An icon of Holy Trinity inspired by Rublev's famous icon of Holy Trinity

WIKIMEDIA COMMONS

عيد الثالوث الأقدس

أذهبوا وتَلِمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس ” ( متى ٢٨ : ١٩ )

Share this Entry
تحتفل الكنيسة اليوم بعيد الثالوث الأقدس وكلنا نعرف ونعتقد أن في الديانة المسيحية أسراراً بلغت أقصى غاية من السمّو والكمال حتى أصبحت فوق مفاهيم عقول البشر وأرفع من مداركهم . بل أرفع من مدارك الملائكة .
هناك سببان :
الأول : عظمة العزة الإلهية .
والثاني : ضعف فهم الإنسان ومحدودية إدراكاته العقلية  .
قال القديس أغسطينوس :  ان الإنسان لعاجز عن إدراك ذاته فكيف يقوى على إدراك الكون الغير المتناهي ؟
إن لاهوته نور يُغش الأنظار ويحّير الأذهان . إن عقلنا البشري ، يُهدينا إلى حقيقة هي أن الله قد تسامى على كل ما نستطيع أن نتصوره من عظائم ، فلوا استطعنا إدراكه تمام الإدراك لبطل أن يكون إلهاً .
سر الثالوث الأقدس من أعظم الأسرار المسيحية :
لذلك  يقصر عقلنا عن فهمه وإدراكه ، لذلك ناداه القديس اغسطينوس قائلاً : ” أيها الثالوث الإلهي أنت وحدك تفهم كونك ثالوثاً إلهياً . وان الناس والملائكة عاجزين عن الإحاطة بك علماً ، وفهمك ومعرفتك ” . توصل كثيرون من الفلاسفة إلى أن يبرهنوا بآجّل البراهين على أن الله موجود وإنه واحد ولا يوجد غيره ، وأن وجود آلهة كثيرين غير ممكن . أما كون الله ذو ثلاثة أقانيم وهي : آب وأبن وروح قدس  متحدة في الجوهر وذات طبيعة واحدة .
وأما كون الثلاثة أقانيم إلهاً واحداً فذلك سر محجوب عن عقول العلماء والحكماء ، هو شمس تعمي من يتفّرس في أشعتها . ولا نعرف هذا السر إلا من سر الإيمان . ويعلمنا هذا الإيمان أن الأب أي الإقنوم الأول لما تأمل ذاته منذ الأزل وفهم جوهره ، ولذا ولِد الإبن ، أو ممكن القول أصدر مفهومه منذ الأزل أيضاً ، ومفهومه هذا ليس عرضياً بل جوهرياً ولذا يدعى  الإبن  :
“ابن الله ” أو ” الكلمة الأزلي ” ، وهو مساوٍ في جوهره للأب الذي ولِده . ومن ثم هو إله مثله .
ويُفيدنا الإيمان أن الأب والإبن برؤية أحدهما الأخر منذ الأزل وبسرورهما الواحد بالأخر سروراً غير متناه ،  تبادلا حُباً غير متناه ، وهذا الحُب ليس بغرضٍ كما هو بين الخلائق ، ولكنه جوهر يصدره الآب ويصدره الابن معاً ، وكأنه من مصدر واحد لا من اثنين ، وهو الإقنوم الثالث الذي دُعي : ” الروح القدس ” .
إننا نؤمن بهذا السر ولو كنا لا نفهمه ، ولا نُدرِكه بعقلنا البشري  ، لأن المسيح شمس العدل ، والإله الذي برهن بأعماله على ألوهيته  ، قد أمرنا أن نؤمن به , و نعلّم جميع الأمم ونعمدهم بأسم الأب والابن والروح القدس . ولكن كما نعلم أن هذا السر هو من أصعب الأسرار في إيماننا المسيحي ، ولكن يجب أن نعرف أنه أساس ديانتنا المسيحية وأساس حياتنا الروحيّة .
مع الأسف قليل الذين يتكلمون عن هذا السر المقدس . والذين تكلمون عنه من الصعب أن يشرحوه كما يجب . فلذلك يجب علينا جميعاً أولاً وقبل كل شيء الإيمان به . ونطلب في هذا اليوم المقدس نعمة الروح القدس لتفهم هذا السر العظيم .
 لدينا الكثير من التشبيهات التي تقربنا من معرفة سر الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس الله واحد .
نكتفي بتشبيهين :
١ ـ الشمس : نور و  حرارة
٢ ـ الإنسان : بالعقل و التفكير ، يُعبر به بالكلام .
 ولكن لا يمكننا أن نتوقف عند هذه التشبيهات فقط  ، فلدينا الكثير من الآيات في الكتاب المقدس تشرح لنا أن الآب والأبن والروح القدس إله واحد ، إليكم  بعض الآيات :
١ – في العهد القديم :  نلاحظ وبالأخص في الفصل الأول والثاني في سفر التكوين عندما يقول الله لنصنع الإنسان على صورتنا ومثالنا ( تكوين ١ : ٢٦ ) ، كلمة لنصنع تعبر عن الله الآب والابن والروح القدس .
وأيضاً الآية التي تقول : ” ان الرب الإله جبل الإنسان تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة الحياة ، فصار الإنسان نفساً حية ” . هذه الروح الذي خرجت من الله هو : ” الروح القدس ” .
٢ – في العهد الجديد يوجد الكثير من الآيات منها  :
بدء إنجيل القديس يوحنا يقول : ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله ” ( يوحنا ١ : ١ ) .
وأيضاً في إنجيل القديس يوحنا عندما قال الرّبّ يسوع لفيليبس : ” من رآني رأى الأب ” ( يوحنا ١٤ : ٩ ) ، من خلال هذه الآية يوضح لنا القديس يوحنا العلاقة العميقة بين الآب والأبن والروح القدس بالإتحاد في الفكر والمحبة والعمل والخليقة .
* ” وبعد أيُّها الإخوة ، فافرحوا وانقادوا للإصلاح والوعظ ، وكونوا على رأيٍ واحد وعيشوا بسلام ، وإله المحبّة والسلام يكونُ معَكم . ولتكن نعمة رَبِّنا يسوع المسيح ومحبةُ الله وشركة الرُّوح القُدُس معَكم جَميعاً ” ( قورنتس الثانية ١٣ : ١١ و ١٣ )
* فالله الآب يحبنا إلى حد أنه يدعونا ويجعلنا أبناءه بالتبني : ” أنظروا أية محبة منحنا الآب حتى ندعى ونكون أبناء الله ” (يوحنا الأولى : ٣ ) .
* والله الابن وسيط يبذل دمه وفاءً لديوننا ، ” فإن الله أحبَّ العالم حتى إنه جاد بإبنه الوحيد لكي لا يهلك كلُّ من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبديّة ، فإن الله لم يرسل إبنه إلى العالم ليدين العالم ، بل ليخلص العالم ” ( يوحنا ٣ ١٥ – ١٧ ) .
* يسوع الهيئة المنظورة للإله الغير منظور,  ” من رآني رأى الآب ” ( يوحنا ١٤ ٩ ) وهو الكلمة الأزلي .
* والله الروح القدس : صديق لنا  يهتم ليل نهار بتقديسنا ، ونور ينوِّر ظلام حياتِنا  ، ومُعزي لنا في مضايقنا وشدائدنا وصعوباتنا ، ومُلهم لكل الأفكار الصالحة وكل العواطف والمقاصد الحسنة ، ومصدر للنعم التي تمس القلب وتهدي وتجعل الإنسان قديس .
* الآب هو محبة : لأنه شاء أن يكون أباً لنا أيضاً ، أباً بالخلق  ، لأنه خالقنا ووهب لنا الكيان ، أباً بالعناية ،  إذ يعتني كل العناية بالأبناء الذين وضعهم في هذه الدنيا ، وأباً بالانتخاب لأنه منذُ الأزل قد تصّورنا أبناءه بالتبني بالأحشاء عينها التي ولد منها كلمته ، وأباً بتجديد ولادتنا بالمعمودية ، وأباً بالنعمة المقدسة التي تخولنا روح أبنه مع الثقة أن ندعوه أباً .
* وكذلك أبن الله يسوع المسيح كله محبة :  فأنه لأجلنا قد تأنس وتجسّد من العذراء مريـم ، ولأجلنا ضحى بذاته ولا يزال يدعونا إخوة له أمام أبيه وروحه القدوس ، ومن محبّته أجلسنا على مائدته السماوية.
*  وأيضاً الروح القدس كله محبة : لأنه محبة الآب والابن بالذات ومساوي لهما منه ، وقد أعطانا الأبن ذاته وبه فاضت المحبة في قلوبنا ، به تصبح صلواتنا حسنة وتحيا فينا كما في هيكله لتصلح نقائصنا وتعلمنا الفضائل وتجعلنا قديسين .  فليت لكل واحد منا ثلاثة قلوب لنخصص واحداً منها لكل أقنوم إلهي ، لكننا نتعزى بكوننا إذا أحببنا الله الواحد أحببنا في الوقت نفسه الأقانيم الثلاثة ، لأن لثلاثتهم الطبيعة الواحدة عينها . وبما أننا أبناء الثالوث الأقدس فيجب علينا جميعنا أن نتشبه به بتوحيد قلوبنا معاً بالمحبة ، وتكون محبتنا ليست بالكلام فقط بل بالعمل والحق حتى نكون مثل المسيحيون الأولون الذين كانوا شهادة حية لمحبة بعضهم لبعض حتى كل من رآهم كان يقول : ” أنظروا كم يحب بعضهم بعضاً ” في تلك اللحظة فقط يمكننا أن ” نذهب ونعلم جميع الأمم ونعمدهم بإسم الأب والأبن والروح القدس ، والرب يسوع سيكون معنا إلى نهايةِ العالم ” ( متى : ٢٨ : ١٩ – ٢٠ ) .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك
Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير