vatican media

ماذا يمكننا أن نتعلّم من مريم من أجل هذه السّنة التي بدأت؟

عيد القدّيسة مريم والدة الله – واليوم العالمي السّادس والخمسون للسّلام

Share this Entry

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير وسنة طيّبة!

بداية العام الجديد نوكله إلى مريم الكليّة القداسة، التي نحتفل بها اليوم بصفتها والدة الله. وفي هذه السّاعات نلتمس شفاعتها على وجه الخصوص من أجل البابا السّابق بنديكتس السّادس عشر، الذي غادر هذا العالم صباح أمس. لنتحد جميعًا، بقلب واحد ونفس واحدة، ولنشكر الله لأنّه أعطانا هذا الخادم الأمين للإنجيل والكنيسة. رأينا قبل قليل على شاشة التّلفزيون، في برنامج ”على صورته“، كلّ نشاطات البابا بنديكتس وحياته.

ما زلنا نتأمّل في مريم في المغارة حيث وُلِدَ يسوع، ويمكننا أن نسأل أنفسنا: بأيّ لغة تكلّمنا القدّيسة مريم العذراء؟ وكيف تتكلّم مريم؟ وماذا يمكننا أن نتعلّم منها من أجل هذه السّنة التي بدأت؟ يمكننا أن نقول: ”يا مريم البتول، علّمينا ماذا يجب أن نعمل في هذه السّنة“.

إن نظرنا إلى المشهد الذي تقدّمه لنا ليتورجيّا اليوم، نلاحظ أنّ مريم لا تتكلّم. قبلت باندهاش السّرّ الذي تعيشه، وكانت تحفظ كلّ شيء في قلبها، وقبل كلّ شيء، اهتمّت بالطّفل الذي كان “مُضجَعًا في المِذوَد” (لوقا 2، 16)، كما قال الإنجيل. هذا الفعل ”أضجع“ يعني: وَضَعَ باهتمام وعناية، ويقول لنا إنّ لغة مريم بالتّحديد هي لغة الأمومة: الاهتمام والعناية بالطّفل بحنان. هذه هي عَظَمَةُ مريم: بينما كانت الملائكة تحتفل، وبينما جاء الرّعاة مُسرعين والجميع سبّحوا الله بأصوات مرتفعة، بسبب ما حدث، مريم لم تتكلّم، ولم تستوقِف الضّيوف لتشرح لهم ما حدث لها، ولم تَلفِت الأنظار إليها. نحن نحبّ أن نلفت الأنظار إلينا، بل عكس ذلك، وضعت الطّفل في المركز، واهتمّت به بمحبّة. كَتَبَت شاعرة أنّ مريم “عرفت أيضًا كيف تكون صامتة ويكونُ صمتُها احتفالًا، […] لأنّها لم تكن تريد أن تفقد رؤيّة الله” (إيلدا ميريني، جسد من الحبّ. لقاء مع يسوع، ميلانو 2001، 114).

هذه هي لغة الأمومة النّموذجيّة: حنان الاهتمام والرّعاية. في الواقع، بعد أن تحمِل الأمّهات في بطونهنّ عطيّة معجزةٍ وسرًّا، مدّة تسعة أشهر، فإنّهن يَسْتَمرِرنَ في وضع أطفالهنّ في مركز الاهتمام والرعاية: يطعمونهم، ويحملونهم بين أذرعهنّ، ويضعونهم بلطف في المهد. الاهتمام والرّعاية: هذه هي أيضًا لغة والدة الله، إنّها لغة الوالدة التي تهتمّ وتعتني.

أيّها الإخوة والأخوات، مثل كلّ الأمّهات، حملت مريم الحياة في بطنها، وهكذا كلّمتنا على مستقبلنا. وفي الوقت نفسه، تذكّرنا أنّه إن كنّا نريد حقًّا أن تكون السّنة الجديدة جيّدة، وإن كنّا نريد أن نُعيدَ بناء الأمل، فنحن بحاجة لأن نتخلّى عن اللّغات والإشارات والخيارات المستوحاة من الأنانيّة، ونتعلّم لغة الحبّ، التي هي لغة الاهتمام والرّعاية. الاهتمام والرّعاية هما لغة جديدة، تسير عكس لغات الأنانيّة. هذا هو الالتزام: أن نهتمّ ونعتني بحياتنا – كلّ واحد منّا يجب أن يهتمّ بحياته -، وأن نهتم بوقتنا، وبأرواحنا، ونهتمّ بالخليقة والبيئة التي نعيش فيها، وأكثر من ذلك، نهتمّ بقريبنا، والذين وضعهم الرّبّ يسوع إلى جانبنا، وأيضًا الإخوة والأخوات المحتاجين الذين يخاطبون انتباهنا ورأفتنا. ونحن ننظر إلى سيّدتنا مريم العذراء مع الطفل، بينما هي تهتمّ وتعتني بالطفل، نتعلّم نحن أن نهتمّ بالآخرين، وكذلك بأنفسنا، ونهتمّ بصحتنا الداخليّة وحياتنا الرّوحيّة ومحبّتنا للآخرين.

في احتفالنا اليوم باليوم العالمي للسّلام، ندرك مرّة أخرى المسؤوليّة المُوكلة إلينا لبناء المستقبل: أمام الأزمات الشّخصيّة والاجتماعيّة التي نعيشها، وأمام مأساة الحرب، “نحن مدعوّون إلى مواجهة تحدّيات عالمنا بمسؤوليّة وشفقة” (رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي السّادس والخمسين للسّلام، 5). ويمكننا أن نفعل ذلك إن اهتممنا بعضنا ببعض وإن اهتممنا كلّنا معًا ببيتنا المشترك.

لنبتهل إلى القدّيسة مريم والدة الله، في هذا العصر الملوّث بعدم الثّقة واللامبالاة، حتّى تجعلنا قادرين على أن نرأف ونهتمّ بالآخرين، وعلى أن “نتأثّر ونَقِف أمام الآخر، كلّما لَزِمَ ذلك” (الإرشاد الرّسوليّ، فرح الإنجيل، 169).

 

صلاة التّبشير الملائكيّ

بعد صلاة التّبشير الملائكيّ

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!

في هذا اليوم، الذي أراد القدّيس بولس السّادس أن يكرسه للصلاة والتّأمل من أجل السّلام في العالم، نشعر بقوّة أكبر وبشكل لا يطاق تناقض الحرب، التي تزرع الموت والدمار في أوكرانيا ومناطق أخرى. ولكن لا نفقد الأمل، لأنّنا نؤمن بالله الذي فتح لنا طريق السّلام، بيسوع المسيح. خبرة الجائحة تعلّمنا أنّه لا يمكن لأحد أن يخلّص نفسه وحده، بل معًا يمكننا أن نسير في مسارات السّلام والتّنمية.

يرتفع صراخ العالم في كلّ الشّعوب: لا للحرب! لا لإعادة التسلّح! الموارد تذهب إلى التّنمية: إلى الصّحّة، والتغذية، والتّربية، والعمل. من بين المبادرات التي لا حصر لها والتي روجت لها الجماعات المسيحيّة، أتذكّر المسيرة الوطنيّة التي عقدت أمس في ألتامورا (Altamura)، بعد القوافل الأربع التي حملت التّضامن مع أوكرانيا. أحيّي وأشكر العديد من أصدقاء جماعة القدّيس أجيديو الذين جاؤوا مرّة أخرى هذه السّنة ليشهدوا لالتزامهم من أجل ”السّلام في كلّ الأرض“، هنا وفي مدن العالم العديدة. أشكركم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، جماعة القدّيس أجيديو!

وأتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا وسنةً طيّبةً. لا تنسَوْا أن تصلّوا من أجلي. غداءً هنيئًا وإلى اللقاء!

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير