الافخارستيا والاسكاتولوجيا
الافخارستيا: عطية إلهية في مسيرة الإنسان
30. صحيحٌ أن الأسرار، هي واقعٌ يرتبط بالكنيسة التي تحجّ في الزمن نحو اعتلان ملء مجد المسيح القائم، ولكنه صحيح أيضًا، وخصوصًا في الليتورجية الافخارستية، أننا ننال أن نتذوق مسبقًا الاكتمال الاسكاتولوجي (الأخيري) الذي يسير نحوه كل إنسان والخليقة بأسرها (راجع روم 8، 19+).
خُلق الإنسان للتمتع بالفرح الحقيقي الأبدي الذي تمنحه محبة الله وحدها. ولكن إرادتنا الجريحة قد تضلّ الطريق لو لم يكن ممكنًا تذوق شيء من الاكتمال المستقبلي منذ الآن. علاوة إلى ذلك، يحتاج كل إنسان، لكي يتمكن من المسير بالاتجاه الصحيح، أن ينال التوجيه نحو الهدف الأخير. وهذا الهدف الأخير هو بالحقيقة يسوع المسيح نفسه، المنتصر على الخطيئة والموت، والحاضر بشكل مميز في الاحتفال الافخارستي.
وهكذا، بالرغم من أننا ما زلنا “غرباء ونزلاء” (1 بط 2، 11) في هذا العالم، إلا أننا بالإيمان، نشارك منذ الآن بملء الحياة القائمة من الموت.
وإذ تكشف مائدة الافخارستيا بعدها الاسكاتولوجي العميق، تساعد حريتنا في مسيرتها.
الوليمة الاسكاتولوجية
31. بتأملنا بهذا السر ، يمكننا أن نقول بأن يسوع أجاب بمجيئه على انتظار شعب إسرائيل، وانتظار البشرية كلها، وعلى انتظار الخليقة بأسرها. من خلال هبة ذاته، افتتح يسوع موضوعيًا الأزمنة الاسكاتولوجية. لقد أتى يسوع ليدعو ويجمع شمل شعب الله المشتت (راجع يو 11، 52)، مبينًا بوضوح نيته بلمّ شمل جماعة العهد، لكي يحقق وعود الله للآباء الأقدمين (راجع إر 23، 3؛ 31، 10؛ لو 1، 55. 70).
لقد أظهر يسوع في دعوة الاثني عشر – والتي ينبغي ربطها بعشائر إسرائيل الاثنتي عشرة، وبمهمة الاحتفال بذكراه التي أوكلها إلى الرسل في العشاء الأخير قبل آلامه المحيية – أنه يريد أن يسلم الجماعة التي أسسها مهمة أن تكون في التاريخ، علامة وأداة جمع الشمل الاسكاتولوجي الذي بدأ في شخصه.
لذا ففي كل احتفال افخارستي يتحقق بشكل أسراري لمّ شمل شعب الله الاسكاتولوجي. إن الوليمة الافخارستية هي استباق حقيقي للوليمة النهائية التي سبق وأعلن عنها الأنبياء (راجع أش 25، 6- 9) والتي وصفها العهد الجديد بأنها “عرس الحمل” (رؤ 19، 7. 9)، التي ينبغي الاحتفال بها في فرح شركة القديسين.