الموصل، الجمعة 22 يونيو 2012 (ZENIT.org). – الحياة المسيحية هي دائماً حياة شركة ومقاسمة، وربنا يسوع يدعونا اليوم أن نكون أسخياء في حياة الشركة هذه، مثلما كان هو سخي ومعطاء لكثيرين… دائما، خصوصية الحياة المسيحية هي أنها دائما حياة عطاء وبذل بلا حدود…… إذا تأملنا في إنجيل اليوم، يسوع يقوم بهذه المعجزة في أرض قاحلة مقفرة، أرض تفتقر للحياة، أو تفتقر إلى معنى الحياة، الحياة لا تساوي شيئاً في هكذا أرض، ولكن، لا شيء يساوي الحياة أبداً… ولهذا يقوم يسوع بتكثير الخبز لكي يبقي الحياة مستمرة إلى الأبد… معجزة تكثير الخبز، هي بحد ذاتها معجزة إكثار الحياة وتقديمها للناس بوفرة….
الخبز في الكتاب المقدس، دائما يشير إلى وجود الحياة، فمن خلاله يستمر الإنسان بالحياة والعيش، لا بل الخبز هو رمز وحدة البشرية، هو رمز لهذه العلاقة بين إنسان وأنسان في العطاء… هذه البشرية التي قال عنها يسوع مشفقاً عليها، بانها قطيع لا راعي له…. ولهذا يسوع يذكّر البشرية بان الحب هو الذي يوحّد البشرية، من خلال الشركة والمقاسمة، من خلال الخبز الذي هو المادة المشتركة بين جميع شعوب العالم، ولهذا ممكن أن يكون الخبز أو الطعام، رمز المقاسمة والشركة والوحدة في المحبة بين جميع البشر….
جمع كبير يخرج إلى مكان مقفر دون أن يفكّر بتهيئة الطعام اللازم لهكذا مكان بعيد، يذكّرنا بان الله هو الوحيد والأساس الذي علينا أن نفكّر به، ان نفكّر بالله فقط دون غيره، علينا أن نطلبه أولاً، والباقي يزاد لنا…. وفجأة يسوع يتحنّن ويشفق على هؤلاء الناس وعلى مرضاهم، يسوع هو دائما الإنسان المتضامن مع الجميع، لان يحب الجميع…. فيلجأ يسوع للتلاميذ بأن يعطوا للجموع ما يأكلون،ولكن كالعادة، دائما التلاميذ يفشلون، قليلي الإيمان، ولكن، يسوع لا ييأس، ويأخذ المبادرة فيقيم المعجزة، فيأكل الجميع حتى شبعا وبقي من الطعام الكثير الكثير….
يسوع يقدم أفضل ما عنده، يقدم حياته لأبيه ويشكره على كل النعم التي قدمها له، هذا القليل الذي نتناوله ونتقاسمه بقناعة وثقة بالرب، يكفي لا لشخص أو عشرة أو مائة، بل للآلاف الناس. الطعام المقتسم يكثر، الطعام المقتسم هو طعام مبارك، هو كله حياة مبذولة ومقدمة للآخر لذلك لا ينتهي أبداً. القليل عند يسوع هو دائماً كثير ويكفي.
في برية الحياة التي نعيشها نحن اليوم كمسيحيين، تواجهنا نفس المشكلة، كيف يمكننا أن نقدّم الحياة للآخرين، ماذا نقدّم لكي ما يستمر الآخر الذي يعيش معي في الحياة والعطاء…. ما هي نوعية الخبز والطعام التي نقدّمها للآخرين، من الممكن أن يعيش الإنسان اليوم على رغيف خبز واحد نقدّمه له، ولكن قد يعيش العمر كلّه على كلمة طيّبة… خبزنا اليوم الذي نستطيع أن نقدّمه للآخرين، هو كلمة عزاء ورجاء… كلمة سرور وشكر وامتنان… فلا تقل أبداً بأنك فقير لا تملك شيئاً، بل أنت تملك الكثير الكثير، ولا يوجد إنسان بيننا اليوم ليس قادراً على إعطاء ولو كلمة شكر أو رجاء بسيطة في حجمها ولكن عظيمة في معناها… عليك أن تؤمن بنفسك وقدراتك، ولن تستطيع اكتشاف الكثير من هذه القدرات إلا من خلال العطاء للآخرين…
إخوتي أخواتي الأعزاء: كثير من الناس لا يملكون شيئا وينتظرون منا ان نتقاسمهم القليل والكثير الذي نملكه. يعلن البنك الدولي والمنظمات الانسانية بأن مستوى الفقر في العالم أكثر انتشاراً من المتوقع، هنالك مليار شخص في العالم تحت خط الفقر لا يتجاوز دخله دولار وربع الدولار، بالتأكيد لن نستطيع مساعدتهم أو الوصول إليهم، ولكن يكفي ان نذكرهم في صلاتنا، فالتضامن ليس فقط في ان نعطي شيئاً ماديا، ولكن الصلاة والكلمة الطيبة هي أيضاً عطاء لأننا نقدمها للآخر من كل قلبنا. اليوم نحن مدعوون لا أن نقدّم كلمة الحياة “خبز الحياة” للآخرين فقط، بل أن نتعلّم كيف نخبزها، بتعاليم يسوع التي تجعل الحياة أكثر جميلة…..
لنسال الرب في ان يعطينا القوة والشجاعة في أن نصبح دوماً خبزا مكسوراً لكل من نلتقيهم في حياتنا، لاسيما الفقراء والمنسيين والمرضى والضعفاء. ليكن فينا دائماً الاستعداد للعطاء الدائم فنسلّم أنفسنا وما لدينا بيد يسوع، فهو قادر ان يصنع المعجزات. يا رب إن ما ملكه هو قليل ولا قيمة له، لكننا يا رب نثق ولهذا نعطي، نحن متأكدين بان القليل الذي لنا يصبح من خلالك حياة وكثرة بوفرة….. آمين