Falco - Pixabay - CC0

ما ذنبي أنا المولود الآن بخطيئة آدم، لماذا لم يحاسب الله أدم لوحده؟

لكي نجيبُ على هكذا أسئلة، لا بدّ لنا من التطرّق قليلا  لموضوع ” الخطيئة الأصليّة ” التي لا يزالُ الكثيرون في حيرة ٍ من أمرهم بخصوصها. معلومٌ أنّ هذه المواضيع التي تخصّ أدم وحواء، والخطيئة، والسقطة أو الزلّة، مواضيع معقدة وتحتاجُ لشروحات […]

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

لكي نجيبُ على هكذا أسئلة، لا بدّ لنا من التطرّق قليلا  لموضوع ” الخطيئة الأصليّة ” التي لا يزالُ الكثيرون في حيرة ٍ من أمرهم بخصوصها. معلومٌ أنّ هذه المواضيع التي تخصّ أدم وحواء، والخطيئة، والسقطة أو الزلّة، مواضيع معقدة وتحتاجُ لشروحات وتفاسير كثيرة. ولا مجال لنا هنا إلا وضعها بصورة مبسّطة.
أوّلا:  آدم ليس إسم عَلم لشخص عاش في مكان يُمكن تأريخه ووضعه في سنة معيّنة! آدم بالعبريّ يعني، بحسب  اشتقاقها، الأرض والتربة والطين الأحمر. فأدم هو الأرضيّ والطينيّ والآتي من الأرض.  يقول الأب فرانسوا فاريون: ” ربّما سأدهشكم بما سأقول، لكني سأقوله مع ذلك، لا كرأي ٍ خاصّ، بل باسم الكنيسة: قالت الكنيسة إنّ سبب الخطيئة هو آدم، لكنّها لم تقل قطّ من هو آدم. معظمُ علماءُ اللاهوت المعاصرين يسلّمون بأنّ آدم هو البشريّة كلّها . إذن، إنّ سيرة آدم التي تُروى هي سيرتنا نحنُ أيضا، وخطيئته هي خطيئتنا”.
ثانيا: ليست، كما يقال دائمًا، خطيئة آدم خطيئة ً موروثة (تنقلُ بالوراثة والحامض الأمينيّ)! فهذا ما لا يقبله أيّ منطق وعقل!. يقول كتاب التعليم المسيحيّ الكاثوليكيّ : ” كيف أصبحت خطيئة آدم خطيئة ذريّته كلّها؟ الجنس البشريّ كلّه في آدم ” كأنه الجسد الواحد لإنسانيّ واحد ” (توما الأكوينيّ). وبسبب ” وحدة الجنس البشريّ هذه” جميعُ البشر داخلون في خطيئة آدم، كما أنهم داخلون جميعًا في تبرير المسيح.  مع ذلك، إنتقال الخطيئة الأصليّة سرٌّ لا نستطيعُ إدراكه إدراكا تامّا.
يفترضُ الأب فرنسوا فاريون ما يلي : لنفرض أن الإنسان الأوّل لم يُخطئ، فما الذي يضمنُ لنا أنّ الإنسان الثاني لن يخطئ؟ والثالث أو الرابع؟ إن أثّرت فينا خطيئة الإنسان الأوّل كلّ هذا التأثير، فلماذا لا تؤثّر فينا بالقدر نفسه خطيئة الإنسان الثاني أو الثالث أو الرابع؟!
يقولُ البابا بنديكتوس السادس عشر: ” في سقطة آدم وحوّاء علينا أن نفهم أننا نحملُ فينا قطرة من سمّ طريقة التفكير الذي يبيّنها كتاب التكوين: الإنسان لا يثق بالله، أغويَ بكلمات  الحيّة، خالَجه الريب، بأن الله منافسٌ يحدّ من حريّتنا، وبأننا لا نكون بشرًا بالمعنى الكامل، إلاّ إذا حططنا من قدر الله.
تكلّم المفكر الفرنسيّ باسكال، عن ” طبيعة ثانية “، تضع نفسها فوق طبيعتنا الأصليّة الصالحة. هذه الطبيعة الثانية تجعلُ الشرّ يبدو طبيعيّا للإنسان. وكذلك التعبير المعروف: هذا بشريّ، له معنى مزدوج.  ” هذا بشريّ ” يمكنه أن يعني : هذا الإنسان صالحٌ، يعمل بالفعل كما يجب أن يعمل الإنسان. ولكن ” هذا بشريٌّ” يعني أيضا الزيف، أي الشرّ طبيعيٌّ، بشريٌّ. يبدو الشرّ وكأنه أصبح طبيعة ثانية. عقيدة الخطيئة الأصليّة تركّز على التضامن والتفاعل بيننا. فلسنا وحدنا عندما نخطئ. ادم وحواء يخطئآن معا ولا يخطئ أحد وحده.  وفكرة الكتاب المقدّس ليست أن نحمّل السيّد آدم والسيّدة حوّاء الوِزرَ كلّه. بل كلّ البشر متساوون. لا يستطيع أحدٌ أن يجرّ نفسه خارج التجربة. نحن متضامنون عموديّا وأفقيّا.
إنّ تعليم العهدين القديم والجديد في شموليّة الخطيئة، الذي توسّع فيه التقليد الكنسيّ في عقيدة الخطيئة الأولى أو الخطيئة الأصليّة، غالبًا ما يساء فهمه ويلاقي صعوبات ٍ غير قليلة لدى كثير من المسيحيّين.  الصعوبة الآولى تقومُ في أنّ كثيرين من العلماء اليوم يقولون إنه لم يكن في بدء الجنس البشريّ زوجان وحسب ( أصلٌ واحد للبشر جميعًا)، بل إنّ الحياة البشريّة قد نشأت في مسيرة تطوّر وتكوّنت في الوقت عينه في مواضع متعددة (أصول متعددة).
يقولُ الأب فاضل سيداروس اليسوعيّ : ” يُظهر مفهوم الخطيئة الأصليّة ” قوى الشرّ “، أو ” سرّ الإلحاد” (بولس) ، أو ” خطيئة العالم” ( يوحنا)، التي تعمل في الكون وفي تاريخ البشريّة، فالقضيّة أشملُ من الشخص الذي يختبر، عندما يعيش ويعمل، مقاومة قوى اعظم منه تؤدي به إلى اقتراف الخطيئة والشرّ.  فما وصفه الكتاب المقدّس بنظرة ” تاريخيّة، إرثــــــــًا من أبوينا، تصفه العقيدة بنظرة ” الوضع ” ألبشريّ المستديم. وقد أطلق البابا القديس يوحنا بولس الثاني تسمية ” بِنيات الخطيئة “، تعبيرًا منه عن آثار القوى الشريرة في المجتمعات البشريّة على جميع أصعدتها.
اعتبر تيّار معاصر أنّ شخصيّة آدم هي ” شخصيّة دامجة “، أي أنها تمثّل الشعب، في تفاعل بين ذلك الشخص (الملك، الآباء البطاركة، عبد يهوه المتألّم ….) وشعبه، في علاقة لا تشترطُ ” الوراثة”، بل ” التمثيل”، النموذج؛ وكأنّ الشعب كله حاضر في تلك الشخصيّة. ولا يرث منها الخطيئة لأنه هو أيضا خاطئ ومذنب.
خلاصة القول: الخطيئة الأصلية ليست فقط خطيئة الأصل، بل هي خطيئة متأصلة في وجودنا الحر القادر على أن يقول لا للنور ونعم للظلمة. ولكن هذا الخيار هو باب الحرية للمحبة، لأنه لولا قدرة الحرية على الرفض، لما كان لها حرية حقة في القبول. وفخر القديسين هو هذا: رغم حريتهم أمام الحب سلبًا وإيجابًا، فهُم يستسلمون للحب بالكلية، ويضحون في المسيح ومثله نَعمًا كاملاً ونِعَمًا للبشرية. فلا يمكن فهم معنى الخطيئة الأصليّة إلا على ضوء النعمة التي هي يسوع المسيح.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير