Nativity scene - Gerard van Honthorst (1592 - 1656)

Nativity scene © Pixabay - geralt

مجد في السماء، وسلام على الأرض

رسالة راعوية
لمناسبة عيد الميلاد المجيد ٢٠٢٥

Share this Entry
“مجد في السماء، وسلام على الأرض”
إلى إخوتي الكهنة الأحباء والراهبات الفاضلات،
وإلى أبنائنا الأعزاء في أبرشية الإسكندرية مدينة الله العظمى وفي بلاد الإنتشار للأرمن الكاثوليك،
وإلى المؤمنين أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية.
مجد في السماء، وسلام على الارض
“المجد لله في الاعلى وعلى الأرض السلام” (لوقا ٢ : ١٤)
السلام عطيّة الميلاد:
في الميلاد، تجلّى مجد الله بمحبّته للعالم، إذ “ قد أحبّه إلى الغاية ” (يوحنا ١٣ : ١)، فأرسل ابنه الوحيد ليخلّص الجنس البشري من خطاياه، ويحرّر العالم من سلطة الخطيرة والشرّ والقهر والظلم والإستبداد. وهكذا أصبح مجدُ الربّ، كما يقول القديس إيريناوس : “الإنسان الحيّ المستعيد بهاء إنسانيته المتجلّية في إنسانية المسيح الذي فكّر بعقل إنسان، وصنع الخير بإرادة إنسان، وأحبّ بقلب إنسان”، الإنسان المتجدّد دوماً على يد خالقه ومبدعه.
مجد الرب سلام:
ومجد الربّ هو السلام الذي ترنّم به الملائكة في الميلاد: “المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر”. إنّها ثلاثية مترابطة ومتكاملة مع بعضها أنشدها الملائكة في ليلة ميلاد المسيح الربّ، وهي عطية عظيمة من السماء. ففي الميلاد، نرفع هذه الترنيمة نحو السماء: رجاءً نزرعه في القلوب، وسلاماً نبنيه في العائلة والمجتمع والوطن، وتمجيداً دائماً لله الآب.
يُدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام. إنه عطية سماوية ثمينة تُمنَح لنا جميعاً، أفراداً وجماعات، لنكون صانعي سلام. ولمّا صار ابن الله إنساناً لكي نصير أبناءً لله، جعل السلامَ طريقاً لهذه البنوّة، كما أكّد (يسوع) في موعظته على الجبل، التي أصبحت دستور الحياة المسيحية: “طوبى لصانعي السلام، فإنّهم أبناءَ الله يُدعون” (متى ٥ : ٩).
الميلاد مانح الرجاء للبشر:
الرجاء قديمٌ قِدَم البشرية العاقلة، بل أقدم منها، فأوّل رجاء عرفه البشر هو الرجاء في الخلاص، حينما وعد الربّ آدم وحواء قائلاً: “إنّ نسل المرأة يسحق رأس الحيّة” ( تكوين ٣ : ١٥). وظلّ هذا الرجاء في قلوب البشر آلاف السنين، وحتى الذين لم ينالوا هذا الرجاء، عاشوا فيه، “لم ينالوا المواعيد، ولكنّهم نظروها من بعيد وصدّقوها” (عبرانيين ١٣ : ١١).
لقد كان هناك رجاء ليونان النبي وهو في بطن الحوت. وهنا نتسأل : هل يكون إنسان في جوف الحوت ويكون له رجاء؟
ولكنّ يونان ركع على ركبتيه وصلّى، وقال للربّ : “أعود فأرى هيكل قدسك” (يونان٢ : ٤). كان له رجاء، وقد تحقّق. وكان هناك رجاء للفتية الثلاثة وهم في أتون النار (دانيال ٣)، ولدانيال وهو في جبّ الأسود (دانيال ٦). وهكذا رقد الجميع على الرجاء، إلى أن افتقدهم الرب وأعادهم إلى الفردوس من جديد.
تمّت ذروة الرجاء في تجسُّد ابن الله “عمانوئيل – الله معنا” (متى ١ : ٢٣)، الذي وعد الكنيسة بأنّ : “أبواب الجحيم أي قوى الشرّ لن تقوى عليها” (متى ١٨ : ١٦)، “ذاك الذي ضاقت به السماء ولم تستطع أن تحدّه وهو الحالّ فيها”، “والكلمة صار بشراً وسكن بيننا” (يوحنا ١ : ١٤).
الرجاء إلتزام:
الإلتزام دليلٌ قاطعٌ على مصداقية الرجاء. وما ينقص الناس بالأكثر، هو الرجاء، والرجاء أن نؤمن أنّ للحياة معنى يتمثّل بغدٍ أفضل، مسلّمين أمرنا بين يدي الله إذ أنّ : “نصيبي هو الربّ، قالت نفسي، من أجل ذلك أرجوه ” (مراثي ارميا) . ومار بولس رسول الأمم يؤكّد أهمّية “الرجاء الذي لا يخزي، لأنَّ محبَّة الله أفيضت  في قلوبنا بالروح القدس الذي وهبها لنا” (رومة ٥ : ٥)، ويضيف قائلاً: “ولكن إن كنَّا نرجو ما لا نشاهده فالبثبات ننتظره ” (رومة ٨ : ٢٥). التزامنا، في الميلاد هو أن نحيا الرجاء دون حدود، متّكلين على قوّة الله الذي عنده كل شيء “فإنّ الله على كل شيء قدير” (مرقس ١٠ : ٢٧).
فالرجاء هو التزامنا جميعاً ككنيسة، رغم كلّ ما نعانيه من مِحنٍ ونكبات وحروب واضطهادات، بالإتّكال على الروح القدس الذي يقود الكنيسة إلى كلّ حقٍّ وخيرٍ وجمال. والمؤمن يجد اختباراً لفضيلة الرجاء فيه، حينما يقع في ضيق أو في تجارب متنوّعة، أو في آلام صعبة، أو في مشاكل يبدو أنّ لا حلول لها، فهو يعرف بالرجاء أنّ الرب لديه حلول كثيرة، وأنّه لا بدّ أن يأتي ليفتقده مهما بدا أمام الناس أنه صعب ومستحيل وقد تأخّر.
لذلك نعيش ونعمل “فَرِحين في الرجاء، صابرين في الشدّة، مواظبين على الصلاة، مشتركين في احتياجات القديسين، عاكفين على إضافة الغرباء ” (رومة ١٢). فنحن لا نعتمد على ذواتنا ولا على وسائط عالمية، إنّما على الله الذي يعمل فيها كلّ خير.
في الميلاد، نرجو ضارعين إلى المولود الإلهي أن يسود السلام والأمان في كلّ مكان، ويرجع  الحبّ إلى قلوب الناس جميعاً، فيرتبطوا به، ويعيشوا به، لقد قال لنا الرب يسوع: “إذا أحبّ بعضكم بعضاً عرف الناس أنكم تلاميذي” (يوحنا ١٣ : ٣٥).
صدى الميلاد:
يختصر ميلاد الربّ يسوع على قيم التواضع والمحبّة والرجاء، في زمنٍ نحن بأمسّ الحاجة فيه للعودة إلى ذواتنا للصلاة ، والصلاة من أجل الرجاء، رجاء السلام في العالم المليء بالصراعات والنزاعات والحروب والخلافات . صلاة لكي  نعرف معنى السلام الحقيقي ونعيشه في نفوسنا.
لنسبح المسيح المتجدد في حياتنا:
في الميلاد  نتوجّه بالصلاة الحارّة من أجل أن “ يشرق حولنا مجد الربّ” (لوقا ٢ : ٩)، كما أشرق في أجواء بيت لحم.  ونسأل يسوع المسيح طفل المغارة  فادينا ومخلّصنا، أن يؤهّلنا لنحيا في داخلنا السلام الآتي من الله لكي نتمكّن من أن نبنيه معاً في كلّ عائلةٍ وكنيسة ورعية  ومجتمعٍ ووطن، في شرقنا، حيث ولد يسوع “ملك السلام”، وفي بلدان العالم. ولنسبّح اللهَ ونمجّده في إنساننا المتجدّد بالمسيح وفي كلّ إنسانٍ تتجدّد فيه صورة الله بهيةً.
في الميلاد، نبتهل إلى أمّنا مريم العذراء الكلية القداسة والكاملة الطهارة، التي قدّمت للبشرية المعذَّبة والملطخة بالخطيئة، هدية السماء، يسوع الأعجوبة، أن تتشفّع فينا لدى ابنها المتجسد منها، كي يحلّ في شرقنا السلام الذي طالما تاق إليه. ولنبقَ في ظلّ حمايتها متشدّدين بالرجاء، صامدين في وجه المحنِ والمصاعب، ولنُجاهر بملء الفم والقلب والروح: “ولِدَ المسيح فمجّدوه! هللويا، هللويا، هللويا”.
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك
Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير