تحتفل الكنيسة خلال الأيام القادمة بعيد العنصرة أي حلول الروح القدس على الرسل الأبرار، وانطلاقة الكنيسة الأم بقوة الروح القدس إلى العالم أجمع.
بعد قيامة يسوع المسيح، خرج الرسل إلى عالم جديد تماماً، كان عالماً مجهولاً بالنسبة لهم، لم يفهموه على الإطلاق، فاختبئوا في عُلّية خلف أبواب مغلقة والخوف يراودهم، يبحثون عن الأمان وعن كل ما هو مألوف بالنسبة لهم، كل هذا الخوف انقلب في العنصرة إلى شجاعة عندما ظهرت ألسنة كأنها من نار، فانطلق الرسل ممتلئين بقوة الروح القدس ليكونوا شهوداً على قيامة يسوع المسيح من بين الأموات، مبشرين بتعاليمه، وحاملين رسالته إلى العالم أجمع بكل جرأة، لقد ولدت الكنيسة في العنصرة، إنها هبة الروح القدس المعطاة لها كي تبقى راسخة في المسيح وتأتي بثمار الأبدية.
اليوم وسط جائحة كورونا نسير أيضاً في أرض غريبة، على مسارات جديدة لم نعهدها من قبل، لقد غيّر هذا الفيروس ما كان اعتيادياً ومألوفاً في حياة كنائسنا، وأعطانا دروساً جديدة في كيفية تأقلمها وتكيفّها مع هذا الواقع الجديد، هذا العام تبدو صلواتنا وعبادتنا مختلفة بالتأكيد، ومع ذلك، فإن إيماننا يزداد عمقاً نظراً للوعي المتزايد بهشاشة إنسانيتنا.
جائحة كورونا، إن جاز التعبير، كالمجمع الفاتيكاني الثاني في النقلة النوعية التي حدثت بعمل الكنيسة المعاصرة منذ ستينات القرن الماضي، حيث بدأ دور العلماني بوضوح، والليتورجيا المعاصرة، واستخدام اللغة المحلية والانفتاح على الكنائس الشقيقة والديانات المتنوعة، يعلمنا البابا فرنسيس من خلال عظته بمناسبة عيد العنصرة 2019 “الروح القدس لا يأتي فقط بالتوافق الداخلي، إنما أيضاً الخارجيّ، بين البشر، إنه يجعلنا كنيسة، فهو يُعلي من أجزاء مختلفة بناء واحداً متناسقاً”، أعتقد أن الكنيسة تحتاج إلى هذا النوع من الانفتاح في خضم هذه الأزمة.
لقد أعطت هذه الجائحة الكنيسة ألواناً جديدة من تجديد الإيمان والصلاة المعاصرة، لتسير نحو الانطلاق والحداثة، فأضحى البيت كنيسة صغيرة، وباتت التكنولوجيا وسيلة تواصل معاصرة للخطاب الديني، وأصبح التكاتف والمشاركة والتضامن الاجتماعي لغة العمل الجماعي، إنها عنصرة جديدة نثرت في خضم الوباء بذور الأمل في حياتنا الإيمانية، فمثلت هذه التجربة لقاءاً جديداً مع الله ليعلمنا ويرشدنا إلى الحقيقة، ليخترق عزلتنا، واثقين من أن نوره سيقودنا نحو الأمل والفرح والترابط خلال هذا الوقت من التباعد الجسدي.
“ترسل روحك فتخلق، وتجدد وجه الأرض” (مز 30:104)، بينما نستعد لعيد العنصرة ندعو الله أن يرسخ ويجدد كنيستنا التي تمدنا بالقوة كي نحيا في الإيمان، وأن يعمل في حياة جميع البشر ويفتح قلوبهم وأيديهم وآذانهم لاستقباله في حياتهم، فالروح المشبعة بالإنسانية التي تقودنا نحو المسيح المصلوب، هي نفس الروح التي ستقودنا نحو أولئك الذين يعانون. ونختم مع قداسة البابا فرنسيس “فتح العيون والآذان لكن الأهم فتح القلوب للإصغاء إلى صرخة الشعب المخفية…”.