“الإعلام من أجل الوحدة”
مدريد، إسبانيا، الخميس 26 فبراير 2009 (ZENIT.org) – ننشر في ما يلي القسم الأول من الكلمة التي ألقاها الأب اليسوعي فيديريكو لومباردي، مدير دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي، الاسبوع الماضي حول موضوع “الإعلام الكاثوليكي: تجربة الكرسي الرسولي الإعلامية” خلال اجتماع سنوي للجنة الاتصالات التابعة لمجلس أساقفة إسبانيا.
الاتصالات في خدمة الوحدة الكنسية على كافة المستويات
إن وسائل الاتصالات الاجتماعية الكاثوليكية هي وسائل أساسية لبنيان الجماعة المسيحية والأسرة البشرية جمعاء.
في حال وجود اتصالات في الصحافة، أو الإذاعة أو التلفزيون التابعين للأبرشية، أو لغيرها، فلا بد من تشجيعها وتقييم نوعيتها وفائدتها والوسائل التي تتطلبها في حالات الضرورة؛ فأحياناً من الضروري إفساح المجال أمام مبادرات جديدة. اليوم مثلاً يجب ضمان حضور فعال للواقع الأبرشي على الشبكة. إلا أنه من الضروري التذكير دوماً بأن الاتصالات – بخاصة في الكنيسة – هي قيمة تتطلب طاقة وتستلزم تكاليف معينة، إلا أنها نادراً ما تولد العائدات. في هذا الصدد لا بد من مساعدة المسؤولين على التمتع برؤية بعيدة المدى والتذكر بأن هناك عائدات وتبعات غير مالية ولكنها مهمة. لذا من الجدير الاستثمار والإنفاق وإلا لن يتم التوصل إليها. كثيراً ما يتعين تخصيص وسائل مالية أو السعي وراء الحصول عليها بغية المساعدة في الاتصالات ليس فقط من ناحية تأمين الأدوات المادية بل أكثر من ذلك من ناحية إعداد أشخاص مؤهلين وأكفاء.
كما ذكرت آنفاً، على الاتصالات في أنبائها ونقلها للرسائل الأخرى، والشهادات، والأفكار الأخرى وغيرها أن تكون في خدمة الوحدة الكنسية.
إن “الاتصال من أجل الوحدة” أصبح بالنسبة إلي على مر الزمن شعاراً دائماً يلهم باستمرار كل عملي كمخاطب لذا أعتبر أنه لا بد من الإشارة إلى معاوني بضرورة الإلهام والتوجيه في عملهم كمراسلين في خدمة الكنيسة. إنه شعار واقعي إذ يرشد خيارات اللغة ومقاربة الإصغاء وحب الخير لجميع المستمعين، ومتعة خلق أوقات حوار وتفاهم متبادل في المجال المسكوني وبين الأديان وغيرها. إنها مقاربة حاسمة: أريد دوماً التكلم من أجل الوحدة لا التفرقة. أعتقد أنه ينبغي علينا جميعاً إدراك أن الاتصال هو السبيل القوي والفعال لبناء الوحدة الكنسية. هذه هي المقدمة لاتخاذ القرار الملموس بدعمه وتعزيزه بإخلاص.
والحديث عن الاتصال من أجل الوحدة واضح على مستويات عدة: في الأبرشية كما أيضاً خارج نطاقها في سبيل الانفتاح على آفاق المنطقة والبلاد والقارة والكنيسة جمعاء. فالاتصالات الاجتماعية هي السبيل الأساسي من أجل لم شمل المؤمنين يومياً مع الجماعة الكبيرة التابعة للكنيسة والمنتشرة حول العالم.
إنه موضوع لا أتوقف عن التفكير به لأنني أعتقد بأنه في سبيل تنمية بُعد وحدة الكنيسة جمعاء من خلال الاتصالات، لا بد من بناء جسور بين الكنائس المحلية وروما لأنه يشكل الرسالة الأساسية لوسائل الكرسي الرسولي التي عملت فيها طيلة 18 عاماً.
إنني مقتنع بأن الاتصال الجيد ضمن الكنيسة يحتاج إلى تكامل مختلف مستويات الاتصال الضرورية التي تكمل بعضها البعض: المستوى المحلي (الرعوي أو الأبرشي)، المستوى المتوسط (الوطني)، والمستوى العالمي. يجب على الأسقف ومؤتمر الأساقفة والبابا التواجد في آفاق الجماعة الكاثوليكية وكل مؤمن عضو في الكنيسة.
لقد نجح هذا الأمر في بلدان عديدة في استخدام وسيلة الاتصالات الإذاعية. وحصل ذلك أحياناً بطريقة إيجابية وفعالة ففي فرنسا مثلاً هناك إذاعات أبرشية موحدة في شبكة على الصعيد الوطني (الإذاعات المسيحية في فرنسا) تتلقى برامج إذاعة الفاتيكان وتعيد بثها بالفرنسية ضمن برامجها. أعتقد أن ها هو الحل الأفضل والأكثر توازناً ليس فقط من الناحية التقنية بل أيضاً من الناحية الكنسية.
أعتقد أنه لا بد من البحث في تلك البلدان عن سبل التعاون الأكثر فعالية في مجال الاتصالات الاجتماعية لكي نضمن في الوقت عينه نشاط الاتصالات المحلية والبعد العالمي الذي يعطي معنى شمولية الكنيسة جمعاء ووحدتها.
هذه هي النزعة التي أعطيت في العديد من البلدان وأعتبرها نزعة طبيعية.
في هذ الصدد، يجب النظر إلى وسائل اتصالات الفاتيكان كخدمة ترمي إلى توحيد الالتزام الأساسي الصريح للكنائس المحلية. نحن لا نعتبر أنفسنا قادرين على نحو مطلق على ضم جميع الاتصالات في الكنيسة ولكننا نعتبر أنفسنا النواة الأساسية في شبكة عظيمة منتشرة حول العالم.
هنا يمكنني التحدث بشكل ملموس عن إذاعة الفاتيكان التي تعد برامج في مختلف اللغات توضع بفعالية أكبر ضمن برامج الإذاعات الكاثوليكية التي تنمو في العالم أجمع والتي تتلقاها بانتظام عبر الأقمار الصناعية أو الإنترنت، فيما يخدم أولاً البث المباشر على الموجات القصيرة البلدان التي لا توجد فيها إذاعات كاثوليكية محلية.
هناك أمر مشابه نقوم به في مركز التلفزة الفاتيكاني يوفر لكافة التلفزات وكذلك للتلفزة الفاتيكانية – بصفة التلفزة الشعبية – صوراً عن نشاطات البابا التي تشكل نقطة ثمينة ومهمة في برنامجها. إلا أنه نظراً إلى تقدم التلفزة على شبكة الإنترنت – إذ أنها أقل كلفة وصعوبة – قررنا إنتاج أنباء مصورة موجزة عن النشاط اليومي للبابا والتعاون مع وكالات تلفزة كاثوليكية لإنتاج ونشر أنباء يسهل الحصول عليها.
أعتقد أنه من الضروري هنا تعداد الخدمات
الإعلامية والوثائقية المتوفرة من روما. أذكر فقط أنه إضافة إلى إذاعة الفاتيكان ومركز التلفزة الفاتيكاني، يمكنكم إيجاد لوسيرفاتوري رومانو بلغات مختلفة (نشرات أسبوعية) – الموقع الإلكتروني www.vatican.va الغني بالتوثيق والمعلومات (كذلك نشرة مكتب الصحافة مع النصوص الكاملة لكلمات البابا التي تُنشر فوراً، وأخبار خدمة الأنباء الفاتيكانية). والخدمات التي يقدمها المجلس الحبري للاتصالات الاجتماعية (worldvision للميلاد والفصح؛ شبكة الكنيسة الرقمية في أميركا اللاتينية وغيرهما). كما ستم الكشف عن معلومات أخرى في الوقت المخصص للأسئلة والأجوبة).
لمحة ختامية
ختاماً، أقول أن المرحلة التي نعيشها هي مرحلة فعالة تطرح احتمالات عدة على الاتصالات الكنسية ويجب أن نعيشها بهدوء وحماسة.
صحيح أن هناك قوى إعلامية ضخمة نشعر أمامها بالضعف والفقر إلا أن الكنيسة تتمتع بحيوية كبيرة وقرب من حياة الأشخاص الفعلية.
فرؤيتنا يجب ألا تتمحور بشدة على الكنيسة. فلا بد لنا من تحقيق التوازن بين الشمولية والقدرة الإبداعية المحلية، والقدرة على تشجيع المبادرات المحلية، ومعرفة كيفية نشر تجارب إيجابية وتبادلها، ومحاولة تنسيق ودمج المساهمات من أجل الاتصالات على مختلف الصعد، مع التقدير الدائم للقيمة الإعلامية والصادقة التي تقدمها لنا الكنيسة جمعاء.
يجب أن نتحلى بالإيمان لأن الروح يعمل. أود أن أذكر بكلمات المقطع الختامي للرسالة العامة الأخيرة ليوحنا بولس الثاني سنة 2005 المخصصة تحديداً لـ “التطور السريع في وسائل الاتصالات الاجتماعية”:
“إلى العاملين في مجال الاتصالات، وبخاصة إلى المؤمنين العاملين في هذا المجال الاجتماعي، أجدد الدعوة إلى أنني رغبت منذ بداية خدمتي كراعي الكنيسة جمعاء في أن أقول للعالم أجمع: “لا تخافوا!”
لا تخافوا من وسائل التكنولوجيا الجديدة لأنها من الأشياء الرائعة! – Inter Mirifica الاكتشافات التكنولوجية الرائعة – التي وضعها الله في متناولنا لاكتشاف الحقيقة واستخدامها وإعلانها، بما فيها الحقيقة حول كرامتنا ومصيرنا كأبنائه وورثة الملكوت الأبدي.
لا تخافوا من معارضة العالم! فقد طمأنكم يسوع قائلاً: “فأنا قد انتصرت على العالم”.
لا تخافوا من ضعفكم وعجزكم! فقد قال المعلم السماوي: “ها أنا معكم كل الأيام إلى انتهاء الزمان”. احملوا رسالة الرجاء والنعمة ومحبة المسيح محافظين دوماً في هذه الحياة الفانية على فكرة الملكوت الأبدي” (رقم 14).