Flickr - Lawrence OP - Flos Carmeli - CC BY NC ND

‎كيف كان الكرملّ قبل ظهور العذراء للقديس سمعان ستوك ، وكيف غدا بعد هذا الظهور؟

‫ظهور العذراء للقدّيس سمعان ستوك‬

Share this Entry
‎تَسَلَّمَ سمعان ستوك الإنكليزي، رئاسة الكرمليين العامّة سنة ١٢٤٧ وقد عُرف عنه أنّه كان مغرماً بمريم العذراء وبالتعبّد لها .
‎وكانت الرهبانية الكرملية قبل سنة ١٢٥٠ تعيش على شفير الهاوية : فعدد الرهبان قليل ، الغالبية منهم متقدمون في السن … لا دعوات جديدة … إنطلقت من الشرق إلى الغرب ولكن الغرب لم يكن ليقبلهم بسهولة : فبعض الأساقفة والرؤساء الروحيين لم يسمحوا لهم بالإحتفال بالقدّاس والفرض الكنسي، في رعاياهم وكنائسهم، أو حتى أن يدفنوا موتاهم في مقابر الأبرشية . ممنوع عليهم أن يبنوا كنائس خاصّة بهم ضمن أبرشيتهم أو أن يقرعوا الأجراس . كانوا يعدّونهم غرباء طارئين ، وافدين من شرق مجهول، لا أصل لهم ولا هوية واضحة، ولا إعترافاً كنسيّاً صريحاً وواضحاً برهبانيتهم .
‎إذًا، الصعوبات عديدة وجميع النوافذ مغلقة في وجه الرهبانية . من هنا نشأت الفكرة عند القديس سمعان ستوك : لن يستطيع أحد الدفاع عن الرهبانية وإنهاضها إلاَّ أمّها بالذات …
‎ألسنا نحن إخوتها وأبناءها ! إذًا على الإخوة الكرمليين أن يستعينوا بأختهم القديرة . لذلك دأب سمعان ستوك وهو المسؤول الأول ، على التوسّل إلى مريم العذراء ، سيّدة الكرمل ، طالباً منها امتيازاً فريداً ، طالباً منها  “علامة حسّية ” تبرهن بها على استمرار حمايتها لإخوتها وأبنائها .
‎وكانت صلاته ترتفع كالبخور كل يوم فيصلّي ويقول :
‎يا زهرة الكرمل ـ يا كرمة مثمرة ـ يا ضياء السماء ـ  يا مريم العذراء ـ أنتِ وحدك الأمّ الشفوقة ، العذراء المتواضعة ، التي لم تعرف رجلاً ـ أعطي أولادك ، أولاد الكرمل ، إمتيازاً فريداً ـ  يا نجمة البحر … وقد سمّاها سمعان ستوك : ” نجمة البحر ”  لأن البحّارين كانوا وسط الأخطار يتطلعون إلى النجمة «نجمة البحر» التي بواسطتها كانوا يعرفوا الإتجاه صوب الميناء .
‎(‫عليك السلام بلا ملل يا نجمة البحر والأمل‬).
‎وفي ١٦ تموز ١٢٥١ بينما كان يصلّي صلاته المعهودة هذه ، إذا بالعذراء مريم ، مصحوبة بجوقاتٍ من الملائكة تظهر له وهي تحمل في يدها ثوب الرهبانية وتقول :
‫ ” خذ هذا الثوب. إنّها العلامة. إنّه الأمتياز الذي طلبته مني: أعطيه لك ولجميع رهبان الكرمل .‬
كل من يموت حاملاً هذا الثوب، فإنه لن يذوق عذاب النار بل يخلص ” .
‫ماذا كانت النتيجة بعد هذا الظهور ؟‬
‎لقد أَحسَّ سمعان ستوك باطمئنان شديد، وبقوّة عظيمة، إثر هذا الظهور، وإثر هذا الإعلان الجلي الواضح . لقد استجابت مريم صلاته وصلاة إخوته الرهبان . وأخذت على عاتقها مصير رهبانيتها . لقد تشّجع سمعان وتقوّى . رحلت عنه الشكوك والوساوس بخصوص المستقبل ، بعدما بلّغ رهبانه بما حصل : فتشدّدوا جميعاً وتقوّوا …
‎لقد أكدّت على حمايتها وشفاعتها ولمَ لا ؟ أليست كليّة القدرة ؟ وهل تعجز على إعطاء أبنائها هذه العلامة ؟  ” إنّه الثوب ” هدية من مريم إلى أبنائها .
‎وهكذا فإنّ القرن الثالث عشر لم يكد يشرف على نهايته ، حتى نهضت رهبانية الكرمل من الحضيض إلى القمّة : فتثبتت الرهبانية وأخذت مركزها وموقعها بين كبريات المؤسّسات الرهبانية في العالم . وتوالت التأسيسات بعد سـمعان : فبعد سنتين كان التأسيس في أكسفورد وفي لندن ١٢٥٣ ـ في باريس ١٢٥٤ ـ في يورك  ١٢٥٥ ـ في نورويش 1256 ـ في بولونيا ١٢٦٠ ـ وزاد عدد الأديرة وتكاثر عدد الرهبان في الشـرق وفي الغـرب، وتأسسـت الأقاليـم إقليمـاً تلو الآخر . إقليم رومة ١٢٦٥ ـ فرنسا ١٢٦٥ ـ ألمانيا ١٢٦٥ـ لومبرديا ١٢٧٠ ـ أكيتان(فرنسا) ١٢٨٢ ـ إسبانيا ١٢٨٢ ـ إيرلندا١٢٩٧ .
‎لقد كانت السنوات التي تلت ظهور العذراء للقدّيس سمعان ستوك حافلة بشتّى الإنعامات والتأسيسات. فنهضت الرهبانية من الخمول والنسيان والإنهيار والموت ، بعدما لبست حلّة الثوب الجديد : ثوب العذراء مريم سيدة الكرمل. وهكذا امتدّ الكرمل من الشرق إلى الغرب واستقرّ بقوّة في كافة بلدان اوروبا الغربية والشرقية …
‎أجل ! فالإيمان يصنع الأعاجيب . والصّلاة الحارّة تحرّك السماء . طلب سمعان العون من العلاء ، فاستجابت مريم لأنها سلطانة الأرض والسماء . لقد عرف سمعان بمن يستنجد وإلى من يصرخ في وقت الشدة والضيق ! ألاَ يصرخ الولد إلى أمّه عند الخطر ! ألاَ ينادي الطفل أمّه عند الخوف والمرض ! لقد تدخلت العذراء عندما هرعت القلوب إليها ، كما تتدخل اليوم أيضاً عند طلب شفاعتها .
‎ومريم لا تزال أمّاً في كل زمان وجيل ! إنّها أمّ البشرية ، وهي تبرهن عن قدرتها وشفاعتها من خلال ظهوراتها المتعددة في لورد  ـ  في فاتيما ـ  في مديوغوريه ، في الشرق والغرب …
‎فإليها ترتفع أيضاً صلاتنا في كلّ حين .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك
Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير