إنّ المرحلة الثالثة التي أقترحها عليكم من بين المراحل العشر نحو سعادة الزوجين (وإن صحّ القول، نحو سعادة كلّ علاقة) هي “أن تتجرّأ على أن تكون حنونًا”.
لن أخفِ عليك أنّني استوحيتُ هذه الفكرة من إعلان ورد منذ سنوات عن ميلكا(MILKA) إنما هذا لا يعني أنّ دعوتي مترافقة مع السكّر والشوكولا ونوعًا من الرقّة الحلوة المذاق.
في الواقع، إنّ الأمر الأوّل الذي يجب أن نوضحه هو بأنّ الحنان ليس الرقّة. ولإيضاح الفكرة، إنّ إحدى صفات الله العظيمة الواردة في العهد القديم هي الرحمة والحنان (وهما مرادفان) ولا أظنّ أنه يمكن أن يُقال عن الله في الكتاب المقدس، بالأخص في العهد القديم، أنه كان عاطفيًا.
حسنًا. لندخل في صلب الموضوع، منطلقًا من نشيد الأناشيد.
الثعالب الصغيرة
الثعالب هي حيوانات صغيرة، رقيقة وجميلة. هي تذكّرنا بالأمير الصغير والصداقة، وهي بالتالي لطيفة معنا. تعترضنا مرّات كثيرة على الطريق. تبدو لنا ضعيفة فتجمد عندما ترى مصابيح السيارة الأماميّة متّجهة صوبها. ثم عليك التوقف بانتظار أن تقرّر المغادرة من أمام السيّارة.
من هذه الثعالب يحذّر سليمان الحبيبة في نشيد الأناشيد: “صيدوا لنا الثعالب، الثعالب الصغار، التي تتلف الكروم، فإنّ كرومنا قد أزهرت” (نش 2: 15). هو لا يتحدّث عن الديناصورات ووحيد القرن، ولا عن الثيران، بل عن الثعالب الصغار التي لا نسمع خطاها عند قدومها، بل بإمكانها أن تتلف الكروم، التي ترمز إلى خمور الحبّ.
إلى أين أريد أن أصل؟ في حياة الزوجين، لا تبدأ الشقوق بزلزال مروّع بل باللفتات الصغيرة مثل عدم الانتباه، قلّة الاحترام، والكلام المؤذي. ثمّ تبدأ الكلمات بإبعاد المسافات في القلوب، ويشرع صمت اللامبالاة. يتحوّل “تأثير الفراشة” إلى جحيم.
تمامًا كما هي الحال في نظريّة “تأثير الفراشة”، يمكن أن تتحوّل الأجنحة إلى إعصار يصل إلى الجانب الآخر من العالم، وهكذا تتحوّل دفعة بسيطة مع الوقت إلى صفعة ثمّ إلى عنف منزليّ مميت.
“الانتباه إلى الثعالب الصغيرة” هي دعوة حتى نكون متيقّظين إلى الأشياء الصغيرة، وألاّ نستخفّ باللفتات الصغيرة لأنها يمكن أن تصبح كبيرة وخطيرة. “من كان أمينًا على القليل، كان أمينًا على الكثير” (لو 16: 10).
إنها أشبه بنصيحة يقدّمها ذلك المعلّم الحكيم الذي يأخذ بالتلميذ إلى الخارج ويقول له: “انزع القليل من الحشائش”. وسرعان ما يأخذ التلميذ بيد واحدة، حفنة من الحشائش. ثم يطلب منه أن يقلع شجيرة. ومع القليل من الجهد، ينجح في قلعها مستخدمًا يديه الاثنين. ثم يشير إلى شجرة ويطلب منه أن يقلعها. يستخدم التلميذ مطيعًا كلّ قواه، إنما يفشل في المحاولة. فيقول له المعلّم: “هكذا هو الحال مع العادات، تكون الجذور سهلة القلع في البداية، ثم تزداد صعوبة مع الوقت إلى أن يصبح من المستحيل قلعها بقوّتك الخاصّة”.
إنّ عادات اليوم هي طابع الغد، هي قواعد المستقبل. لهذا، نحن بحاجة إلى تأسيس العادات وديناميّات السعادة والاحترام بين الزوجين.
ينفجر الزوجان مرّات عديدة ليس لأنّ الشركاء هم سيئون، بل بالأحرى “عديمي الخبرة” وبعبارة أخرى، حمقى”، لأنهم لا يولون اهتمامًا بالأمور الصغيرة التي تؤلّف إطار الحقيقة.
إنّ الصورة الرقميّة الجميلة مؤلَّفة من عدد كبير من وحدات البكسل، وهكذا هي الحياة الزوجيّة، هي مؤلّفة من لفتات صغيرة تشكّل فارقًا كبيرًا، من أوقات صغيرة تميّز الحياة بكاملها.
لفتة عمليّة
الحنان صفة إلهيّة مهمّة. إن أردنا أن نحبّ على مثال الله، فعلينا أن ندخلها في خبرتنا الزوجيّة. كيف؟
لنزن جيدًا كلامنا.
مباركة الآخر، يعني أن نتحدّث جيدًا عنه أو عنها… إنها لفتة تبدو وكأنها عفويّة للغاية في البداية وتصبح صعبة جدًا وغير ضرورية بعد فترة. لا تنخدعوا! لا تستخفّوا بالتعبير عن الحبّ والتقدير!
جد عبارة جميلة (أو حقيقيّة) تتفوّه بها اليوم. ولِمَ لا، ابتداءً من اليوم، وكلّ يوم!
***
نقلته من اللغة الإيطاليّة إلى العربيّة – ألين كنعان إيليّا
وكالة زينيت العالميّة
إن أردتَ قراءة الجزء الأوّل من المقالات، انقر هنا:
الجزء الثاني: