير العام يُصان!