إنّ كمال الإيمان الّذي يحقّقه الرّب يسوع ، له عنصر آخر أساسي . فالمسيح في الإيمان ، ليس مجرّد مَن نؤمن به – أي الظّهور الأكبر لمحبّة الله – إنّما أيضاً هو من نتّحد به كي نتمكّن من أن نؤمن . فالإيمان لا ينظر فقط نحو الرّب يسوع ، إنّما يرى من وجهة نظر يسوع وبعينيه كذلك . إنّه مشاركة في طريقة الرّب يسوع لرؤية الأمور .
ففي مجالات عديدة من مجالات الحياة ، نحن نثق في وجهة نظر أناس آخرين لديهم معرفة أكثر منّا . إذ إنّنا نثق بالمهندس المعماريّ الّذي يبني بيتنا ، وبالصّيدليّ الّذي يعطينا الدّواء للشفاء ، وبالمحامي الّذي يدافع عنّا أمام المحكمة . لذلك ، نحن بحاجة أيضَا إلى أحدٍ ما يمكن الوثوق به ويكون خبيراً في الأمور المتعلّقة بالله .
إن الرّب يسوع ” ابن الله المتجسّد من مريم العذراء ” ، يقدّم نفسه معلناً أنّه هو من ” يخبرنا عن الله ” : ” إنّ الله لم يرآهًُ أحدٌ قطّ ، الابنُ الوحيدُ في حِضن الآب ، هو الذي أخبر عَنهُ ” ( يوحنا ١ : ١٨) . إن حياة الرّب يسوع المسيح ، وطريقة معرفته بالآب ، وعيشه بعلاقة دائمة وكاملة معه ، تفتح مجالاً واسعاً للخبرة البشريّة حيث يمكننا المشاركة بها وعيشها .
لقد عبّر القدّيس يوحنّا الإنجيليّ عن أهمّية العلاقة الشّخصية مع الرّب يسوع بالنّسبة لإيماننا عبر استخدامه المتعدّد لفعل ” آمَن ” . فبالإضافة إلى العبارة ” الإيمان بِأَنِّ ” ما يقوله الرّب يسوع هو الحقيقة ” ألا تؤمِنُ بأني في الآب وأنَّ الآبَ فيَّ ؟ ” (يوحنا ١٤ : ١٠ ) يستعمل يوحنّا تعبير ” الإيمان بـ ” يسوع و” الإيمان فيَّ ” أنا يسوع المتجسّد .
إنّنا نؤمن بـ ” يسوع ” عندما نقبل كلامه وشهادته لأنّه صادق ” عملُ اللهِ أن تؤمنوا بمن أُرسلُ ” ( يوحنا ٦ : ٣٠ ) .
ونؤمن بيسوع حين نستقبله شخصيًاً في حياتنا ونسلّم ذواتنا إليه، ملتصقين به في المحبّة ومتّبعين إيّاه في الطّريق الطّويل .
إن ابن الله قد تجسّد لكي يسمح لنا أن نعرفه ونستقبله ونتبعه ، وهكذا فإنّ رؤيته للآب قد تمّت بطريقة بشرية أيضاً عبر مسيرة … في الزّمن . إن الإيمان بالله الّذي تجسّد في يسوع النّاصريّ وأصبح ” ابن الله ” ، ” هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رَضيت ” ( متى ٣ : ١٧ )، لا يفصلنا عن الواقع إنّما يسمح لنا باستقبال معناه الأعمق في حياتنا ، وباكتشاف كم هو مقدار محبّة الله لهذا العالم وكيف يوجّهه باستمرار نحوه .اأن ما سبق يحمل المسيحي على الالتزام وعلى عيش مسيرته على الأرض بطريقة أعمق مع يسوع .