عندما نقرأ إنجيل القديس لوقا نرى أنّ يسوع ” كان يُعلّم في مجامع اليهود فيمجّدونه كلّهم ” (لوقا٤ : ١٥) ، حذار أن نعتبر أنّ مَن ينعم بالسعادة هم فقط الذين سمعوا صوت يسوع المسيح ، والويل لنا إذا اعتبرنا أنفسنا محرومين من هذه التعاليم . فإنّ الربّ يسوع يتكلّم اليوم في قلبِ وضمير كل واحدٍ مِنّا ، وأيضاً في قلب وضميرِ جماعاتنا المنتشرة في الكنائس والمجتمعات ، كما كان يسوع يفعل في مجامع اليهود .
قال النبيّ أشعيا : “روح الربّ عليّ ، لأنّه مسحني لأبشّر الفقراء” . ما عناه بالفقراء هو الشعب الوثني . فهو كان في الواقع شعباً فقيراً ، لا يملك شيئاً ، لا يؤمن بإله أو بشريعة أو بألانبياء .
لماذا أرسله الله كرسول للفقراء ؟
أرسله ” ليُنادي للأسرى بالحريّة وللعميان بعودة البصر” (لوقا ٤ : ١٨) لأنّ العميان سيبصرون النور من خلال كلمته وتعاليم عقيدته .
اليوم تَمَّت هذه الآيةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم : ” رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ … ” (أشعيا ٦١ : ١)، وكأن الربّ يسوع المسيح يقول : ” لأنّ الربّ مسحني وأرسلني ، وأقول أيضاً : رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ .
في أي وقت قد مسحني الربّ ؟
يجيب السيد المسح بنفسِهِ ويقول : لقد مسحني الربّ حين حُبِل بي ، ليتمّ الحبل بي في حشا أمي . لأنّه ليس من زرع رجل قد حبلت بي امرأة ، إنّما حبلت بي عذراء من خلال مسحة الرُّوح القدس . لقد أعطاني الرّب المسحة الملوكيّة : لقد كرّسني ومسحني ملكاً ونبياً وكاهناً في الوقت نفسه . ومسحني الربّ مرّة ثانية بالرُّوح القُدُس نفسه في نهر الأردن يوم عمدّني يوحنا المعمدان ( متى ٣ : ١٦ – ١٧)
يتسأل يسوع أيضاً ويقول : لماذا رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ ؟ :
” لأَنَّهُ مَسَحَني لأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ المَظلومين” ( اشعيا ٦١ : ١ ).
” لم يرسلني للأصحاء ، إنّما أرسلني كطبيب للمرضى والقلوب الكسيرة …
لم يرسلني ” للصدّيقين والأبرار بل الخاطئين ” ( متى ٩ : ١٣- ١٤ ) .
أرسلني “رَجُل أَوجاعٍ وعارِف بِالأَلَم” ( أشعيا ٥٣ : ٣ ) ، رجلٌ “وَديعٌ مُتواضِعُ القَلْب” (متى ١١ : ٢٩ ) .
أَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم وأُفَرِّجَ عنِ المَظلومين … فلأيّ أسير يجب أن أُعلِنَ الخلاص ؟ ولأيّ سجين سأعلن الحريّة ؟
وبما : ” أَنَّ الخَطيئَةَ دَخَلَت في العالَمِ عَن يَدِ إِنسانٍ واحِد، وبِالخَطيئَةِ دَخَلَ المَوت ” (رومة ٥ : ١٢)، هذا يعني أنّ كلّ الناس هم سجناء الخطيئة وأسرى الموت … لقد أرسلني ” لأُعَزِّيَ جَميعَ النَّائحين، نائحي صِهْيون “، كلّ الّذين ينوحون لأنّهم كانوا – بسبب خطاياهم – محرومين ومنفصلين عن ” أُورَشَليمُ العُليا ، السماويّة ” أُمّهم (غلاطية ٤ : ٢٤) .
نعم، يقول الرّبّ سأَمنَحَهمُ التَّاجَ بَدَلَ رماد” التّوبة ” ، ” وزَيتَ الفَرَحِ ” أي تعزية الرّوح القدس، ” بَدَلَ النَّوح والبكاء ” لكونهم أيتاماً ، و” حُلَّةَ التَّسْبيحِ أي مجد القيامة ” بَدَلَ روحِ الإِعْياء” ( أشعيا ٦١ : ٣) .
” ثمّ طوى يسوع السِّفرَ فأعاده إلى الخادم وجلس . ” وكانت عُيونُ أَهْلِ المَجمَعِ كُلِّهم شاخصةً إليه ” (لوقا ٤ : ٢٠) .
والآن، بوسعنا أن نتمعّن النظر في المخلّص يسوع خلال حياتِنا . فحينما نُكرّس اهتمام قلبنا العميق للتأمّل في الحكمة، في الحقيقة وفي إبنِ الله الوحيد ، تصبح أعيننا قادرتين على رؤية يسوع . طوبى للجماعة التي شهد لها الكتاب المقدّس حيث قال : ” كانت عُيونُ أَهْلِ المَجمَعِ كُلِّهم شاخصةً إليه ” .
كم أتمنّى أن نستحقّ كلنا شهادة مماثلة وأن تبصر عيون الجميع ، المؤمنين وغير المؤمنين ، النساء والرجال والأولاد، يسوع المسيح بعين الروح وليس بعيون الجسد . فبعد أن نتأمّله، سيشعّ نوره على وجوهنا ومن خلال نظراتنا نستطيع أن نقول : ” أطلِعْ علينا نور وجهك، يا ربّ واملأ قلوبِنا سُروراً أعظَمَ من سُرورِهم ” (مزمور ٤ : ٧ – ٨).