باريس 8 مايو 2007 (ZENIT.org) – شدد المراقب الدائم للكرسي الرسولي لدى منظمة اليونسكو في باريس المونسنيور فرانشيسكو فولو خلال الدورة السادسة والسبعين بعد المئة للمجلس التنفيذي لليونسكو حول النقطة الرابعة والعشرين بعنوان: “مشروع الإستراتيجية على المدى المتوسط لفترة 2008-2013 (وثيقة 34ج/4) وتوصيات المجلس التنفيذي) على “أهمية التعزيز الفعلي لكرامة المرأة ومشاركتها المسؤولة في الحياة الإجتماعية على كافة المستويات”.
السيد الرئيس،
إن مشروع الإستراتيجية على المدى المتوسط (وثيقة 34ج/4) الذي تعمل منظمة اليونسكو على مواصلته في الفترة الممتدة بين العامين 2008 و2013 جدير بالتقدير. فهو يركز على أولويتين من شأنهما أن تساهما في التنمية البشرية في المجتمعات المعاصرة. واسمحوا لي أن أنوه بشكل خاص بالإهتمام المولى إلى إفريقيا،
تلك القارة الفقيرة والمنسية في غالبية الأحيان، وبالإهتمام الذي تحظى به مسألة النساء التي تنتهك كرامة عدد كبير منهن حول العالم. فعلى كل شخص متمسك بفلسفة حقوق الإنسان أن يعترف لكل شخص بشري بكرامته غير القابلة للتصرف والمتأصلة بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو معتقداته أو ممتلكاته.
أود أن أشدد اليوم على نقطة تتعلق بأهمية التعزيز الفعلي لكرامة المرأة ومشاركتها المسؤولة في الحياة الإجتماعية على كافة المستويات؛ فهذه الأولوية التي وضعتها منظمتكم نصب أعينها إنما تشكل موضوعاً هو في صلب اهتمامات الكنيسة الكاثوليكية. ففي مستهل الرسالة الرسولية الصادرة في 30 سبتمبر 1988 بعنوان “كرامة المرأة”، يعترف البابا يوحنا بولس الثاني بأن مسألة كرامة المرأة ورسالتها قد اكتسبت في السنوات الأخيرة أهمية خاصة وأن تعميق الفكر الأنثروبولوجي حول الشخص البشري قد أصبح ضرورياً لفهم كرامة المرأة وحمايتها، باعتبار أنها قائمة على مبدأ المساواة بين الأشخاص واحترام الإختلافات، وبخاصة الإختلاف بين الأجناس.
إشارة إلى أن المشروع الإستراتيجي يستند بشكل مشروع إلى مبدأ مكافحة التمييز الذي هو من مقومات النظام الإجتماعي للمجتمعات والمرتبط باحترام حقوق الإنسان التي لا يجوز التصرف بها. ولا يسعنا إلا أن ننوه برغبة اليونسكو في التذكير بمبدأ تساوي الحقوق عند الرجال والنساء.
لقد عمل عدد لا يستهان به من الفلاسفة في الحيز الثقافي الغربي على تبيان مدى أهمية أن نفهم بشكل صائب فكرة تساوي الجنسين في الإختلاف بالنسبة إلى المجتمع، حيث لا يمكن أن تُعتبر مجرد جنسانية بسيطة وحسب. فالرسالة البيبلية تتضمن، كما ذكر البابا يوحنا بولس الثاني، “الحقائق الأساسية للأنثروبولوجيا” (راجع رسالة “كرامة المرأة”، الفقرة 6).
ونقرأ بشكل خاص في سفر التكوين: “خلق الله الإنسان (الشخص البشري) على صورته كمثاله، ذكراً وأنثى خلقهم” (1، 27). ولا بد من أن نشير من جهة إلى أن الخالق قد أوجد اختلاف الجنسين وأن الشخص البشري من جهة أخرى لا يكتسب صفة الرجل أو المرأة فعلياً إلا اعتباراً من اللحظة التي يتم فيها الإعتراف بالإختلاف الأساسي بين الرجل والمرأة. ويترافق هذا الوعي تجاه الآخر المختلف تماماً مع دهشة حيال ماهية الآخر في أصالته وفرادته كما في الآية التي نقرأ فيها: “هي عظم من عظامي”.
إن الإيمان المسيحي يغذي إذاً القناعة بأن أحداً لا يمكنه أن يجرد أي كائن بشري، سواء رجل أو امرأة، من القيمة المتأصلة فيه التي أنعم بها الله على كل واحد منا والتي لا يمكن التصرف بها بتاتاًً. كذلك، فإن هذه الكرامة الأصلية تذكرنا بضرورة التعامل مع كل كائن بشري كشخص وليس كشيء. وبالتالي يترتب على كل إنسان أن يعتني بإخوته في الإنسانية.
ومن واجبات السلطات السياسية والإجتماعية، الوطنية منها والعالمية، أن تحرص على أن تحظى هذه الكرامة بالإحترام في كل الأوقات وفي مختلف مراحل حياة الشخص. من هذا المنطلق، فإن جلّ ما نتمناه هو أن تولى مسألة احترام المرأة والفتاة اهتماماً أكبر، وبخاصة في مواضيع السلامة الجسدية وحرية اختيار الزوج وضرورة تلقي العلم والإنخراط في الحياة الإجتماعية.
وفي الرسالة التي وجهها لمناسبة يوم السلام 2007، بيّن قداسة البابا بندكتس السادس عشر الحيز المهم الذي تحتله مسألة انعدام المساواة بين الرجال والنساء في الصعوبات والصراعات الإجتماعية في كافة أنحاء العالم. وقال الأب الأقدس: “من أسباب التوترات الكثيرة التي تهدد السلام هناك حالات كثيرة من عدم المساواة في العالم. وأكثرها خطورة عدم المساواة في مجال التمتع بالخيرات الأساسية شأن الغذاء والماء والمسكن والصحة من جهة، ومن جهة أخرى، استمرار عدم المساواة بين الرجل والمرأة في ممارسة الحقوق الإنسانية الأساسية. كذلك أيضا إن نقص الاعتبار تجاه وضع المرأة يدخل عوامل تزعزع استقرار المجتمع. لا يمكن ضمان السلام إذا لم نتجاوز أيضا أشكال التمييز التي تجرح كرامة الشخص التي أرادها الخالق لكل كائن بشري”.
وفي مجمل الدول، يبرز الدور الناشط للمرأة لجهة التنمية الإجتماعية. إن الكرسي الرسولي يحيي دور المرأة المنقطع النظير في التنشئة الإنسانية عند الشباب وفي نظام الإقتصاد الجزئي وتمسك المرأة بالقيم الإنسانية والأخلاقية التي تحرص على نقلها إلى الأجيال الطالعة، وحرصها على حماية الحياة واهتمامها بالسلام والتضامن بين الإخوة والعناية بالشيوخ والمرضى والعناية بأسرتها وأولادها والحس العميق عندها، وجميعها عناصر تشهد لمزاياها العميقة
وتفانيها الذي لا يجد إلى الكلل سبيلاً وحرصها الدائم على أن تعطي أفضل ما لديها، فتعكس بذلك الرجاء الثابت الذي يسكنها.
إذاً هناك أمور كثيرة نتعلمها من المرأة. وعليه، فمن المهم أن تعتمد المنظمات الدولية شأنها شأن المسؤولين في المجتمع المدني في كافة أصقاع العالم على العبقرية النسائية. فبفضل المرأة التي لا بد من دعم النشاطات التي تقوم بها بكل تواضع وفي الظل، ستعزَز العائلة وهي خلية المجتمع الأساسية ويتعلم الشباب كيفية الإندماج بشكل أوسع في الشبكات الإجتماعية ويصبح السلام مطلباً أكثر إلحاحاً ويؤول الحوار والعلاقات الإنسانية عناصر أخوة وتضامن على الصعيد المحلي. وفي نهاية المطاف، يكون المجتمع برمته مستفيداً من رسالة المرأة وأعمالها وموهبتها.
لهذا السبب، ومن منطلق ما تقدمنا به، يدعم الكرسي الرسولي بشدة كافة الجهود التي تبذلها منظمة اليونسكو لضمان كرامة الفتيات والنساء والمكرسة في الوثيقة 34ج/4. أشكركم، السيد الرئيس، على حسن إصغائكم.