سجّل تاريخ 28 كانون الثاني الماضي محطّة مهمّة في تاريخ المقابلات مع البابا، بحيث أنّه ولأوّل مرّة تكلّم عن الصين والصينيين خلال مقابلة مع موقع Asia Times. وبحسب المقال الذي أعدّته الزميلة ديبرا كاستيلانو لوبوف، أجاب الأب الأقدس عن أسئلة حول الصين، حتّى أنّه شاطرنا السبب الذي جعله عاطفياً جداً خلال رحلته الأولى إلى الصين، واستخدم التشابيه التي تتضمّن قوالب الحلوى والرياضة والنعامة ليوصل إلينا نظرته حول مواضيع مختلفة، وأهمّها الحوار!
“لا تخافوا”
بدأ الأب الأقدس المقابلة بالاعتراف بأنّ الصين، ولأوّل مرّة منذ آلاف السنين، تنهض من محيطها وتنفتح على العالم، موجدة بذلك تحديات غير مسبوقة لنفسها وللعالم. وتوضيحاً للتحديات التي تعاكس المساعي لإحلال السلام، وتعليقاً على ما كان قد سبق وقاله عن “اقتراب حرب عالمية ثالثة”، وضّح البابا: “الخوف ليس مستشاراً جيّداً. علينا ألّا نخشى التحديات، بما أنّ كلّ شخص يملك القدرة على إيجاد سبل للتعايش والاحترام والتقدير المتبادل”. وأضاف أنّ الإنسان كما الحضارة يميلان إلى التواصل، “ومن الجليّ أن تنتج الحروب بعد حوار عدائيّ”. ثمّ أكّد أنّه من الضروري أن نتقبّل التحدّي وأن نخاطر لأجل السلام: “لن أخاف، إنّه لتحدّ كبير أن نحافظ على توازن السلام”، مشدّداً على أنّ كلّاً من العالم الغربي والشرقي والصين يمتلك القدرة والقوّة للحفاظ على هذا التوازن. أمّا عن كيفيّة تطبيق هذا، فقال: “علينا دائماً أن نجد السبيل المناسب عبر الحوار، فما من طريقة أخرى”.
“قالب الحلوى” لشرح الحوار
“إنّ اللقاء يتمّ عبر الحوار. فالتوازن الحقيقي للسلام يتمّ التوصّل إليه عبر الحوار، الذي بدوره لا يعني أن ينتهي بنا الأمر بالمساومة، أي بقول نصف قالب الحلوى لك والنصف الآخر لي. لا، بل الحوار يعني أننا أمام نقطة معيّنة. قد أوافقك الرأي أو لا، لكن فلنمشِ معاً لأنّ هذا معنى البناء”. وأضاف البابا: “إن مشينا معاً، يبقى قالب الحلوى كاملاً، لأنّه ملك للجميع. إنّه البشريّة والحضارة. إن قطّعنا القالب، كما حصل في يالطا، نكون نقسّم البشرية والحضارة إلى قطع صغيرة، فيما لا يمكن تقديم البشرية والحضارة مجزّأتين. وعندما أتكلّم عن قالب الحلوى الكبير، فأنا أقصد الإيجابيّة، بما أنّ الجميع يمكنهم أن يؤثّروا على الخير العام”.
تقبّلوا طريقكم وسيروا فيه
لدى سؤال البابا عن كيفية وجوب مواجهة هذه التحديات في الصين، بما أنّ العائلات تجد نفسها في عمليّة تغيّر عميق بحيث أنّها لم تعد تشبه النموذج التقليدي للعائلة الصينيّة، شدّد الحبر الأعظم على أنّ “تاريخ شعب ما هو طريق”، وعلينا استخدام الخير كما الشرّ اللذين نصادفهما على هذا الطريق كفرصة، لكي لا نشعر بالمرارة، بل لنتقدّم إلى الأمام خاصّة مع الحوار. وأضاف البابا: “لا تشعروا بالمرارة، بل سالموا طريقكم حتّى لو اقترفتم الأخطاء. لا يمكنني القول إنّ تاريخي كان سيّئاً لكنّني شخصيّاً أكرهه. على كلّ شعب أن يتصالح مع تاريخه الذي يمثّل دربه بنجاحاته وإخفاقاته، وسيرى عندها أنّ هذه المصالحة تدرّ النضج والنموّ”.
“أشعر بأنني حماة”
بالنظر إلى عوامل النمو الاقتصادي المتسارع في الصين والتي تسبّبت بكوارث بشرية وبيئية وعائلية، سُئل البابا عن الرسالة التي يمكن أن ينقلها للصينيّين. فما كان من الأخير إلّا أن أجاب: “أشعر بأنني حماة تسدي النصائح حيال ما يجب فعله، لكنني أقترح اللجوء إلى الواقعيّة الصحيّة، تلك التي يجب تقبّلها من حيثما أتت”، مشبّهاً الوضع بحارس المرمى الذي عليه أن يلتقط الكرة مهما كانت الجهة التي تأتي منها في رياضة كرة القدم. “علينا تقبّل الواقع كما هو”. وأشار الحبر الأعظم إلى أنّ هذا التقبّل يتضمّن خطوتين، تقضي أولاهما بالمصالحة مع الواقع سواء أعجبنا أو لا، والثانية بمحاولة تحسينه. “إنها اقتراحات بسيطة وشائعة. لكن أن نكون كالنعامة التي تخفي رأسها في التراب لعدم رؤية الواقع، فهذا ليس بحلّ”.
وفي نهاية المقابلة، هنّأ البابا الرئيس الصيني وشعبه بالسنة الجديدة بحسب التقويم الصيني، معبّراً عن أمله في عدم فقدان الوعي حيال كون هذا الشعب عظيماً وعريقاً، وصاحب حكمة يتطلّع إليها العالم.