جمال الله الجذاب

انفتاح الشخص البشري على الحب (14)

Share this Entry

بقلم روبير شعيب

روما، الاثنين 23 أغسطس 2010 (Zenit.org). – على ضوء القسم السابق من هذه المقالة يمكننا أن نستخلص أن الجاذبية هي من صفات أمانة الله. إله المسيحيين لا يجيب فقط على تساؤلات المؤمنين العقلية، بل الوجودية. إن أغنية جوان أوزبورن (Joan Osborne)، شقيقة مغني الروك الشهير أوزي أوزبورن، التي تتساءل: “ماذا لو كان الله واحدًا منا، مجرد بزاقة عارية مثل كل منا، مجرد غريب يستقل الباص يبغي فقط أن يرجع إلى بيته!”. المسيح أجاب على هذا السؤال: الكلمة صار بشرًا، وشاركنا حالتنا البشرية في كل شيء ما عدا الخطيئة، لأنه رغم كونه في صورة الله لم يحسب مساواته لله غنيمة، بل أفرغ ذاته آخذًا صورة عبد، وصار مشابهًا للبشر. وإذ ظهر ي صورة بشرية واضع نفسه حتى الموت، موت صليب العار، لأنه العمانوئيل، الله معنا…

هذا الحب المجنون يجذب إلى الثقة لأنه يقترب منا كغريب ويمشي إلى جنب من يسير مسيرة الحياة قاتم الوجه وحزين، متقوقعًا تحت ثقل اللامعنى الظاهري للحياة والموت، وتحت نير الغروب المتواصل للآمال البشرية. ولكن مع تساؤلات هذا المسافر الغريب ينفتح قلب الإنسان على توقعاته الأعمق ويستطيع أن يلاقي الأجوبة التي لم يكن يتوقعها والتي تجعل قلبه يتقد في داخله. ينجذب الإنسان في غمرة هذا اللقاء فيحمل نور المسيح إلى أعمق أعماقه، فيكتشف أن جوهر وجود المسيح هو هبة الذات الكلية، الحب اللامشروط، قوت الحياة ونداء الشهادة (راجع لوقا 24: إنجيل تلميذي عماوس).

الإيمان والأمانة يتولدان من العجب الذي تولده مفاجئة حب الله التي هي قمة الخبرة الدينية. هذه المفاجئة تذهب أبعد من كل قدرات الخيار: يبدو أن خيار الإيمان هو خيارنا، ولكن إيماني بالحقيقة ليس أمرًا آخر إلا الاعتراف بحب آخر يسبق حبي، وإيمان آخر يسبق إيماني. أنا أؤمن لأن الله آمن به مسبقًا.

جمال الله الذي يستحق الثقة والإيمان يتجلى في الكلمة –دَبَر- وأيضًا في كل قطرة قداسة وخروج من الذات في الحب. في قلب ثقافة وصفها بعض أنبياء العصر بـ “حضارة الموت”، حضارة – وصفها نيتشه بأنها “محت الأفق بالاسفنجة”، حضارة “موت الله”، وحده القديس يستطيع أن يشهد لواقع أسمى وشهادته هي ذاكرة خطيرة تردد صدى الله حتى في قلوب مشتتة ابتعدت عن أحلامها العميقة. يقول دو لوباك: “في سور سجن كثيف مظلم، يكفي ثقبًا يسيرًا في السور لنشهد أن هناك شمس. وهكذا أيضًا في هذا العالم، الذي هو الآن داكن وثقيل، يكفي لقاء سريع بقديس لكي يشهد الله” (H. De Lubac, Sur les Chemins de Dieu, 184).

طوبى مرتين لأنقياء القلوب لأنهم، أولاً، يرون الله (مت 5، 8) وثانيًا لأنهم يجعلون الله مرئيًا. القديسون يجعلون الله مرئيًا أكثر من البراهين العقلية لأن بنيتنا الأنثروبولوجية هي روائية، وتحتاج إلى الصور والسرد أكثر منه إلى المفاهيم والنظريات. هل تساءلنا يومًا لما تؤثر فينا الأفلام أكثر من المعادلات الحسابية؟

لنا مَثَل في هذا الأمر في سيرة أديت شتاين التي، خلال زيارة إلى بيت صديقها هدفيغ كونراد مارتيوس تجد كتاب سيرة القديس تريزا الأفيلية، تقرأها في ليلة واحدة وعند انتهائها من القراءة تقول: “هذه هي الحقيقة، لقد وجدتها”. هذا الاكتشاف ليس اكتشاف متحمسة دينية، بل هي ما يقوله باكلي: “هي اعتلان الإلهي في صلب سيرة بشرية معقدة جدًا، وقدرة إنسان على تفسيرها كما يجب”.

ولكن جمال المسيح، وجمال القديسين على السواء يبقى خجولاً، عاجزًا أمام حريتنا البشرية عندما ترفض أن تثق. ولذا، إذا سبق وقلنا أن وحده الحب يستحق الإيمان والثقة، يجب أن نضيف، أن وحده الحب، ووحده من يُحِب يستطيع أن يؤمن ويثق.

(يتبع).

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير