اعترف الفاتيكان بأعجوبة ثانية حصلت بشفاعة الطوباوي الفرنسيّ شارل دي فوكو (1858 – 1916)، ممّا يفتح الباب على إعلان قداسته، وذلك خلال سماح الأب الأقدس لمجمع دعاوى القدّيسين بنشر 8 مراسيم تعترف بخمس معجزات و7 شهادات وبالفضائل البطولية لأحد المُعمَّدين، لدى استقباله الكاردينال بيتشيو في 26 أيار 2020.
في التفاصيل، بناء على ما ورد في مقال أعدّته الزميلة مارينا دروجينينا من القسم الفرنسيّ في زينيت، حصلت المعجزة سنة 2016 (أي في سنة مئوية دي فوكو) في سومور الفرنسيّة. ويتعلّق الأمر بنجاة غير مبرَّرة لمُستَخدَم كان يعمل في علّيّة كنيسة فوق القبّة. إلّا أنّه وقع على عوائق فوقعت فوقه الحجارة وغرزت فيه الخشبات، لكنّه نهض سليماً معافى، كما أخبر عن ذلك الأب فنسان أرتاريت كاهن رعية شارل دي فوكو في سومور. “لم يتأذَّ العامِل وقد فحصه أطبّاء في فرنسا وإيطاليا، وتوصّلوا جميعاً إلى طابع النجاة الذي لا يمكن شرحه…”
وأضاف الكاهن: “الأمر متّصل بالمئويّة، مع ترابطه بالصلاة والحياة الروحية والصلة بين الرعيّة وشارل دي فوكو”.
وُلد شارل دي فوكو في ستراسبورغ في 15 أيلول 1858، ووجد نفسه يتيماً منذ سنّ الخامسة. وقد كتب عنه المونسنيور كلود راولت أسقف الأغواط في الجزائر: “عاش حياة شغوفة ومضطربة في الوقت نفسه. خلال دراسته الثانويّة، فقد الإيمان واستبدل حبّ الدراسة بحبّ الحياة السهلة والرِفقة الممتعة… وبعد علاقة برفيقة، رفض تركها لمّا تمّ إرساله إلى الجزائر، بل ترك الجيش. وعندما عرف أنّ فَوجه سيذهب في مهمّة، ترك صديقته والتحق بالجزائر، وكان ذلك سنة 1881”.
في سنّ الرابعة والعشرين، ترك شارل دي فوكو نهائيّاً الحياة العسكرية. بين 1882 و1884، قام برحلة إلى المغرب حيث عاش اختبارات روحيّة مهمّة. وقد كتب: “أَحدَث فيّ الإسلام اضطراباً عميقاً. فرؤية هذا الإيمان وأولئك الرجال الذين يعيشون في حضور الله الدائم جعلني ألمح شيئاً أكبر وأكثر حقيقة من المشاغل الدنيويّة”.
في نهاية تشرين الأول 1886، التقى شارل الكاهن أوفلان في باريس، فاعترف وتناول، وكانت عندها بداية الحياة الجديدة.
بعد 7 أعوام من الأبحاث التأملية (في الأرض المقدّسة وفرنسا ثمّ سوريا)، ترك حياة الدير ووصل إلى الناصرة لدى راهبات الكلاريس (1897)، حيث قسّم وقته بين العمل اليدويّ وساعات طويلة من السجود والتأمّل في الكتابات. وهنا نضجت دعوته العميقة.
سيمَ كاهناً في 9 حزيران 1901 في أبرشية فيفييه، وطلب العودة إلى صحراء الجزائر حيث بقي سنتَين. وكتب: “أريد أن يعتاد جميع السكّان على النظر إليّ كأخيهم، أخيهم العالميّ”.
من ناحيته، كتب المونسنيور راولت: “عبر الظلال والأنوار، أدخَلَنا شارل دي فوكو إلى حسّ الأخوّة العالمية. وبُعد أيّ حياة إنجيليّة هو ضرورة لزمننا. فهو يدعونا للخروج من برودتنا وانغلاقنا ولمتابعة الطريق المرسوم”.
في آب 1905، انتقل الأب شارل إلى جنوب الجزائر وعاش حياته في الصلاة والدراسة والصلة مع الطوارق، وعلاقة متنازع عليها مع الجنود الفرنسيّين الموجودين في المنطقة. عمل على شِعر الطوارق (6000 بيت) وترك قاموساً خاصّاً بالطوارق من 4 أجزاء ما زال يُستَعمَل.
في الأوّل من كانون الأوّل 1916، وبعد أن احتجزته مجموعة من المحاربين، قُتِل على يد حارس أصابه الذعر.
تمّ تطويبه في 13 تشرين الثاني 2005 من قبل البابا بندكتس السادس عشر الذي قال: “يدعونا شارل دي فوكو إلى أن نتبع روحيّاً طريق الناصرة والصمت الذي عاشه في الصحراء. في الواقع، مِن هنا، ومع مريم، يمكننا أن نكتشف سرّ المسيح الذي جعل نفسه متواضعاً وفقيراً ليُنقذنا ويجعلنا أبناء الآب الواحد وإخوة في الإنسانيّة. مثل الأخ شارل، فلنقتصّ من سرّ الإفخارستيا ومن التأمّل قوّة الصمود والشهادة التي سنُساهم من خلالها في الأنجلة”.