Nativity - Pixabay - Mccartyv - CC0

مريم… مسكن البركة

تأمّل ضمن نظرة التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة

Share this Entry

مريم هو إسم طوّبته جميع الأجيال، تتغنى البشريّة فيه، إنها الأم الكليّة الطوبى. الفتاة البسيطة التي كلمها الله عبر الملاك وبشرّها بحملها العجيب. مريم هي أم ومحامية الكنيسة. عندما جاء الملاك مُبشِّرا العذراء مريم قال لها: “إفرحي، أيتها الممتلئة نعمةً، الربُّ معك” مرقس 1/28 وعند زيارتها لنسيبتها إليصابات: “مباركة أنت بين النساء! ومباركة ثمرة بطنك!  من أين لي أن تأتي أمُّ ربّي؟”.

إنّ الدور الأساسي الذي تمثله مريم أم يسوع في التقليد المسيحي رسمت خُطوطه الأولى في الوحي الكتابي نفسه. حقًا، لقد ركّز الإثنا عشر على خدمة يسوع، من المعموديّة إلى القيامة من الأموات؛ “مُذ أَن عمّد يوحنّا إلى يوم رُفع عنّا. فيجب إذاً أن يكون واحدٌ منهم شاهداً معنا على قيامته” (أعمال 1: 22). وذلك يعود إلى أنه لم يكن في إمكانهم أن يتكلموا إلا عن الأحداث التي اشتركوا فيها، وعن النقاط الأكثر مساسًا برسالتهم. فكان من الطبيعي أن لا تظهر تفاصيل طفولة يسوع إلا في وقت لاحق. فمرقس يتجاهل، ويكتفي بذكر أم يسوع مرتين؛ “وجاءت أمُّه وإخوته فوقفوا في خارج الدّار، وأرسلوا إليه من يدعوه . وكان الجميع جالسًا حَولَهُ، فقالوا له: إنَّ أمّك واخوتك خارج الدّار يطلبونك. فأجابهم من أميّ وإخوتي؟، ثم أجال طرفه في الجالسين حوله وقال: هؤلاء هم أميّ وإخوتي، لأن من يعمل بمشيئة الله هو أخي وأختي وأميّ”. (مرقس 3: 31 – 35). ويسوع يظهر لمريم الطاعة البنوية وتجلّة تلك الأحداث من خلال عدّة أحداث مثل عند إيجاده في الهيكل بعد ثلاثة أيّام أو في عرس قانا الجليل، جادلها لم تحن ساعتي بعد يا إمرأة ولكنها تقول لهم إفعلوا ما يقوله له (يوحنا 2: 1 – 12). يسوع يظهر الطاعة لوالدته ويطّبق وصيّة اكرم اباك وأّمّك وطبّق الوصيّة الأولى احبب الرب الهك من كل قلبك وفكرك وهو طبقها بكل حذافيرها إلا أننا لا يمكن ان نضع رسالة يسوع في ذلك الإطار فقط بل هو تعدّاها لخلاص البشر، لذا اقتضى التوضيح.

تعّرف الكنيسة الكاثوليكية مريم، بأنها أم يسوع من الروح القدس “نؤمن ونعترف بأن يسوع الناصري، المولود من فتاة من إسرائيل، في بيت لحم، في عهد الملك هيروس الكبير والإمبراطور أوغسطس قيصر الأول، نجار الصنعة، الذي مات مصلوبا ًفي أورشليم إبان حكم الوالي بنطس بيلاطس، وملك الإمبراطورت يباريوس، هو ابن الله الأزلي المتأنس، وبأنه “خرج من الله” (يو 13: 3) و “نزل من السماء” (يو 3: 13، 6: 33)، وأتى في الجسد، لأن “الكلمة صار جسدا ًوسكن في ما بيننا، وقد شاهدنا مجده، مجداً من الآب لابنه الوحيد، الممتلئ نعمة وحقاً (…)؛ التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية عدد 437. وفي مكان آخر لقد بشر الملاك الرعاة بميلاد يسوع على انه ماسياّ الذي وعد به إسرائيل “اليوم في مدينة داود ولد لكم مخلص هو المسيح الرب” (لوقا 2: 11).. إنه منذ البدء ذاك الذي “قدسه الآب وأرسله إلى العالم” (يوحنا 10: 36)، وحبل به ”قدوساً“ في حشا مريم البتولي. وقد دعا الله يوسف “ليأخذ إلى بيته مريم زوجته” الحامل “للذي حبل به فيها من الروح القدس” (متى 1: 20)، حتى يولد يسوع “الذي يدعى المسيح” من امرأة يوسف في سلالة داود المسيحانية (متى 1: 16) عدد 437. يطلق على مريم ألقاب كثيرة، منها ملكة السلام وسلطانة الملائكة وغيرها. سنستعرض أبرز ألقابها من خلال التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:

التي حبل بها بلا دنس: “على مر العصور وعت الكنيسة أن مريم: التي غمرتها “نعمة الله”، قد افتديت منذ حبلها. هذا ما تعترف به عقيدة الحبل بلا دنس، التي أعلنها البابا ببيوس التاسع، سنة 1854: “إن الطوباوية العذراء مريم قد صينت، منذ اللحظة الأولى للحبل بها، سليمة من كل لطخة من لطخات الخطيئة الأصلية، وذلك بنعمة من الله الكلى القدرة وبإنعام منه، نظرا ًإلى استحقاقات يسوع المسيح مخلص الجنس البشرى”. عدد 491 و”هذه “القداسة الرائعة والفريدة” التي “أغنين بها منذ اللحظة الأولى من الحبل بها” تأتيها كلها من المسيح: لقد “افتديت بوجه سام، باعتبار استحقاقات ابنها”. فوق كل شخص آخر مخلوق، “باركها الآب بكل أنواع البركات الروحية في السماوات، في المسيح”فسس 1: 3). إنه “اختارها فيه عن محبة، من قبل إنشاء العالم، لتكون قديسة وبغير عيب أمامه” (أفسس 1: 4). عدد 492 و”آباء التقليد الشرقي يدعون والدة الإله “بالكلية القداسة” ويحتفلن بها على أنها “معصومة من كل وصمة خطيئة، لأن الروح القدس عجنها وكونها خليقة جديدة” لقد لبثت مريم طول حياتها بريئة، بنعمة الله، من كل خطيئة شخصية.”فليكن لى بحسب قولك…”.

أم الأحياء وأم الكنيسة: عندما بُشرت مريم بأنها ستلد “ابن الله العلي” من غير أن تعرف رجلاً، بقوة الروح القدس، أجابت “بطاعة الإيمان” (رومة 1: 5) موقنة بأن “لاشيء مستحيل عند الله: “أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك” (لوقا 1: 37 ـ 38). وهكذا بإذعان مريم لكلام الله أصبحت أما ليسوع، وإذ اعتنقت بكل رضى، وبمعزل عن كل عائق إثم، الإرادة الإلهية الخلاصية، بذلك ذاتها كلياً لشخص ابنها وعمله، لتخدم سر الفداء، بنعمة الله. فبرعاية هذا لابن ومعه. عدد 494″ و “أسهمت العذراء مريم في خلاص البشر، بإيمانها وخضوعها الاختيارين. لقد فاهت بـ “نعمها”، “باسم الطبيعة البشرية كلها جمعاء”. بطاعتها صارت حواء الجديدة، أم الأحياء”. عدد 511. وبعد غذت كل منا على دور العذراء مريم في سر المسيح والروح القدس، يجدر بن الآن أن نهتم لمركزها في سرّ الكنيسة. “فالعذراء مريم (..)  يعترف بها وتكرم، حقا ًوحقيقة، والدة الإله والفادي (..) وهى أيضا وحقاً “أم أعضاء المسيح (…) لاشتراكها بمحبتها في ميلاد المؤمنين في الكنيسة الذين هم أعضاء هذا الرأس”. “مريم أم المسيح، وأم الكنيسة”. عدد 963.

وأخيراً والدة الإله: كانت البدعة النسطورية ترى في المسيح شخصاً إنسانياً مقترناً بشخص ابن الله الإلهيّ. في وجهها اعترف القديس كيرلس الإسكندري، والمجمع المسكوني الثالث المعقود في أفسس، سنة 431، أن “الكلمة، باتخاذه في شخصه جسداً تحييه نفس عاقلة، صار إنسانا”. ليس لناسوت المسيح شان إلا في شخص ابن الله الإلهيّ، الذي اتخذه وخص به ذاته منذ الحبل به. ولهذا أعلن مجمع أفسس، سنة 431، أن مريم أصبحت في الحقيقة والدة اإلله بالحبل البشري بابن الله في أحشائها: “والدة الإله، لا لكون كلمة الله اتخذَ منها طبيعته الإلهية، ولكن لكونه اتخذ منها الجسد المقدس مقروناً بنفس عاقلة، والذي اتحد به الكلمة شخصياً، فكان أنه ولد بحسب الجسد”، عدد 466. ومريم التي دعيت في الإنجيل “أم يسوع” (يوحنا 2: 1؛ 19: 25) نودي بها، بدافع من الروح القدس، ومن قبل أن تلد أبنها “أم ربى” (لوقا 1: 43). فهذا الذي حبلت به إنسانا بالروح القدس والذي صار حقا ًابنها في الجسد ليس سوى ابن الآب الأزلي، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. والكنيسة تعترف بان مريم هي حقاً والدة الإلهة” عدد 495. ومريم هي حقاً “والدة الإله” لأنها والدة ابن الله الأزلي المتجسد، الذي هو نفسه إله”. عدد 509. مريم “لبثت بتولاً في الحبل بابنها، وبتولا في ولادتها له، وبتولا في حملها له، وبتولا في إرضاعه، بتولا أبدا”:  كانت بملء كيانها “أمة الرب” (لوقا 1: 38). عدد 510. “أسهمت العذراء مريم في خلاص البشر، بإيمانها وخضوعها الاختيارين. لقد فاهت بـ “نعمها”، “باسم الطبيعة البشرية كلها جمعاء”. بطاعتها صارت حواء الجديدة، أم الأحياء. عدد 511.

تكّرم مريم من قبل جميع لشعوب من الشمال إلى الجنوب، من المشرق إلى المغرب، جميعهم يرنمون ويسبحون “مباركة أنت يا مريم ومباركة ثمرة بطنك”. مريم هي تلك الأم الحنونة التي يعجز اللسان عن مدحها. وظهرت عدّة مبادرات من قبل الشعوب رمزيا: في البرتغال ولبنان كرست الدولتان لها. في لبنان كرّس عيد وطني لها في عيد البشارة 25 آذار كعيد وطني يحتفل فيه المسلمون والمسيحيون. أختم مع هذه الترنيمة:

مريم مسكن للبركة

خلاص لدهرنا

منزل أرضي للمتواضع[1].

[1]  ترنيمة “مريم مسكن البركة” مأخوذة من ترانيم جماعات طريق الموعوظين الجديد.

Share this Entry

سليمان فرنجيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير