حياة الكاهن الروحية (2)

الافخارستيا

بقلم رئيس الأساقفة عصام يوحنا درويش*

استراليا، الثلاثاء 12 يناير 2010 (Zenit.org). –خلال مناقشاتي مع الكهنة أثناء رياضة روحية حول الاحتفال بالذبيحة الإلهية قال لي احدهم وهو كاهن منذ أربعة وعشرين عاما “أحتفل كل يوم بالقداس الإلهي كأنه قداسي الأول”. ما أجمل هذه الطاقة، طاقة الحب التي تتفجر في قلب الكاهن وهو يرسم ما صنعه الرب في حياته و”يجعل كلّ شيء جديدا” في حياته[1]. إن ما يميز الليترجية هو أنها تجعل المحتفل بها يعيش في الكنيسة وكأنه كل الكنيسة ويعيش مع الناس وكأنه يختزلهم في واحد هو المسيح “المقَرِبُ والمُقَرَب”، يعيش في زمان محدد وكأنه خارج الزمان الحاضر. في وقت الاحتفال الليترجي يغرف الكاهن من التجرد والبساطة والشفافية ما يعطيه عمقا روحيا وقلبا منفتحا على نعم الروح القدس.

ما من أمر إيجابي يحدث في حياة الكاهن من دون الروح القدس، بفضل حلوله وبنعمة الشركة معه ينمي الكاهن حياته الروحية “إن الروح القدس يرزق كل شيء، ويفيض النبوة، ويكمل الكهنوت، وقد علّم الكلمة.. وأظهر الصيادين متكلمين باللاهوت”[2]. ينطلق الكاهن من احتفاله بالليترجيا الإلهية ليبقى في استعداد متواصل لمجيء الروح القدس ليحلّ عليه، وهكذا تصير الليترجية مُعاشة طوال يومه وفي كل جانب من جوانب حياته والصلاة التي يرفعها بعد كلام التقديس “ما لك مما هو لك عن كل شيء ومن أجل كل شيء” برهان قاطع على أنه لم يعد يفصل ذاته لا عن الجماعة ولا عن يسوع المسيح الكاهن الأول، إنه في وحدة كاملة معهم.

في وقت الاحتفال يصير عالم الله عالم الكاهن الجديد وملكوته ملكوته فالروح يحفر فيه جسد المسيح فيصير شريكًا له في كلّ شيء “ولتكن نِعمةُ ربِّنا يسوعَ المسيح ومَحبَّةُ اللهِ وشَرِكَةُ الرُّوحِ القُدُسِ مَعكُم جميعا”[3]. إن الاحتفال بالقداس الإلهي هو “منبع الحياة المسيحية كلّها وقمّتها”[4]، وقداس الكاهن اليومي هو أكثر من خدمة روحية يقدمها للناس عندما يعطيهم جسد المسيح ودمه، إنه غذاؤه  الروحي والوقت المميز الذي يشعر فيه بأنه كاهن المسيح، وعندما يردد كلمات الرب التي قالها في العشاء الأخير الذي تناوله بصحبة تلاميذه ” هذا هو جسدي” و “هذا هو دمي” يدخل في سرّ الإيمان وفي سرّ موت وقيامة يسوع المسيح. إنه يدعو الناس للإيمان لكنه أيضا يرسّخ إيمانه ويقوّي روحانيته ويأخذ من الذبيحة قوته اليومي فيستنير ويتحرر ويرمّم من جديد صورة الله في حياته لأن “كل شيء لكم، وأنتم للمسيح، والمسيح لله”[5].

في طقسنا البيزنطي الملكي عند تقديم القرابين ونقلها من هيكل التقدمة يصلي الكاهن “ليس أحد من المقّيَّدينَ بالشَّهوات والملاذِّ الجسدية. أهلاً لأن يَتقدَّمَ إليك. أو يَدنوَ منكَ. أو يَخدُمَكَ يا ملك المجد..” والشعب  يُردّد “فلنَطْرَحْ عنَّا كلَّ همّ دُنْيَوي لِنَستقبِلَ ملكَ الكلّ” إنها برهة حاسمة للكاهن وهي لا تتوقف لأنه يرتقي بها إلى السموات وهو يستمدّ من هذه القرابين المحمولة إلى الهيكل، قوة ليبقى على استعداد دائم للقاء العروس “الآتي على عجل”[6]

الخطر الكبير الذي يتعرّض له الكاهن هو أن يدخل في رتابة القداس الإلهي فيصلي كلامًا يردده كل يوم من دون أن يجعله يلمس قلبه ووجدانه، لذا عليه أن يتذكر دوما أن قداسه اليومي يجب أن يكون كقداسه الأول “فيركز عينيه على الخبز والكأس ويتذكر أنه مثل تلميذي عماوس في حجّ مع يسوع فهو سار معهما ليفتح أعينهما على النور وقلبهما على الرجاء”[7].

* راعي أبرشية الكنيسة الملكية الكاثوليكية في أستراليا ونيوزيلندا

Share this Entry

[1]  رؤ 21/5

[2]  من صلاة غروب عيد العنصرة

[3]  2كور 13/13

[4]  التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 1324

[5]  1 كور 3/22

[6]  رؤ 22/20

[7]  رسالة البابا يوحنا بولس الثاني حول الافخارستيا 2003

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير