هناك الكثير من النقاشات التي تدور بين الناس وعبر وسائل الإعلام، تتعلق بمسألة العوامل التي تؤثر في نشوء علاقة الحب، فهناك العديد من المتحابين يعتبرون، أن تاريخ الشخص ليس لديه تأثيراً عليهم، لأن الماضي لا يعنيهم أبداً، فهم خارج إطار الماضي، ما يهمهم هوا هذا الشخص بالتحديد، وهذه العلاقة أخذت حيّزاً مهمًا في حياتهم العاطفيّة!!… ولكن، كم نرى من أزمات تنشأ مع المتحابين أنفسهم، كان سببها هذا النقص في المعرفة وسوء التصرّف، اللذين تركا أثراً على حقيقة الخيار والإلتزام، فلنكتشف معًا، هذه العوامل الخمسة، لأنها تساعدنا لئلا نقع ضحية خياراتنا المتسرّعة والقاتلة أحيانًا.
هل لتاريخ الشخص في أبعاده الثلاث :الماضي- الحاضر- المستقبل، تؤثر على حقيقة اختيار شريك الحياة؟ وهل لتلك التأثيرات تداعيات على صعيد حقيقة “الإلتزام” ؟
- تأثير الحاضر
هو من بين المؤثرات المباشرة والتلقائية على الشخص، التي تؤثر بشكل كبير على طريقة تفاعل الشخص وعلى حركة انفعالاته مع ذاته ومع الآخرين، لاسيما عندما تتعلّق المسألة بالعلاقة العاطفيّة. فالإنجذاب العاطفي الذي يحدث في داخل الشخص، عندما تلفت إنتباهه فتاة ما، يشكل أحد عوامل نشوء الإعجاب والإفتنان بالآخر، وقد حدد القديس البابا يوحنا بولس الثاني الانجذاب، بأنه ذاك السحر الأنثوي، التي تملكه المرأة، وبأن الذكورية هي تلك القوة التي تملك الحماية، ميزة خاصة للرجل، تولّد الراحة لدى الشريك المختلف. فالمرأة تتوق الى الحب والحماية والأمان، والرجل بدوره، ينشد الحنان والعذوبة والرفق والرقّة والإعتناء، والحب.
٢- أثر الماضي
ان الماضي الذي يحمله الشخص، ليس الا نتيجة ترسبات علائقية ونفسية وعاطفية وتربوية وثقافية ودينية، ساهمت بشكل كبير ومؤثّر في تكوين الشخصيّة، وهي تُعدّ مكونات تلعب دوراً مهمًّا وأساسيًّا في التأثير على مشاعر وعواطف وأحاسيس المتحابين، فنرى ان مجمل الافعال التي يقومون بها، تعود بمعظمها الى ماضيهم، وبشكل خاص، عندما يتعلق الامر بالاختبارات العاطفية – الماضية، التي احيانا يطمح الشخص الى نقلها في واقعه الآني، كأنها جزء لا يتجزء من وجدانه. وتظهر المشكلة داخل الثنائي المختلف، عندما يصرّ احد الطرفين، الاحتفاظ والإصرار على إستعادة هذا “الماضي العاطفي” كما هو، خاصة عندما ينجذب الى أحد ما، يذكّره بهذا الشخص. ولكن هل تصلح إستعادة الخبرات العاطفية، في بناء علاقة حبّ جديدة تهدف الى الزواج؟ علينا ان نعرف، انه لا يمكن أن توجد حرية صحيحة أو حب مستدام وثابت في اي علاقة عاطفية، إن لم يتحرر الشخص المعني من ماضيه ويتجرّد من مؤثرات هذا الماضي، خاصة على صعيد المفاهيم العاطفية التي نجمت عن تلك العلاقة القديمة، كالحب والزواج والإلتزام والثقة والتربية والديمومة… عليه ان يدرك، بأن غيرية Altérité الآخر، لا تشبه أي احد، فالآخر هو مختلف وفريد Unique، يملك فرادة خاصة Unicité، ولديه تاريخه الخاص histoire personnelle. فبقدر ما تُكتشف هذه الغيرية Altérité ، بالقدر عينه تترسخ العلاقة بشكل صحيح وتتعمق وتتقوى. فأنا أحب هذا الآخر في حاضري، وليس ذاك الآخر الذي احببته في الماضي، انها تعد نقطة التحوّل!
٣- المستقبل الإفتراضي
لا نغفل ابدا، بأن النماذج الغرامية التي تروج لها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الٱجتماعي social media، لها تأثير على صعيد تشكيل خيارات الشخص، وتحديدا عمل المخيلة. فالمؤثرات الاعلامية، هدفها ان تثير في الشخص المستهدف ولاسيما المتحابين والأزواج نماذجا من علاقات ظرفية، تبغي الإثارة والإغواء Erotique والتحايل، بهدف الترويج الى انماط غرامية تتناقض مع كرامة الحب والزواج والعائلة. اما الحل الذي يساعد المتحابين والأزواج، هو ان يعقلنوا مشاعرهم وعواطفهم، انطلاقا من مبدأ الحوار المنفتح والمسؤول، الذي يُعد مفتاح نجاح العلاقة. ولكي تنجح المهمة، على الحوار ان يتسم بفضائل اساسية، كالصدق، والصبر، والوضوح، والإحترام المتبادل. لان الحوار الأصيل، يزيد العلاقة آمانا وامنا واستقرارا واستمرارية.
٤- المغامرة معًا
وعندما يلتزم احدنا بالآخر، هذا يعني، اننا نتبنى معا كثنائي مختلف، عن وعي وحرية وارادة ومحبة، كل تاريخنا ذواتنا المشترك، الذي يتطلب منّا الثقة بالآخر، وهذا الالتزام الناضج، يزيد من مستويات جودة التواصل والحنان والعاطفة، الى دراجات راقية وموضوعية تقلل من تدني قيمة الذات وترفع من شأنها… انا اثق بهذا الآخر، لأنني أحبه، وأريد ان أحيا الحياة معه، بأفراحها وآلامها، وأشاركه بما أعرفه عن ذاتي، وهو بدوره يشاركني بما يعرفه عن ذاته، آخذين بعين الإعتبار ما نجهله من أمور مستقبلية تتعلق بتطورنا الذاتي وبطريقة نمو حياتنا المشتركة، لاننا نجهل كيف ستكون وكيف سنتفاعل معها. ولاننا نثق ببضعنا: نحب، نلتزم، ونتعهد امام الله (سر الزواج)، بمواصلة الطريق معا، حتى يفرّقنا الموت.
فالتزامنا، يشمل ويطال كل ما هو ظاهر ومعروف من حاضر وماض ومستقبل، انه ما يسمى التبادل الخلاق والانفتاح المتبادل، بين ذاتي وذات والآخر المختلف، عنوانه: التزام وعهد وحياة.
٥ – التنقية معًا
وعندما نتّحد بسر الزواج، علينا العمل معا، على تقوية الإلتزام، من خلال
بعدين:
أ- الاول، شخصي يتمحور بالتخلّص، من سرعة الانفعال والافراط بالتعلّق بضمانات وهمية زائفة، والتحرر من الشك من خلال زيادة الثقة الشخصية بالذات وبالآخر، وتمتين روابط الاحترام وقبول الضعف والمحدودية، والدعم المتواصل، وازدياد فعالية الحنان والتضامن بين الثنائي.
ب- الثاني، علائقي- تواصلي، يتعلّق بتمتين الروابط الزوجية والأسرية بأفعال ملموسة، كالثقة بالله وبمشروعه الخلاصي لأسرتي، جاعلا من الله المحور وصلة الوصل بيني وبين شريكي المختلف، واننا باتحادنا المتضامن، نتغلّب بنعمة الرب الحاضرة في الأسرار وكلمة الله، على كافة أشكال الصعاب…
خاتمة
وفي الختام ، على المتحابين كما الأزواج ان يعملوا كل واحد بحسب طاقاته وقدراته ووعيه، في ترسيخ التزامهم بالله وبحقيقة رسالة العائلة، من خلال العمل الدؤوب والهادف، الذي يرمي الى: تجديد الثقة الدائمة بالله وبالذات وبالشريك الآخر، عبر بناء حياة مشتركة راسخة، القداسة وجهتها. !! فمن اراد ان يحيا الحب، عليه الا ينظر الى الوراء (راجع، مت10: 27 ) بل ان يشخص بنظره نحو هذه العلاقة الجديدة التي تحدث في حاضره وواقعه والتي تحمل معها تأثيرات الماضي، عاملا على تنقيتها وتشذبيها، بهدف مستقبل يؤمّن استدامة العلاقة وتجددها الدائم .