AFP or Licensors

حقدٌ يفجّر المكان المقدس

أما نحن فسنضيئ الشموع كل يوم مستمرين بإعلان رسالة النور في وجه الظلام

Share this Entry

تفجير إرهابي يضرب كنيسة في دمشق، يقتل عشرات الأبرياء المسالمين المصلين. مساء الأحد في الثاني والعشرين من حزيران، وفيما كان المؤمنون يشاركون بالقداس الإلهي، دخل إرهابيان إلى الكنيسة، أطلقا النار ثم فجر احدهما نفسه بالمصلين. هذا هو الخبر، لا بل هذه هي المأساة.

ليست المرة الأولى، التي يفجر فيها الحقد المقدسات والمصلين، وكم نتمنى أن تكون الأخيرة. يرحم الله الذين ماتوا. من نيجيريا إلى مصر إلى سوريا إلى العراق… وإلى أمكنة كثيرة في هذا العالم نرى اضطهادا شنيعا للمسيحيين الأبرياء.

من الذي يتبنى المجرم؟

المجرم ليس منا، يقول الجميع. لا بل هو منا. قرأ في كتبنا وشرب من مياهنا وأكل من طعامنا، وسمع أخبارنا. لم ترسله السماء ولم تنبته الأرض. هناك تربية مؤسفة حصل عليها فأظلم عقله وقلبه.

يتبنى المجرمَ المجرمون أمثاله. يتبناه من يفرح بعمله. أبشع ما يكون اعتبار هذا العمل عملا بطوليا، ليس من جهة القاتل فقط، بل من جهة المؤيدين أيضا. ما أبشع البشر المتعصبين. عجبي من هؤلاء الذين على صفحات التواصل الاجتماعي يؤيدون المجرم ويهللون له ويجعلونه في مرتبة سماوية. ماذا يدور في رؤوس هؤلاء؟ من يسكن قلبهم وعقلهم؟ إنه الشيطان نفسه الذي يسكن الإرهابي المتعصب الذي فجر نفسه بالأبرياء. يقوم بهذا العمل الشنيع لأنه يرى في الآخر (هنا في المسيحي) مشركا وكافرا وعدوا للناس والله يستحق الموت. ربما لم يصل الشيطان نفسه إلى هذا التفكير وإلى هذا الشر.

أسئلة كثيرة تطرح. هل هو عمل فردي؟ هل هو استمرار لتهجير المسيحيين من الشرق؟ هل الدول التي جعلت الجولاني حاكما في سوريا تريد ذلك؟

مجتمعاتنا الشرق أوسطية مهددة بخطر كبير بسبب الفكر التكفيري والإقصائي، بسبب الهتافات العنصرية والدعوات إلى القتل والإبادة. ولن يكون الخطر بعيدا عن المجتمعات الغربية. هل من يكترث؟ هل من يحاسب؟ لا يجوز لأي حكم ولا لأي جيش أن يكون بيد فصائل تكفيرية متطرفة. لا يجوز لأي كتاب أن يبرر ولا لأي إنسان أن يؤيد.

كل تبرير وكل تأييد لا بل كل سكوت عن هذه الجرائم هو شر متطاير. إنه شر يحول الأفراد إلى قنابل موقوتة تسير بين الأبرياء. هذا يطلق النار شمالا ويمنيا ويقتل الناس لأنه لم يستطع أن يضبط أعصابه عند رؤية إمراة بلا حجاب، أو رجل يحتسي كأسا من الخمر، أو مطعما يقدم طعاما لا يتناسب وعقيدته. ذاك لم يستطع أن يضبط نفسه لسماع أغنية أو لرؤية مجتمع متنوع فيفجر نفسه بالأبرياء معتبرا نفسه بطلا يطهّر الأرض من الرجاسة من أجل الله. هناك من فخخ رأسه كي لا يفكر إلا بالشر وزرع في عقله عقائد شيطانية

فأصبحت أخلاقه معدومة وتصرفاته شريرة وصولا إلى تقديس الشر وهذا ما لم يفعله الشيطان نفسه!

لا مقدس إلا الإنسان. خلق الله الإنسان ولم يخلق الكتب والعقائد. خلق الضمير والقلب الطيب والفكر النير، خلق بمحبة لأنه محبة. أيها البشر، انزعوا من رؤوسكم ومن كتبكم كل ما يدعو إلى القتل والبغضاء. استأصلوا الفكر المظلم والمتحجر من كل الأديان السماوية والأرضية ومن كل الأحزاب والتجمعات. انزعوا من عقولكم تكفير الآخرين. المسلم قبل غيره، مدعو إلى استنكار هذه الجرائم ورفضها وإدانة مرتكبيها.

ادانة هذا النهج التكفيري ومكافحته، وتحرير الأديان من العنف ومنع استخدام الدين لنشر الكراهية وبناء مؤسسات عسكرية ومدنية على أسس الحرية وحقوق الإنسان والعدالة والسلام هو الطريق السليم.

ماذا نقول لهؤلاء الأبرياء، لأطفال كان يضيئون شموعا بسلام؟ لن نقول لهم ولذواتنا إلا ما قال السيد المسيح: “ستأتي ساعة يظن فيها من يقتلكم بأنه يؤدي خدمة لله، لكن ثقوا فقد غلبت العالم” إن الدماء الطاهرة ستروي الأرض المقدسة، ستفتح المجال لأصحاب العقول النيرة لترميم النسيج الاجتماعي، ستطهر العقول من ثقافة التكفير وستزرع بذور الاحترام وقبول الآخر والعيش بسلام.  

نقول لهم، افرحوا وتهللوا لأن أسماءكم مكتوبة في السماء التي عبرتم إليها من باب الشهادة والإيمان.

ماذا نقول لذويهم ولمن يعيش قلقا كل يوم لأنه مسيحي. أنقول لهم ارحلوا من هذه البلاد واتركوها للجماعات التكفيرية والدعوات المتطرفة؟ لا ليس هذا حلا. أنقول لهم تسلًحوا واصنعوا أمنكم الذاتي؟ لا، ليس حلا. نقول لهم أيضا ما قاله دوما السيد المسيح: “لا تخف… احمل صليبك واتبعني”. نقول لهم أنتم الرجاء الصامد بوجه اليأس، أنتم الشهادة الحية ضد كل عنف وإجرام.

أما للحكام والمسؤولين، فأنتم أمام تحد كبير. عليكم اتخاذ كل التدابير التربوية والأمنية لضمان حقوق الناس وحريتهم. عليكم باتخاذ التدابير الردعية بحق المتعصبين والتكفيرين وكل من يؤيد هذه الأعمال الإجرامية وإعادة تأهيليه، وفصله عن المجتمع إلى حين تطهير رأسه من كل شر. عليكم نزع رايات الإرهاب وكتب العنف والعجرفة والابتزاز ونزع السلاح المتفلت من الناس، واختيار من يحكم باسم الانسان وحقوقه وكرامته وباسم الله وحبه، وليس باسم الأنظمة الدينية والشرائع المذهبية الخبيثة. عليكم اقفال الشاشات والفضائيات التي جعلت من التعصب سرطانا ومن الدين حجة لقتل الآخرين، وعليكم أولا وأخيرا أن تكونوا قدوة في الاحترام والمحبة والسلام.

أما نحن فسنضيئ الشموع كل يوم مستمرين بإعلان رسالة النور في وجه الظلام.

الاب عبدو رعد

 

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير