تُظهر لوحة للفنّان الألماني ألبرت دورير، عنوانها “القدّيس جيروم في مكتبه”، القدّيس وهو يعمل. ويمكننا أن نرى في أماميّة اللوحة العائدة إلى سنة 1514 أسداً مروّضاً وهو الرمز التقليدي للقديس، مع الكلب الذي يرمز إلى الإخلاص والذي غالباً ما استخدمه دورير في أعماله. أمّا على مكتب جيروم فيمكننا أن نرى صليباً عليه المصلوب، فيما نرى على عتبة النافذة جمجمة.
وبحسب مقال أعدّه الأب ويليام غريم ونشره موقع ucanews.com الإلكتروني، تساعدنا هذه اللوحة على التأمّل بالموت. فالجماجم هي عنصر شائع في الفنّ المسيحي التقليدي، إذ توضع غالباً تحت المصلوب، في إشارة إلى أنّ قبر آدم كان على الجلجلة، فيما جمجمة الخاطىء الأوّل وعظامه كانت أوّل ما يُغسل بدم المسيح المنقذ. أمّا مع القدّيس جيروم، فالجماجم تذكّرنا بواقع حياتنا الذي لا يقبل الجدل، واقع علينا التأمّل به ككلّ القدّيسين: سوف نموت، وما من شيء يمكننا فعله! لا النكران ولا الصحّة الجيّدة التي نتمتّع بها ولا الغنى أو المقام يمكنه تبديل هذا الواقع.
ومع بدء زمن الصوم ورسم الرماد على جباهنا، نسمع نداء يسوع للتوبة بحسب إنجيل القديس مرقس ونتذكّر أننا من التراب وإلى التراب سنعود. ومن نقطة الانطلاق هذه، فليطرح كلّ منّا هذا السؤال على نفسه: هل أعيش حقاً البشرى السارّة؟ هل أذكر أنّ إيماني بقيامة المسيح مبنيّ على واقع الموت؟
إنّ إدراكي بأنني سأموت يوماً ما هو طريقة لإعطاء الأهمية للحظات حياتي وأحداثها. لا أملك كلّ الوقت في العالم لأفعل الخير أو لأقدّم الشكر. بل في الواقع، لا فكرة لدي مطلقاً كم من الوقت لديّ، لأنني أجهل “اليوم والساعة”. وعندما أتأمّل في الموت، أجد أنّ هناك ضرورة ملحّة لعيش حياتي، ولنسيان “الأمور السلبيّة”. وهذا ما تعلّمه جيروم والقدّيسون الآخرون من جماجمهم وقلوبهم. “هذا هو الوقت المناسب، إنّه يوم الخلاص”.
لا تؤجّلوا العيش كما يجب، ولا تؤجّلوا التوبة. وليتذكّر كلّ منّا أنّه ليس عليه إبقاء جمجمة قربه أو على عتبة النافذة، غير الجمجمة التي يحملها في أعلى عنقه، لتذكّره بالهدف من حياته، وبأنّه يحظى بفرصة لزيارة العالم مرّة واحدة، والعالم لا يستقبله إلّا مرّة واحدة.