يسوع المسمَّر على الصَّليب عالمٌ أنّ كلَّ شيء قد ٱنتهى (يو 19/ 28). إنّه في أوجاعه وآلامه مُسيطرٌ على نفسه، وعالمٌ ما يريد إلى النِّهاية، أي القيام برسالته الَّتي عهد إليه الآب القيام بها وهي الخلاص، يسوع في قلب آلامه مثابرٌ على الطاعة للآب حتّى النَّفَس الأخير. وبرسالته تمَّم يسوع الكتب المقدّسة، وهي تشهد له (يو 5/ 39)؛ إنّ كلّ ما أنبأت به الكتب المقدّسة قد تحقّق فيه شخصيًّا، ونذكر على سبيل المثال ما يختصّ بالآلام والصَّلب: صُلِبَ بين لصّين (يو 19/ 18)، فتمّ ما قاله أشعيا: “إنَّه حُسِبَ مع الخطأة- الأثمة” (أش 53/ 12)؛ أخذ الجنود ثيابه وقسّموها إلى أربع حصص (يو 19/ 23-24) فتمّ ما قاله المزمور “يقتسمون بينهم ثيابي ويقترعون على لباسي” (22/ 19)؛ عَطِشَ يسوع على الصَّليب، وسُقيَ خلًّا، فتمّ المزمور القائل: “جعلوا في طعامي سُمًّا، وسقوني في عطشي خلًّا” (69/ 22)؛ طُعِنَ يسوع بالحربة فتممَّ ما قاله زكريَّا: “سينظرون إلى الذي طعنوا” (12/ 10)؛ لم يُكسَر له عظم، لأنّه الحمل الفصحيّ، فتممَّ الكتاب القائل: “وعظما لا تكسر له” (خر 12/ 46)، “يحفظ عظامه كلّها فلا ينكسر واحد منها” (مز 34/ 21)…
علم يسوع على الصَّليب أنّ رسالته قد تحقّقت، وهي خلاص الإنسان، كما أوكل إليه الآب (يو 17/ 4)، فقد تمَّم عمل الآب لخلاص العالم (يو 4/ 34)، محقِّقًا ملكوت الله بين البشر… أتمّ يسوع كلّ ما من أجله تجسّد حبًّا لنا، وكانت ذروته الموت على الصَّليب، فيه أحبَّنا كلّ حبّه، إلى التَّمام والغاية (يو 13/ 1)، حُبَّ الرَّاعي الصَّالح الذي يبذل نفسه في سبيل خرافه (يو 10/ 11). وهذا الحبُّ في إعطاء الذات بالكامل قد أضفى على أحداث حياته معناها. أتمَّ يسوع إرادة الآب- كلّ شيء بطاعة كاملة.
تمَّم يسوع الكتب المقدّسة على ما نجد في نصوص الإنجيل، فهل أقرأ الكتب المقدَّسة على ضوء حياة يسوع! ولا سيَّما على ضوء أحداث الآلام والموت والقيامة.
أتمّ يسوع العمل الذي أوكله إليه الآب، وأنا قد أوكل يسوع إليّ حُبّ الإخوة، وحبّ الأعداء، وأوكل إليّ العيش معه بتلمذة مسيحيَّة حقيقيَّة، فهل أعيش وفق مقتضيات الحياة المسيحيَّة؟ وبحسب أصول التَّلمذة وفق تعاليم الكنيسة المقدّسة.
أتمّ يسوع الخلاص والفداء على الصَّليب، وأنا كيف أعيش اليوم هذا الخلاص، لتكون لي به الحياة الأبديّة؟ وكيف أستفيد من خلاص يسوع وأترجمه عمليًّا في حياتي اليوميَّة؟
قول يسوع “لقد تمّ”، هو نهاية يسوع على الصَّليب، ولكنّه يشكّل البداية ونقطة الانطلاق أي بداية وحياة جديدة في المسيح وبداية القيامة وبداية شعب الله الجديد- الكنيسة.