المرحلة الثالثة: “المساومة”.
يقرّر “المجروح” في هذه المرحلة أن يمضي كل واحد في حياته. فيقول، “نعم هذا الحبيب الخائن لديه حياته وأنا لدي حياتي ولا أريد أي تواصل”. أمام الموت والغضب على الله، “لا أريد الله من بعد اليوم أن يتدخل في حياتي أو هذه الحياة، والحياة يجب أن تستمرّ”.
(الذي يقتل الشريك عادة، هو الإنسان الذي رفض “المساومة”، أي “هو لي أو لا يكون لأحد، فيقتل الخطيب مثلاً الخطيبة الخائنة ويقتل ذاته من بعدها).
– المرحلة الرابعة: “الحزن واليأس والفراغ”.
لأن المجروح مضى في طريقه، وبعد مضي كم يوم أو كم شهر، يشعر المجروح بحزن كبير، بيأس كبير، بفراغ كبير جدًا، يشعر بروتين يومي قاتل، يشعر وكأن حجر كبير على قلبه، يشعر بأنه يفقد المعنى لكلّ شيء… لماذا؟
لأن غياب الشريك، أو الإبن أو… خَلَقَ فراغ كبير جدًا، فراغ من العاطفة والأحساسيس وشعور الحبّ، والفراغ يقتل الإنسان ويخنقه. الإنسان لا يستطيع أن يعيش في غرفة “فارغة”، فكيف إذا كان الفراغ في داخل الإنسان؟! أمام هذا الفراغ، يبادر “المجروح” إلى ملء الفراغ.
هذه المرحلة هي المرحلة الأساسية والحاسمة، لذلك يجب الإنتباه على كيفية التعامل مع هذا الفراغ.
لأن عادة يرتكب “المجروح” أربعة أخطاء، تكون قاتلة بعض الوقت، فما هي هذه الأخطاء؟!
أ- الخطأ الأول، “أن لا يملء المجروح الفراغ بشيء”، والإنسان لا يقدر أن يعيش بالفراغ، فيفقد المعنى بكل شيء، ويخيّم على حياته حزن كبير جدًا، فيفكّر بالإنتحار دائمًا، فإمّا أن ينتحر أو يدخل في دوامة كبيرة وهي عيش المراحل الأربعة دائمًا، أي يرجع من جديد إلى الرفض فالغضب فالمساومة فالفراغ، ويعيشهم في حالة تكرار دائمًا تدفع بالناس الذين يعيشون بقربه إلى الهروب منه وعدم الإستماع إليه من جديد…
ب- الخطأ الثاني، “أن يملء الفراغ بسموم”، فيبدأ بالشرب لكي ينسى أو تعاطي المخدرات، فينتهي به الأمر، بالإدمان على لعب القمار، أو على الكحول، أو على عادات سيئة، أو يموت من جراء تناوله المفرط للمخدرات أو الكحول، لأنه يزيد الجرعة من المخدرات على أمل البقاء لمدة أطول بعيد عن الفراغ الذي يعيشه. لأن هذه السموم، تساعده على الهروب من واقعه ورسم واقع جديد خيالي، ولكنّه يبقى واقع خيالي. فتتدهور حالة “المجروح” يخسر عائلته، أو تتفكك، أو يحصل طلاق ما، أو يدخل السجن و…
ت- الخطأ الثالث، “أن يملء الفراغ ببديل مشابه لما فقده”. مثلا، يدخل المجروع بعلاقة جديدة سريعة بعد تركه للشريك الخائن. فيرمي جميع عواطفه ومشاعره التي عمرها سنين طويلة على الشريك الجديد الذي هو ما زال صغير أمام كبر هذه المشاعر، فيأتي يوم ما ويقول الشريك الجديد للمجروح لقد خنقتني، لقد قتلتني بمشاعرك القوية، لا أريد هذه العلاقة، فيكون هذا جرح ثاني للمجروح. الأخطر أن يلتقي هذا “المجروح” بمجروح آخر بالحبّ، ويملء هذا الشخصان فراغهما من بعضهما البعض، فعيشان علاقة حب قويّة ويقرران الزواج وتتطور إلى علاقات جنسية قويّة، وبعد مضي من الوقت، يتخانقان ويتركان بعضهم البعض، لأنهم قتلوا بعضهم البعض من جراء هذا الفراغ، ويعيشان كراهية كبيرة لبعضهم البعض. أو على سبيل مثال آخر، تنغرم تلميذة بمعلّمها الذي هو أكبر سنًّا منها، لأنها رأت به صورة الأب (المائت) والحبيب أو أن ينغرم التلميذ بمعلمته، أو أن تتعلّق المعلّمة بتلميذ ما لأنها رأت فيه صورة إبنها (الذي مات) و…
ث- الخطأ الرابع، “أن يكون المجروح مشغول بتعبئة الوقت وليس الفراغ”. مثلًا، مع فقدان الشريك، قد فقد الحنان والعطف و التقدير و… فبدأ يقوم بنشاطات عديدة، ولكن هذه النشاطات تملء الوقت وليس الفراغ. وكل ما يعود إلى غرفته من جديد، يبدأ بالحزن من جديد ويعود إلى فراغه. يكره الوقت، يكره الجلوس بمفرده، ويكره أن يجلس من دون أن يقوم بشيء ما. لقد ملء الوقت، ولكن هذا لا يعني أنّه ملء الفراغ.
– المرحلة الخامسة: “الشفاء”. (سنتوسّع في عرضها لاحقًا).
دعوتي الآن أن يقوم كل واحد منّا بتحديد جرحه؟ بأي مرحلة هو “الرفض أو الغضب أو المساومة أو الفراغ؟ هل يعيش أخطاء ملء الفراغ؟ دعوتي أن يقوم لكل واحد منّا بقراءة ذاته على ضوء هذا المقال “الشفاء من ألم الذكريات أي الشفاء من جرح الماضي…” (الجزء الأول والثاني)، على رجاء أن يهبنا الله القوة والنعمة لنتأمل لاحقًا بمرحلة الشفاء.
لقراءة الجزء الأوّل من المقالة، أنقر هنا:
https://ar.zenit.org/2021/11/05/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%81%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa/