إله المسيحيين. مقدمة

الثلاثاء 26 يونيو 2012  (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي مقدمة سلسلة مقالات لاهوتية وروحية بعنوان “إله المسيحيين” لمؤلفها روبير شعيب، تتمحور حول واقع إدراك الله في عصرنا الحالي وحول تعليم وخبرة بعض الصوفيين للثالوث الأقدس. روبير شعيب حائز على دكتورا في اللاهوت من جامعة الغريغوريانا الحبرية في روما وهو أستاذ لاهوت في بعض الجامعات الإيطالية منها “الجامعة الكاثوليكية للقلب الأقدس” في روما.

Share this Entry

* * *

مقدمة

في حديثه عن الله يقول الفيلسوف المسيحي موريس بلوندل أن الله هو “ذاك الذي لا يمكن الحديث عنه من الذاكرة، هو ذاك الذي لا يمكن الحديث عنه كغائب”. ماذا يقصد بقوله هذا؟

بالطبع يمكننا الحديث عن الله متذكرين ما فعله في حياتنا، ولكن ما يعنيه الفيلسوف هو أنه لا يمكننا أن نعتبر عمل الله في حياتنا واقعًا من الماضي، واقعًا يغطيه غبار الزمان وتطويه ذكريات الماضي دون وقع حي في الحاضر. ما يعنيه الفيلسوف إذًا هو أن الحديث اللائق عن الله يتطلب أن نعي أن الله حاضر هنا والآن وأن حديثنا عنه يجب أن يرتكز على حديثنا إليه على صلاتنا.

لذا نبدأ هذه السلسلة من المقالات بصلاة لإحدى “متصوفات الثالوث الأقدس” في العصر الحديث، الطوباوية أليصابات للثالوث الكرملية:

“يا إلهي الثالوث الذي أعبده، ساعدني لكي أنسى ذاتي كليًا فيك… اسمح لي أن أغوص أكثر فأكثر في أعماق سرك…

أشعر بعجزي، ولذا أطلب إليك أن تلبسني قوتك… أن تغمرني، أن تغزوني، أن تأخذ مكاني لكي تضحي حياتي إشعاعًا لحياتك.

أيها الكلمة الأزلي، أريد أن أقضي حياتي بالإصغاء إليك.

يا روح الحب حلّ علي لكي يتم فيّ كتجسد للكلمة.

وأنت، أيها الآب، انحنِ نحو خليقتك الفقيرة الصغيرة.

أيها الثالوث، يا كلّ ما لي، أيها الغور الذي أضيع فيه، إني أسلم ذاتي لك”.

غمرٌ ينادي غمرًا

يفتتح اللاهوتي الكبير الاب هنري دو لوباك كتابه عن مسيرة الإنسان نحو الله الذي عنوانه “على سبل الله” بقصة يرجح البعض أنها من سيرة اللاهوتي بالذات. يخبرنا اللاهوتي اليسوعي أنه خلال فرصة في ملعب المدرسة، سمع الناظر أحد الأطفال يتهكم أمام رفاقه بالعظة التي تلاها الكاهن خلال القداس الذي سبق الفرصة. لقد أراد الكاهن أن يقول شيئًا عن الله، فكان جل ما قدّمه سلسلة من الأفكار التي بدت مجردة وصعبة المنال وبأفضل حال أفكار تقوية لا تحرك إلا مشاعر بعض الأشخاص ذوي الحس المرهف… لم يوبخ الناظر الولد بل طرح عليه بوداعة هذا السؤال: “هل فكرتَ مرة كم هو صعب الحديث عن هذا الموضوع؟”…

يعلق دو لوباك على القصة قائلاً: “إن الولد لم يكن غبيًا. فكّر بهذه الحادثة وكان هذا اللقاء الأول له مع السر، السر المزدوج: سر الله وسر الإنسان”.

لطالما ربط الفكر المسيحي بين عمق سر الله وعمق سر الإنسان، فكبار آباء الكنيسة وملافنتها ركزوا دائمًا على أهمية كلمات سر التكوين “خلق الله الإنسان على صورته فمثاله” (تك 1، 27) وشددوا على أهمية إدراك غمر الإنسان لكي يتسنى لنا النظر في غمر الله. لذا سنبدأ حديثنا عن إله المسيحيين بنظرة سريعة إلى كسوف الله وإشراقه في فكر ووعي الإنسان المعاصر.

(يتبع) 

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير