أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
يُظهر لنا إنجيل اليوم (را. يو 3، 16-18)، في عيد الثالوث الأقدس، بأسلوب الرسول يوحنا المقتضبة، سر محبة الله للعالم خليقته. في الحوار المقتضب مع نيقوديموس، يسوع يقدّم نفسه كذلك الذي يتمم تدبير الآب لخلاص العالم. قال: “إِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد” (الآية 16). تشير هذه الكلمات إلى أنّ عمل الثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، إنما هو كلّه تدبير محبة واحد يريد أن يخلص البشرية والعالم. إنه تدبير خلاص من أجلنا.
خلق الله العالمَ حسنًا وجميلًا ولكن بعد الخطيئة دخل الشرُّ والفساد إلى العالم. كلُّنا خطأة، رجالٌ ونساء، كلُّنا، وبالتالي كان يمكن لله أن يتدخل ليدين العالم، ويدمر الشر ويعاقب الخطأة. لكنَّ الله، بدلاً من ذلك، أحب العالم بالرغم من خطاياه. إنّ الله يحب كل واحد منا حتى عندما نخطأ ونبتعد عنه. يحب الله الآب العالم لدرجة أنه، ولكي يخلصه، قدم أثمن ما لديه، قدَّم ابنه الوحيد، الذي بذل حياته من أجل البشر، فمات وقام وعاد إلى الآب، ومع الآب أرسل الرّوح القدس إلى العالم. لذلك فإنّ الثالوث الأقدس هو محبة، كلّه في خدمة العالم، الذي يريد الله أن يخلصه ويخلقه خَلقًا جديدًا.واليوم إذ نفكّر بالله، الآب والابن والروح القدس، نفكر بمحبّة الله لنا! ما أجمل أن نشعر بمحبّة الله لنا. “”الله يحبني”: هذا هو شعورنا اليوم!
عندما نسمع يسوع يقول إنّ الآب جاد بابنه الوحيد من أجلنا، فإننا نفكر بشكل عفوي في إبراهيم وتقدمة ابنه إسحق، كما روى ذلك سفر التكوين (را. 22، 1- 14): هذا هو “القياس الذي لا قياسَ له” في محبة الله. ويذهب فكرُنا أيضًا إلى الصفات التي كشفها الله عن ذاته لموسى: “رحيم ورؤوف، طويل الأناة كثير الرحمة والوفاء” (را. خر 34، 6). إنّ اللقاءَ مع الله شجَّع موسى الذي، كما يروي سفر الخروج، لم يخَفْ من أن يتوسّط بين الشعب وبين الله قائلاً له: إنه شَعبٌ قاسي الرِّقاب. فاَغفِرْ إِثمَنا وخَطيئَتَنا وآتَّخِذْنا ميراثًا لَكَ” (آية 9).وكذلك فعل الله إذ أرسل ابنه. نحن أبناء الله بالابن وبقوة الروح القدس! نحن ورثاء لله!
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، يدعونا عيد اليوم إلى أن نترك أنفسنا نُفتَتَن مرةً جديدة بجمال الله، بالجمال والصلاح والحقيقة التي لا تنضب ابدًا. لكن لنُفتَتَن أيضًا بالجمال والصلاح والحقيقة والتواضع وقربه منا، الذي تجسّد لكي يدخل في حياتنا وتاريخنا وتاريخي وتاريخ كل واحد منا، حتى يتمكن كل رجل وامرأة من أن يلتقي به وأن ينال الحياة الأبدية. هذا هو الإيمان: أن نقبل الله الذي هو محبة، والذي قدّم ذاته لنا في المسيح، الذي يجعلنا نتصرّف بدافع من الروح القدس، وأن نسمح له بأن يلتقينا وأن نضع ثقتنا فيه.هذه هي الحياة المسيحية. أن نحب، وأن نلتقي بالله، وأن نبحث عنه، هو الذي يبحث عنا أولًا ويلتقي بنا أولًا.
لتساعدْنا مريم العذراء، مسكن الثالوث الأقدس، لكي نقبل، بقلب منفتح، محبة الله التي تملؤنا بالفرح وتعطي معنى لمسيرتنا في هذا العالم، وتوجِّهْهَا دائمًا إلى الهدف الذي هو السماء.
صلاة التبشير الملائكي
بعد صلاة التبشير الملائكي
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!
أحييكم جميعًا، سكان روما والحجاج: الأفراد والعائلات والجماعات الرهبانيّة. إنّ حضوركم الصغير في الساحة هو أيضًا علامة على أنَّه قد تمَّ تخطّي المرحلة الصعبة من الجائحة في إيطاليا، حتى لو ما زلنا بحاجة لاتباع القواعد القائمة بعناية –انتبهوا، لا تحتفلوا بالنصر قبل أوانه، لا تحتفلوا بالنصر مُسبقًا-، لأن تلك القواعد تساعدنا على إيقاف انتشار الفيروس. الحمد لله أننا نخرج من مركز الجائحة أقوياء أكثر، ولكن دائمًا عبر احترام التعليمات التي تعطينا إياها السلطات. لكن للأسف في العديد من البلدان الأخرى، أفكر في البعض منهم، حيث لا زال الفيروس يحصد العديد من الضحايا.يوم الجمعة الماضي، في بلد واحد، توفي شخص كل دقيقة! إنه أمر محزن للغاية. أرغب في أن أعبّر عن قربي من تلك الشعوب ومن المرضى وعائلاتهم وجميع الذين يعتنون بهم. إننا عبر الصلاة نقترب من بعضنا البعض.
إنّ شهر يونيو / حزيران مكرّس بشكل خاص لعبادة قلب يسوع المسيح، التي تجمع المُعلمين الروحيين الكبار والبسطاء من شعب الله. في الواقع، إنّ قلب يسوع البشري والإلهي هو الينبوع الذي يمكننا أن نستقي منه على الدوام الرحمة والمغفرة وحنان الله. ويمكننا القيام بذلك من خلال التوقف عند أحد مقاطع الإنجيل والشعور بأنّه، وفي محور كل تصرّف وكلمة ليسوع، هناك محبّة الآب، الذي أرسل ابنه، وهناك محبة الروح القدس الذي في داخلنا. يمكننا القيام بذلك من خلال السجود للقربان المقدّس حيث يكون هذا الحب حاضرًا في سرّ الإفخارستيا. عندها سيصبح قلبنا، شيئًا فشيئًا، أكثر صبرًا وسخاءً ورحمةً مثل قلب يسوع.هناك صلاة قديمة، تعلمتها من جدتي، والتي تقول: “يا يسوع، اجعل قلبي مثل قلبك”. إنها صلاة جميلة. “اجعل قلبي مثل قلبك”. إنها صلاة صغيرة ورائعة لنصليها في هذا الشهر. دعونا نتلوها معًا الآن؟ “يا يسوع، اجعل قلبي مثل قلبك.” مرة أخرى: “يا يسوع، اجعل قلبي مثل قلبك”.
أتمنّى للجميع أحدًا مباركًا. ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. غداء هنيئًا وإلى اللقاء!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2020