Joyful youngsters on the beach

Pixabay CC0

مع يسوع المسيح يولدُ الفرح ويولدُ دائماً من جديد

الجزء الثالث والخمسون من سلسلة مقالات تسلّل العصر الجديد

Share this Entry

 المسيحية والروحانيات الجديدة 9

مع يسوع المسيح يولدُ الفرح ويولدُ دائماً من جديد!” (البابا فرنسيس – فرح الإنجيل)

هذه الروحانيات الجديدة التي نشأ أغلبها ابتداءً من القرن التاسع عشر وما زالت مستمرّة إلى اليوم، بأشكال وتسميات متعدّدة، تدخل ضمن التحدّيات الثقافية التي يواجهها المبشّر المسيحي والتي يتكلّم عنها قداسة البابا فرنسيس بإسهاب في الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل”.شارحًا نتائجها الخطيرة على كلّ المستويات.

يتكلّم البابا فرنسيس في الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” [1]تحت عنوان : “بعض التحدّيات الثقافية“، عن “أزمة الإيديولوجيات التي تدّعي أنّها ردّة فعل إزاء كلّ ما يبدو شمولياً … إنها ثقافة يريد فيها كلّ واحد أن يكون داعيةً لحقيقته الذاتية الشخصية…” (فقرة 61). يصفها البابا ب “الثقافة المتسلّطة” حيث يحتلّ المقام الأول فيها “ما هو خارجي، مباشر، مرئي، سريع، سطحي ومؤقّت.” وقد ساعدت العولمة في تفشّي هذه الظاهرة بإفساد الجذور الثقافية لأغلب البلدان وإدخال ميولٍ تخصّ ثقافات أخرى لبلدان متطوّرة اقتصاديًا لكنها هزيلة أخلاقياً.

ويشرح البابا سبب انتشار هذه الروحانيات الجديدة فيقول: “اليوم يواجه الإيمان الكاثوليكي لدى عدّة شعوب تحدّي تكاثر حركات دينية جديدة، بعضها ينزع إلى الأصولية وغيرها يبدو أنّه يعرض روحانيةً بدون الله. تلك هي، من جهة، نتيجة ردّة فعل إنسانية أمام مجتمع الإستهلاك الماديّ، الفردانيّ، ومن جهة أخرى واقع انتهاز فرصة فاقة الشعب العائش في الضواحي والمناطق المفقّرة، والباقي على قيد الحياة وسط آلام بشرية هائلة والباحث عن حلول مباشرة لاحتياجاته الخاصة.”

ويضيف  البابا فرنسيس:” تلك الحركات الدينية، التي تتميّز باختراقها الماكر الخدّاع، تأتي لتملأ، في الفردانية السائدة، فراغاً خلّفته العقلانية المعلمنة.” ويعزو البابا هذا الأمر إلى أنّ بعض المعمّدين لا يشعرون بانتمائهم الخاص إلى الكنيسة بسبب بعض الهيكليات وجوّ عدم حسن الإستقبال السائد في الرعايا. “في العديد من الأمكنة نلاحظ سيطرة المظهر الإداري على المظهر الراعوي، وأيضا مغالاة في ممارسة الأسرار، دون اللجوء إلى أيّ شكلٍ من أشكال التبشير بالإنجيل” (فقرة 63)

“النسبية ” والتضليل الشامل!

ويساعد في انتشار هذه الروحانيات برأي البابا مسارُ العلمنة الذي ينزع إلى تقليص الإيمان والكنيسة وحصرهما في الميدان الخاص الحميم. بالفعل تشجّع هذه الروحانيات مسار نموّ شخصي باطني بمعزل عن أيّ ديانة وعن أيّ مطلق إلهي متسام بحسب الرؤية المسيحية.كما ينكر كلّ تسامٍ ما أنتج انحرافاً أخلاقياً متنامياً، وإضعافًا لمعنى الخطيئة الشخصية والإجتماعية، وتزايدًا مطّردًا للنسبية، تؤدّي إلى تضليل شامل، بالأخصّ في طور المراهقة والشباب، السريعة التأثّر بالتبدّلات.

أحسن الإشارة إلى ذلك أساقفة الولايات المتحدة: ففيما الكنيسة تشدّد على وجود أنظمة خلقية موضوعية صالحة للجميع، “ينادي أشخاص أنّ هذا التعليم ظالمٌ، بل يناقض الحقوق الانسانية الأساسية. تنجم تلك البراهين إجمالاً عن نوعٍ من النسبية الخلقية، يرتبط عمدًا بثقة بحقوق الأفراد المطلقة. من هذا المنظور يُتطلّع إلى الكنيسة وكأنّها تسبّب إجحافًا خاصًا وكأنّها تتداخل مع الحرية الفردية”

يلقي البابا المسؤولية كذلك على وسائل الإعلام ويشدّد على ضرورة تصحيح التربية وتفعيل الفكر النقدي من أجل استعادة القيم الأخلاقية فيقول: “إننا نعيش في مجتمع إعلام يشبّعنا معلومات، بدون تمييز، جميعها على مستوى واحد، تؤدّي بنا في النهاية إلى سطحية هائلة عندما نقارب القضايا الأدبية الخلقية. بالنتيجة، بات من الضروري أن نوّفر تربية تعلّم كيف نفكّر بطريقة ناقدة، وتقدّم مسار نضوج في القيم”(فقرة 64)

كل هذه خلقت أزمة في الأسرة وأضعفت الروابط العائلية بسبب الفردانية التي “تعزز أسلوب حياة يضعف تطوّر الربط بين الاشخاص ورسوخها”. ويتسرّب هذا النمط من الفردانية، بتأثير من الروحانيات الجديدة وروح العالم، ويا للاسف، إلى بعض المؤمنين فيؤثّر سلباً على البشارة بفرح الانجيل.

ثورة الحنان!

لذلك يحذّر البابا من خطر العزلة القاتل من خلال بحث بعض الأشخاص عن حياةٍ خاصة هانئة بعيدًا عن الآخرين ومن ردّات الفعل “الهروبية” عند البعض الذين يتقاعسون عن البشارة أو يختزلونها بشكل من الأشكال المنحرفة، داعيًا إيّانا إلى ثورة الحنان فيقول:

 “يحاول الكثيرون الهروب من الآخرين، سعيًا وراء حياة خاصة هانئة، أو لتشكيل حلقة ضيّقة من الأصدقاء الحميمين، ويتخلّون عن واقع بُعد الإنجيل الإجتماعي. لأنّه، كما أنّ البعض يريدون مسيحًا روحانياً صرفًا، لا لحم له ولاصليب، كذلك يهدفون إلى علائق شخصية متبادلة من خلال آلات مصطنعة، وشاشات وأنماط تسيّر وتوّقف عند الطلب. في هذه الأثناء، يدعونا الإنجيل دائمًا إلى مجازفة اللقاء مع وجه الآخر، مع حضوره الجسديّ الذي ينادي، مع وجعه وطلباته، مع فرحه المعدي في تلاحم جسديّ دائم.

“الإيمان الأصيل بابن الله المتجسّد لا ينفصل عن عطاء الذات، عن الإنتماء إلى جماعة، عن الخدمة، عن المصالحة مع جسد الآخرين. في تجسّده، دعانا ابن الله إلى ثورة الحنان” (فقرة 88)

إنّ التحدّي الكبير الذي نواجهه كما يقول قداسة البابا هو: “إنّنا نواجه اليوم أكثر من الإلحاد، نواجه تحدّي أن نروي، بما هو مناسب، عطش الكثيرين من الأشخاص إلى الله، كي لا يسعوا لإروائه بواسطة اقتراحات تغرّب عن الذات، أو بواسطة يسوع مسيح بدون لحم ولا التزام مع الآخر. هؤلاء الاشخاص إذا لم يجدوا في الكنيسة روحانية تشفيهم وتحرّرهم وتملأهم حياة وسلامًا، وتدعوهم في الوقت عينه، إلى الشراكة المتضامنة وإلى الخصب الإرساليّ، فإنّه سينتهي بهم الأمر إلى أن تخدعهم مقترحاتٌ لا تؤنسن ولا ترفع مجدًا لله.”(فقرة 89)

وهذا، ويا للأسف،ما تعد به الروحانيات البديلة: اقتراحاتِ تغرّبٍ عن الذات بتغرّبها عن الله،  مسيحًا كونيًا لا علاقة له بالمسيح يسوع ابن الله المتجسّد، إنسانًا أنانيًا معزولاً عن الآخرين ومتقوقعًا في أناه بمعزل عن الشراكة مع الله الثالوث وعن جسد المسيح – الكنيسة.

[1] http://www.vatican.va/content/dam/francesco/pdf/apost_exhortations/documents/papa-francesco_esortazione-ap_20131124_evangelii-gaudium_ar.pdf

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير