الوكيل الخائن رجل محتال لا يعرف النّزاهة ، بذَّرَ أموال سيّده الّذي أراد أن يصرفه من الخدمة . ولم يسعى إلى تبرير نفسه وأخطائه ولم يستسلم أبداً لتصرفاته ، بل وجد حلًّا لمشكلته مقرًّا بمحدوديّته قائلاً : ” أنا لا أقوى على الفلاحة ، وأخجل بالاستعطاء “. بعد أن رجع إلى ذاتِهِ ، سأل نفسه : ” ماذا أعملُ اذا نُزِعتُ عن الوكالة ؟ ” فتصرّف بمكر وغباوه ودهاء ، ملحقاً الضّرر مرّة ثانية وجديدة من نوعها بسيّده . فدعا مُديني سيّده وقلّص الدّيون المتوجّبة عليهم ليصيروا أصدقاءه فيحبوه ويكافئوه ويقدموا له كل الإحترام والوقار والتقدير . كل هذا يعني أنه صنع الأصدقاء له بواسطة المال الحرام بالفساد والغش ، كما تجري العادة اليوم وللأسف في كل مكان .
يسوع قدّم لنا هذا المثل لا ليدعونا إلى عدم النّزاهة والغش وسوء التصرف ، بل إلى الأمانه والحكمة والفطنةِ والمعاملة الحسنة والطيبه مع الآخرين وخاصةً البسطاء والمتعبين. فيقول الرّبّ الرب يسوع : ” فأثنى السّيّد على الوكيل الخائن “.
بهذه القوة من الحكمة والذّكاء تسمح لنا بتخطّي الأوضاع الصّعبة والحرجه. ويتابع الرّبّ ويقول لتلاميذه في نهاية المثل : ” اتّخذوا لكم أصدقاء بالمال الحرام ، حتّى إذا فُقِدَ قَبِولُكم في المساكن الأبديّة “.
إنّ الغنى والمال ، ومع الأسف الشديد ، يحملان الإنسان على بناء الجدران ، وخلق الانقسامات والتّمييز والغش والخبثنه والأنانية . بيد أنّ يسوع يدعو تلاميذه إلى قلب هذه المعادلة . فيطلب منهم أن يكونوا أصدقاء المال.
ماذا يعني أصدقاء المال الذي يدعو إليه يسوع ؟
هي دعوة إلى تحويل المال والغنى المادّيّ إلى علاقات بين الإنسان وأخيه الإنسان ، لأنّ الأشخاص ، أقرباء كانوا أم أصدقاء ، هم أثمن من الغنى والأملاك ، أغنى من الشهرة والجاه . أعظم من الكِبرياء والجعرفة وحب الذات والأنانية ، إنّ الأشخاص المثمرين في الحياة ، ليسوا أصحاب الأموال الكثيرة ، بل من يعرفون كيف يعيشون يبنون علاقات الصّداقة والأخوّة مع إخوتهم من خلال مساعدة الفقراء والمحتاجين والمرضى والمشردين واللاجئين بأموالهم ومحبتهم وعنايتهم . نعم ، هؤلاء من سيقبلوننا في الفردوس والنعيم السماويّ ، إذا عرفنا كيف نحوّل الغنى إلى أدوات للأخوة الإنسانية بالتّعاضد والمساعدة ، هم أيضاً وبالتأكيد الأشخاصُ الّذين نتقاسم معهم الخير، ونخدمهم بما أنعم الرّبّ علينا من نعم وعطايا ووضعه بين أيدينا .
ماذا أفعل الآن ؟
إنّ هذه المثل من الإنجيل المُقدّس يطلب منّا أن نطرح على أنفسنا السّؤال التّالي : ” ماذا أفعل الآن ؟ ” مبيّناً لنا أنّه : ” إزاء إخفاقاتنا وفشلنا، يقول لنا الرّبّ إنّه باستطاعتنا دائماً أن نصحّح الأمور والأخطاء ، وأن نعوّض على الشّرور الّتي ارتكبناها بأعمال الخير والرحمّة . أن نُفرّح من أبكيناه ونعطي من حرمناه من محبتنا ومن اي شيء كان معنوياً ومادياً . وإذا فعلنا ذلك بالمحبّة ، من خلال مساعدة الآخرين ، يُثني علينا الله لأنّنا تصرّفنا بفطنةٍ وذكاء و بحكمة ، لأنَّ من يعتبر نفسه إبناً لله ، يضع نفسه في ملكوت السّماوات ” .