Theresa J. Marquez - Flickr - CC BY-NC-ND

هل المسيحيّة تتفلسف في الحياة الروحيّة؟

الجزء الثاني من المقالة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

في مقالنا السابق تناولنا لماذا سمينا هذه المقالة بالفلسفة الروحية وكيف أنها مستوحاة من المقولة الشعبية “جايي (هو آتٍ) ليتفلسف عليّ”. فهذه الكلمة تحمل الشيء الكبير من السلبية ولكن أخذناها حسب المعنى الإيجابي كما هو معناها في اللغة اليونانيّة “حب الحكمة”. أما في اللغة العربيّة، فهي التحليل والتركيب حسب الفيلسوف الراحل كمال الحاج. في هذا القسم والقسم المقبل، سنعالج روحانيّة الكنيسة الأولى مستندين إلى كتاب “مدخل إلى قراءة تاريخ الروحانية المسيحيّة في التقّليد الكاثوليكي” بقلم الأب جوردان أومان الدُّومينيكيّ. أما روحانيّة الكنيسة الأولى فتنقسم إلى الآباء الرسوليّون التي سنتناولها فقط أدناه دون غيرها، من ثم الحياة المسيحيّة في المقال القادم، على أن نغفل المسيحيّة الغنوصيّة.

كما قلنا سابقًا، ليس من روحانيّة واحدة داخل الكنيسة، هذه الكنيسة المندفعة من الروح القدس وأيقونة الثالوث الأقدس. في القرون الأولى، انقسم أبناء أيقونة الثالوث إلى مسيحيين من أصل يهودي وآخرين من أصل وثني. مع الوقت، حصل تباين في طريقة التعبير عن المعتقد المسيحي، فالبعض أراد دخول المسيحيين من أصل وثني في شريعة الختان والبعض رفض هذا التعبير. إنتهى هذا النقاش (موضوع الختان) مع مجمع أورشليم الذي إجتمع فيه الرسل من أجل اتخاذ القرار النهائي في هذا الموضوع وبالعدول عن الختان.

عُثر على كتاب عُرف بالذيذاخي أو تعليم الرسل الإثني عشر والمكتوب بين عامي 70 و100 ميلادي. نجد في هذا الكتاب الكثير عن الحياة المسيحيّة، من التعاليم الأخلاقية والتراتبية في الكنيسة إلى جانب غيرها من المواضيع. فكتابات الرسل هي تسجيل أصيل لتعاليم المسيح، وكذلك أعمال الكتّاب المسحيّين الأوّلين الذين نسمّيهم “الآباء الرسوليّين”، والتي كانت بدورها نقلاًا لتعليم الرسل. وكانوا بغالبيتهم على معرفة مع الرسل أنفسهم أو أشخاص ارتبطوا بهم. فالوثائق المكتوبة في تلك الفترة قليلة العدد، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:

إقليمنضوس الإسكندريّ هو الخليفة الثالث للقديس بطرس ( حوالي 88 – 97م)، هو كاتب الرسالة إلى أهل قورنتس في العام 95 أو 96م في أثناء اضطهادات دوميتيانُس أو بعدها. وكانت مناسبة هذه الرسالة الانشقاق الذي ظهر في هذه الكنيسة بسبب بعض الأعضاء المعتدّين الطموحين الحسودين، وقد ذكَّر فيها مجدها السابق، وناشد أهلها بإسم يسوع المسيح أن يعودوا إلى السلام والوحدة، فهو الذي سفك دمه لخلاصهم.

هرماس هو واضغ كتاب الراعي، الذي هو عبارة عن كتاب ينتمي إلى أسلوب الرؤى الأبوكريفية. هو كتاب رؤى قدّمت لهرماس خلال رمزين سماويّين: الأول امرأة عجوز كشفت له الرؤى الأربعة الأولى والثاني ملاك التوبة الذي ظهر في شكل راعٍ في الرؤية الخامسة وقدّم له الوصايا والأمثال. أما هرماس كما جاء في القانون الموراتوري Muratorian   Fragmenton the Canon – بأقدم لائحة باسفار العهد الجديد (مش مفهومة). اكتشفها موراتوري (1672- 1750) في مكتبة الامبروسيانية في ميلانو (ايطاليا) –. ويعود هذا الكتاب إلى القرن الثاني، فهرماس صاحب كتاب الراعي هو أخو بيبوس الأول أسقف روما (140-150م)، وارتأى أوريجينوس [311] أن صاحب هذا الكتاب هو هرماس المذكور في (روميّة 16: 14). قدمنا هنا  جزءًا من مراجع الآباء الرسوليّين.

هذه المجموعة من الآباء تدلّ بشكل واضح على أنهم مجموعة غير متجانسة لأسباب عديدة منها: سلطتهم، وبلدان منشئهم، والمواضيع التي عالجوها وما إلى ذلك. فالمشترَك الوحيد بينهم هو أنهم شهود لروحانيّة الكنيسة الأولى إذ  لا تتمتّع كل الكتابات بالقيمة نفسها من تاريخ الروحانيّة. (مش مفهوم كيف مرتبطة بالفكرة الي قبل) ومن أهمّ الوثائق: “رسالة القديس إقليمنضُس الرومانيّ إلى أهل قورنتُس، والذيذاخي ورسائل القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ”. فهذه الكتابات لا تقدم لاهوتًا نظريًا وبنويًا للحياة المسيحية بل يجب انتظار ظهور المدارس اللّاهوتيّة بإدارة إقليمنضُس الإسكندري وأوريجنُس والقديس غريغوريوس النيصيّ لبروز هذا اللاهوت.

مع ذلك، فإن خبرة العيش المسيحيّة ولاهوت الحياة الروحيّة معروضان ومشروحان، جزئيًا على ألأقل، لدى القديس يوحنا الإنجيليّ وبولس وتلامذتهما: “القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ، والقديس بوليقربُس، وبابباس كاتب الذيذاخي”. فالكنيسة لم تكن بعد مؤسسة كبُعد “مؤسساتي” ولا كانت بعد “واحدة وجامعة” كما نفهم من التعبيرين المستخدمَين اليوم. فكانت بنية تراتبية مع إعتراف بأولويّة القديّس بطرس وخلفائه وتقليد ليترجيّ يركزّ على الإفخارستيّا. وكان التمييز في ذلك الوقت مبنيًا على أساس المواهب كما وصفها القديس بولس في 1 قور 12 – 14 حيث توصف الحياة الروحيّة للكنيسة الأولى بتعابير عامّة من خلال تصنيف مواضيعها السائدة أو سماتها.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

سليمان فرنجيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير