فلنخرج للقاء المسيح الربّ الآتي!
إن الإنجيل الذي سمعناه للتوّ يدعونا إلى الانطلاق وإلى التطلّع إلى المستقبل كي نجد أجمل ما يريد أن يقدّمه لنا: المجيء النهائي للمسيح في حياتنا وفي عالمنا. فلنرحّب به في وسطنا بفرحٍ وحبٍّ عظيمين، مثلكم أنتم الشبيبة، فوحدكم تعرفون كيف ترحبّون بهذه الطريقة! قبل أن نذهب نحن للبحث عنه، نعلم أن الربّ يبحث عنّا، ويأتي للقائنا ويدعونا انطلاقًا من الحاجة إلى تاريخ يجب أن نصنعه ونخلقه ونبتكره. نمضي قدمًا بفرح لأننا نعلم أنه ينتظرنا هناك.
يعلم الربّ أنه من خلالكم، أيها الشبيبة، يدخل المستقبل هذه الأراضي والعالم، ويعتمد عليكم كي يستمرّ برسالته اليوم (را. الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس المسيح يحيا، 174). وكما كان لدى الله تدبيرٌ للأشخاص المختارين، لديه أيضًا تدبيرٌ لكلّ واحد منكم. إنه أوّل من يحلم بدعوة الجميع لحضور مأدبة يتعيّن علينا أن نعدّها معًا، هو ونحن، كجماعة: مأدبة ملكوته التي لا يجب استبعاد أحد عنها.
حدّثنا إنجيل اليوم عن عشرة شابّات دُعينَ للتطلّع إلى المستقبل وللمشاركة بعرس الربّ. وكانت المشكلة أنّ بعضهنّ لم يكنّ مستعدّات لهذا الاحتفال. ليس لأنهنّ نِمنَ إنما لافتقارهنّ إلى الزيت الضروريّ، “والوقود الداخليّ” للحفاظ على نار المحبّة مشتعلة. كانت لديهنّ قوّة عزم كبيرة واندفاع، وكنّ يرغبن بالمشاركة في الدعوة وفي استدعاء المعلّم، ولكنها زالت مع مرور الوقت، ونفدت قوّتهن ورغباتهن، ووصلن متأخّرات. يشبهُ هذا المثل ما قد يحدث لجميع المسيحيّين، لنا، المملوئين بالاندفاع والرغبة، عندما نشعر بدعوة الربّ لمشاركة الآخرين بملكوته وفرحه. فمن الشائع، إزاء المشاكل والعوائق، والتي هي عديدة في كثير من الأحيان كما يعرف جيّدًا كلّ منكم في قلبه، وإزاء معاناة الأحبّاء، أو إزاء العجز أمام الأوضاع التي يبدو مستحيلًا تغييرها، أن يزداد الشكّ والمرارة ويتسلّلا بهدوء إلى أحلامنا، فيدفعانا لتهدئة قلوبنا، ولفقدان فرحنا فنصل متأخّرين.
لهذا السبب أودّ أن أسألكم: هل تريدون الحفاظ على النار مشتعلة، النار القادرة على إنارتكم في منتصف الليل وسط الصعوبات؟ هل ترغبون في الاستعداد لقبول دعوة الربّ؟ هل تريدون أن تكونوا مستعدّين لإتمام مشيئته؟
كيف يمكن الحصول على الزيت الذي يحافظ على نشاطكم ويشجّعكم على البحث عن الربّ في كلّ ظرف؟
أنتم ورثة لتاريخ تبشير جميل سُلِّم لكم مثل كنز مقدّس. وهذه الكاتدرائية الجميلة هي شهادة على إيمان أسلافكم بيسوع المسيح: لقد دفعهم إخلاصهم المتجذّر بالعمق، إلى القيام بأعمال جيّدة، وبناء هذا الهيكل الآخر، الأكثر جمالًا، المكوّن من حجارة حيّة كيما يحملوا حبّ الله الرحوم لكلّ معاصريهم. لقد استطاعوا أن يقوموا بذلك لأنهم آمنوا بما أعلنه النبيّ هوشع في القراءة الأولى اليوم: لقد تكلّم الله معهم بحنان، وعانقهم بحبّ ثابت إلى الأبد (را. هو 2، 14. 19).
أيّها الأصدقاء الأعزّاء، حتى لا تنطفئ نار الروح القدس وكي نحافظ على نظرتنا وقلبنا، من الضروريّ أن نكون متجذّرين في إيمان المسنّين: الآباء والأجداد والمعلّمين. لا كي نبقى سجناء الماضي، ولكن كي نتعلّم التحلّي بتلك الشجاعة القادرة على مساعدتنا في مواجهة الأوضاع التاريخيّة الجديدة. كانت حياتهم حياة صمود أمام العديد من المحن والكثير من المعاناة. لكن على طول الطريق، اكتشفوا أن سرّ القلب السعيد هو الأمان الذي نجده عندما نثبت في يسوع، ونتجذّر في يسوع: وفي حياته، وفي كلماته، وفي موته وقيامته.
“رأيت أحيانًا أشجارًا شابّة وجميلة، تصل فروعها إلى السماء وتبحث دائمًا عن المزيد، وتبدو وكأنّها أغنية رجاء. ورأيتها فيما بعد، بعد العاصفة، هاوية، هامدة. ولأن لديها جذور قليلة، نشرت فروعها دون أن تتجذّر في الأرض، وبالتالي استسلمت إلى كوارث الطبيعة. لذا يؤلمني أن أرى أن البعض يقترح على الشبيبة بناء مستقبل دون جذور، كما لو أن العالم بدأ الآن. لأنه من المستحيل أن ينمو المرء إذا لم يكن لديه جذور قوّية تساعده على الوقوف بثبات وتوثقه بالأرض”. أيّها الشبّان، أيتها الشابّات، “من السهل أن نضيع عندما لا نملك مكانًا نتمسّك به، نثبت فيه” (الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس المسيح يحيا، 179).
بدون هذا الشعور القويّ بالتجذّر، قد نشعر بالارتباك بسبب “أصوات” هذا العالم التي تتنافس على لفت انتباهنا. العديد منها جذّابة ومُعَدَّة جيّدًا فتبدو جميلة ومكثّفة في البداية، لكنها في نهاية المطاف تترك الفراغ والإرهاق والوحدة والتردّد (را. نفس المرجع، 277)، وتطفئ شرارة الحياة التي أشعلها الربّ يومًا في كلّ منّا.
أيّها الشبيبة الأعزاء: أنتم جيل جديد، بآمال وأحلام وأسئلة جديدة؛ وطبعًا مع بعض الشكوك أيضًا، لكني أدعوكم إلى أن تحافظوا، عبر تجذّركم في المسيح، على فرحكم، وإلى عدم الخوف من النظر إلى المستقبل بثقة. متجذّرون في المسيح: تطلّعوا بفرح، تطلّعوا بثقة. فإن هذا التصرّف ينبع من إدراككم بأن الربّ يبحث عنكم ويجدكم ويحبّكم إلى ما لا نهاية. والصداقة التي ننمّيها مع يسوع هي الزيت الضروري لإنارة المسيرة، مسيرتكم، ولكن أيضًا مسيرة كلّ مَن هم مِن حولكم: الأصدقاء، القريبين، وزملاء الدراسة والعمل، وحتى الذين يختلفون معكم تمامًا.
فلنخرج للقاء المسيح الربّ الآتي! لا تخافوا من المستقبل ولا تسمحوا بأن يخيفكم أحد؛ بل اعلموا أن الربّ، في المستقبل، ينتظركم كي تعدّوا وتحتفلوا بعرس الملكوت.
Vatican media @
كلمة الشكر التي ألقاها قداسة البابا فرنسيس في نهاية القدّاس الإلهي
في نهاية هذا الاحتفال، أودّ أن أشكر جميع الذين شاركوا في تحضير زيارتي إلى تايلاند والذين ساهموا في تحقيقها.
أجدّد الإعراب عن امتناني لصاحب الجلالة الملك راما العاشر، وللحكومة ولسائر سلطات البلد على ترحيبهم الكريم. أتوجّه بالشكر الخالص إلى إخوتي الأساقفة ولاسيما إلى الكاردينال فرانسيس كزافييه، وكذلك الكهنة، والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيّين، وإليكم أنتم بشكل خاص، أيها الشبيبة الأعزّاء!
شكرًا جزيلًا للمتطوّعين الذين عملوا بسخاء. وجميع الذين رافقوني بصلاتهم وتضحياتهم، وخاصّة للمرضى والمسجونين.
يكافئكم الربّ بالعزاء والسلام الذي وَحده يستطيع أن يمنحه. وأعهد إليكم بمهمّة: لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. شكرًا جزيلًا!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019
© Copyright – Libreria Editrice Vaticana