كم من مرة أثبتنا قدرتنا على إبقاء السمع خارجياً في إلتقاء دون إصغاء .فمن الممكن أن يصل صوت شخص ما إلى آذاننا ولكن عندما لا يدخل إلى قلوبنا وعقولنا ، فإننا في الحقيقة لا “نستمع” و لا نصغي. من منظور كتابي ، يريدنا الله أن “نصغي” إلى صوته، وننتبه إليه ونتأمل كلمته. من هنا إتخذت في القديم الصلاة التي تُعرف بـ “شيما” أهمية عظمى. و هذه الصلاة التي كانت محور صلاة الصباح والمساء هي كناية عن آيتين من أروع آيات الكتاب المقدس واردتين في سفر التثنية و كان الآباء يعلمون أطفالهم تلاوتها قبل النوم في الليل :
” إسمع يا إسرائيل الرب إلهنا، إله واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك…”
لاحظ اللاهوتيون أن وراء ذكر القلب أولاً (في تثنية 6: 5) ، تقليد كتابي يشير أن القلب هو مركز اتخاذ القرارات وليس مركز المشاعر. إذاً على (إسرائيل = شعب الله) أن يصغي بقلبه = طائعاً لربه.
في لوحة جميلة موقعة من قبل الفنان الإيطالي جيوفاني غاسبارو ، يمكن للمرء أن يرى القديس يوسف ، الشخصية الصامتة و المؤثرة من العهد الجديد كشاب يحمل في يدٍ الزنبق رمزًا للعفة و في اليد الثانية يحمل نموذج المؤمن الحق : قلبًا ناصعًا أطلق عليه الفنان لقب “قلب القديس يوسف العفيف”.
لا يسجل الإنجيل آية واحدة قالها القديس يوسف. ومع ذلك ، فإن ما فعله هذا القديس العظيم في حياته من أجل إنجاح تدبير الله يقول الكثير…. نعلم أن قلبه كان لله مستمعًا و له طائعاً و بهذا كان للعفة مثالا… تجسيد جميل لصلاة ال”شيما”! عرف كيف يستقبل في صلب حياته يسوع ومريم وأشبع قلبه في العناية بشؤونهما. عاش في عصر عصفت به رياح الصعوبات المادية و المعنوية و رغم التحديات و الصعوبات من جميع اللوان بقي مناضلاً وأيضاً … وجه الأب الحنّان الذي يسهر و يعمل ويهتم و الذي – أيضاً – يعرف متى “ينام” بين يدي الرب بإستسلام.
اليوم ، في عيده و في السنة التي أطلقت روحياً بشفاعته، يقف القديس يوسف مثالاً رائعاً . في زمن الأزمات حين تخفت الهمم و يقل الإصغاء و يكثر الشنيع من الكلمات وينشط الطمع وسط العديد من المؤمرات ، يذكرنا يوسف بأهمية أن نميز الخير الأعظم في المعرفة الحقيقية و عدم الإستعجال في تبني عشوائي لكل ما يُطرح من نظريات. عند مفترق طرق الحياة ، يحثنا ذاك البار أن نمرر كل قرار بقلب مطواع لكلمة الله قبل أن نحسم الخيار!
في أيامنا القاسية التي يُقال أن فيها تاء الموت مبسوطة و تاء الحياة كحبل المشنقة مشدودة. ها الرب لا يزال معلناً : ” أشهد عليك اليوم السماء والأرض. قد جعلت قدامك الحياة والموت. البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا ” (تثنية 30: 19). نعم، نحن في وسط الجلبة التي فيها يرتفع صوت الشكوى واللوم، فهل سنختار الحياة – كيوسف – بإصغاء للكلمة عبر قلوب عفيفة تعرف العزف بين العزم و لله الإستسلام ؟!
على هذه النية نتطلع بيوسف نظرة تشفعية وعلنا منه نأخذ الإلهام ولا ننسى أن في جوابنا يكمن مصيرنا المستدام!