بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الجمعة 16 مارس 2012 (ZENIT.org). – "بالنسبة لآباء الكنيسة، لم يكن ثالوث ووحدة الله، أو طبيعتي المسيح في وحدة شخصه حقائق تُقرّر على طاولة البحث أو تُناقَش في الكتب في حوار مع كتب أخرى، بل كان واقعًا حيويًا"، هذا ما قاله الأب رانييرو كانتالامسا مفتتحًا حديثه عن سر الثالوث الأقدس بحسب القديس ريغوريوس النزينزي.
هذا ويقدم واعظ الدار الرسولية سلسلة من أربع عظات في كابيلا "أم الفادي" بحضرة البابا بندكتس السادس عشر خلال فترة الصوم المبارك، وقد ألقى صباح اليوم الجمعة العظة الثانية بعنوان: "القديس غريغوريوس النزينزي، معلم الإيمان بالثالوث الأقدس".
وكان الأب الكبوشي قد تأمل الأسبوع الماضي في تعليم القديس أثناسيوس الإسكندري حول ألوهية المسيح.
يعلم القديس غريغوريوس "مرنم الثالوث الأقدس" أن العهد القديم حدثنا جليًا عن وجود الآب وبدأ يكشف لنا بشكل سري عن الابن؛ أما العهد الجديد، فيحدثنا بشكل واضح عن الابن ويبدأ بالحديث عن ألوهية الروح القدس؛ والآن، في الكنيسة، الروح يكشف لنا عن حضوره بشكل واضح فنعبّر عن إيماننا بمجد الثالوث الطوباوي. لقد طابق الله اعتلانه مع زمن وقدرات البشر على قبوله.
لقد تلقى القديس غريغوريوس النزينزي في التقليد لقت "اللاهوتي" (ho Theologos)، وذلك بفضل إسهامه في توضيح عقيدة الثالوث الأقدس. لقد قدم لنا تعابير واضحة وضوح البلّور تقرب أذهاننا من سر الثالوث الذي لا يُسبر:
"كان، وكان، وكان: ولكنه كان واحدًا. نور ونور ونور: ولكنه نور واحد: هذا ما تخيله داود عندما قال: ’بنورك نعاين النور‘ (مز 35، 10). والآن قد تأملنا به ونعلن عنه، من النور الذي هو الآب نفهم إذ ندرك النور الذي هو الابن بنور الروح القدس: هذا هو لاهوت الثالوث الأقدس باختصار... إن الله لا فصل فيه – إذا جاز التعبير – في أقانيم متمايزة عن بعضها".
خبرة القديس غريغوس للثالوث الأقدس ليست خبرة تجريدية في الفكر فقط، بل هي خبرة حياتية يعيشها القديس. فلنسمعه يصارحنا عن خبرته: "انطلاقًا من اليوم الذي تخليت فيه عن أمور هذا العالم لكي أكرس نفسي لتأمل الحقائق السماوية النيرة، عندما اختطفني الفكر السامي من هذه الأرض بعيدًا عن كل ما هو جسدي... منذ ذلك اليوم انبهرت عيناي بنور الثالوث الأقدس... من سمو جلاله يغمر كل شيء بإشعاع لا يوصف... انطلاقًا من ذلك اليوم، مِتُّ عن العالم والعالم مات بالنسبة لي".
لا يمكننا أن نعيش من دون الثالوث
يعلمنا يوحنا الرسول أن جوهر الله هو المحبة (راجع 1 يو 4، 16). وقد أخذ اللاهوت الغربي هذه الكلمات على محمل الجد، خصوصًا في فكر القديس أغسطينوس. الله محبة، ولذا، يقول القديس أغسطينوس: "يتطلب الحب مَن يُحِبّ، من يُحَبّ، والحب عينه". الآب، في الثالوث الأقدس هو المُحِبّ، نبع وأصل كل شيء؛ الابن هو المحبوب؛ الروح القدس هو الحب الذي يربطهما.
كل حب هو حب أحد ما أو أمر ما. الحب لا يقوم دون موضوع حب. والآن السؤال الذي يطرح نفسه: من يُحبّ الله لكي يتم تسميته حب؟ هل هو الإنسان؟ لو كان الأمر كذلك لكان الله بدأ يحب فقط منذ بضعة ملايين من السنين. هل هو الكون؟ لو كان الأمر كذلك لكان الله حبًا فقط منذ نحو عشر ملايين سنة. ولكن من كان الله يحب قبل كل ذلك لكي يكون حبًا؟ - يقول لنا الفلاسفة اليونان أن الله هو فكر يفكّر بنفسه. ولكن هذا الأمر مستحيل، في حين أن الكتاب المقدس يقول لنا أن الله محبة. حب الذات من أجل الذات ما هو إلا أنانية، ليس تمجيدًا للحب بل نكرانًا كاملًا له.
من هنا يبين لنا الوحي الإلهي أن الله محبة منذ الأزل، لأنه قبل أن يوجد الكون كان الله الكلمة، الابن المحبوب حبًا أبديًا في المحبة التي هي الروح القدس.
بالطبع إن مثال الحب ما هو إلا مثال بشري، ولكنه أفضل ما نعرفه لكي نحدس شيئًا ما عن أعماق الله الخفية. يظن البعض أنه يجب أن نضع الثالوث الأقدس جانبًا لكي نحاور الأديان الأخرى، إلا أن هذا الأمر لن يكون إلا انتحارًا حتمية. فالإيمان المسيحي يقوم على الإيمان بالثالوث الأقدس.  الثالوث الأقدس هو جوهر إيماننا المسيحي وقد شرّب الفكر المسيحي والليتورجيا والصلاة.
الغوص في الثالوث الأقدس
فكرنا أصغر بكثير من الله، ولذا من المستحيل لنا أن ندرك جوهر الله العميق. ولكن إذا لم يكن باستطاعتنا أن نغمر المحيط بأيدينا يمكننا أن نغوص فيه؛ لا يمكننا أن نحيط بالثالوث الأقدس فكريًا، ولكن يمكننا أن نلج فيه!
باب الدخول في الثالوث الأقدس هو واحد، يسوع المسيح. من خلال موته وقيامته فتح يسوع لنا سبيلاً جديدًا وحيًا لكي ندخل في قدس أقداس الثالوث الأقدس وترك لنا سبلًا لمقاربة هذا السر: أولاً، الكنيسة، ففي حوض الكنيسة ندرك حقيقة وحي الله كثالوث حب. وفي قلب الكنيسة نلاقي الافخارستيا التي توعينا بأن القداس الإلهي هو فعل ثالوثي من أوله إلى آخره، يبدأ وينتهي بسمة الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس. وسبيل آخر مهم للولوج في سر الثالوث الأقدس هو بحسب تعليم الكنيسة الأرثوذكسية هو الأيقونة. تشكل الأيقونات – مثل أيقونة روبليف – خلاصة مرئية لعقيدة الثالوث الأقدس. في خبرة الحياة المسيحية نغوص في عمق الثالوث الذي لا ينضب.

-

منطق المسيحية يخالف المقاييس البشرية

الأب منتصر حداد
الموصل، الجمعة 24 فبراير 2012 (ZENIT.org). – احبوا اعدائكم….
من لطمك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر…
الاولون آخرون، والآخرون اولون…
من رفع نفسه اخفضها ومن اخفض نفسه رفعها…
 من أراد أن يكون كبيراً فليكن للجميع خادماً….
مباديء كثيرة تؤمن بها المسيحية، تجعلها في مواجهة مع غيرها من الديانات، وتضعها في موقف الضعف، كونها تعتمد على تفكير ومنطق يخالف المقاييس  البشرية…. فاكبر تحدي يواجهه المسيحي، ويجعله في موقف محرج امام الآخرين غير المسيحيين، هي عبارة “أحبوا أعدائكم” لان هي تمثّل الأختبار الحقيقي لعمق ومدى جدية المسيحي للإلتزام بإيمانه المسيحي… هذا الإيمان المبني على محبة الناس… هؤلاء الناس وخاصة في مجتمعنا، الذين كثيرين مهم، والجهلة بصورة خاصة، يعتبرونا كأعداء بالنسبة لهم… هذه العبارة تخالف كل المقاييس البشرية… لأن الكل يقول، العين بالعين والسن بالسن والباديء اظلم…
الكثيرون ينظرون إلى المسيحية باعتبارها ديانة، أو أيمان الجبناء والضعفاء… هي ديانة الناس الذين يُصفَعون على خدّهم مرّتين… ديانة الذين يتركون ردائهم بالإضافة إلى ثوبهم، ديانة الذين يسخّرون للمشي مع الآخر ميلين بدل الميل الواحد… لو كانت القيم الإنسانية كلها تعتبر هذا الأمر عادي، لكان ما يقوم به المسيحيين صحيح… ولكن، في هكذا عصر وهكذا زمن، نحن غير منطقيين، نعم أيماننا يستخدم منطق اللامنطق…
إيماننا مبني ومعاش بنفحة إلهية، تعتبر التنازل، الخطوة الأولى للصعود، فأنت غير قادر للصعود ما لم تنزل أولا، من رفع ذاته أخفضها ومن أخفض ذاته من أجلي رفعها… الأولون آخرون والآخرون أولون، العشارون والزواني يسبقونكم إلى ملكوت السماوات، وأبناء الملكوت يطردون خارجاً.. متناقضات كثيرة تناقض ما يؤمن به العالم… والله يقول في الكتاب المقدس: سبلكم غير سبلي وطرقكم غير طرقي… إذا ً من يريد السير مع الله عليه ان يكون متناقضاً في كثير من المرات مع العالم، ان يسير في المنطق الإلهي الذي يعتبره العالم، لا منطقاً….
نرى انفسنا كمسيحيين في موجهة مع كثير من الصعوبات اليوم، أن نرفض العنف، أن نرفض استخدام القوة، نرفض استخدام التهميش ضد الآخر، ان نرفض كل من يريد استعبادنا وخضوعنا أو هربنا… الشهادة الحقيقية، هي الشهادة التي تستند على المحبة، لان كل القيم والمبادئ الأخرى بدون المحبة، تسقط ولا معنى لها… نحن لا نرد العنف بالعنفن لاننا غن فعلنا هذا نكون خسرنا مبدئنا وانتصر الآخر الذي قبلنا بالعنف، لاننا سننجر إلى منطقه وفي هذا انتصاره… لهذا نحن مسالمين، لأننا نحب….
يسوع جاء من اجل الإنسان، لهذا هو يرفض مبدأ الرد بالمثل سلباً… لانه يحب الإنسان… ونحن مثله أيضا، علينا أن نحب الإنسان، ونقابله بالطيبة والرحمة عندما يواجهني بالعنف….. فلو كنت انت تواجهني بالعنف، وانا ارد عليك بنفس العنف، فمتى ينتهي العنف؟… المشكلة، العاقلون قليلون والجهلة كثيرون فاطلبوا من رب الإنسان، أن يرسل متعقلين إلى عالمه…

الاحد الاول من الصوم

الأب منتصر حداد
الموصل، الجمعة 17 فبراير  2012 (ZENIT.org)- تبقى حياة الإنسان من دون عمل الله، حياة ناقصة، لان الرب هو المعنى الوحيد والحقيقي لكل حياتنا بجميع سلوكياتها…. في انجيل اليوم، هنالك عرس، وحتى يكون هنالك عرس، نحتاج الى الكثير من المستلزمات، وفي العرس اليهودي، كان وجود الخمر، مهم ليضفي طابع الفرح والعفوية بين المشاركين في الحفل، لان الخمر تفرح قلب الانسان حسب ما يقول الكتاب المقدس…. إذا، الأمر الأساسي في العرس الذي هو الخمر غير موجود، وهكذا ايضا من دون الله، بدون الحب يبقى الأمر الأساسي في حياتنا ناقصا، لا معنى لها، فيأتي الله بخمر جديدة التي تعبر عن الفرح… من دون يسوع تبقى الحياة كئيبة وناقصة ومحزنة، حتى ولو كنا نعيش في عرس.. ويسوع قادر أن يجعل من حياتنا مدهشة وعجيبة…. كل هذا لأنه بكل بساطة “يحب”…
    من يوم غد سنبدأ زمن يستمر لـ 50 يوم، نسميه زمن الصوم الكبير…. وما يلاحظ في هكذا مناسبات وأزمنة، الاهتمام الملفت بالتقيد بالصلاة والصوم وعمل الخير والتأمل والرجوع إلى الذات وتقوية العلاقة مع الآخر، ونبذ الخلافات والخصومات، لنمشي من جديد في الطريق الذي وقفنا لنتأمل فيه بحياتنا، ومواقفنا وسلوكياتنا…. أذا مثل هكذا أيام، هي أيام بركة، هي أيام نعمة كبيرة…. ولهذا علينا ان نجتهد في عيشها بكل معنى الكلمة… لان هذه الأيام تجعلنا وتساعدنا على ان نلتقي بيسوع بوضوح، ولهذا هي ازمنة بركة ونعمة…. أزمنة الصوم هي أزمنة استعداد، تعبّر عن هذا الإنسان الواعي، الذي هو متهيئ دائما لاستقبال الرب….
الصوم هو زمن الانتباه، يعلمنا ان ننتبه لنقرا العلامات، لنقرا تاريخ الله مع الانسان ونفهم، بان الانسان عليه ان يكون دائما يقضاً…. لهذا ترانا في هكذا زمن، ننتبه الى انفسنا ومسيرتنا، نعمل مراجعة حياة، هل نحن على الطريق ام على جانب الطريق… هل الآخر هو محط اهتمامي، ام انا اعيش لوحدي، لذاتي فقط… السؤال المهم الذي علي ان اطرحه على ذاتي دائما، ياخذ صداه في هذه الأيام: لمن اعيش، من اجل من اعيش؟ زمن الصوم هو زمن الالتفات نحو الآخر، الآخر الذي تعب الرب في خلقه على صورته وتنشئته والعناية به، هو مهم، مميز، لا يهلكه، لانه يحبه، لا يجرب الأنسان بالشر ابداً، يعتني به الى حد انه يبذل ذاته في سبيله… الآخر هو دائما هدف صومي… لأنني مع الآخر احقق مشروع الله، عالم حسن جدا جدا…
إذاً، لا معنى لكل افعال الصوم، ان لم نتعلم الالتفات نحو الآخر….. ومن هذا المنطلق ياتي نصوم،  الصوم ليس مسألة إنقطاع عن الطعام، بل هو وسيلة جيدة لكي يستطيع الإنسان أن يلتفت إلى الآخر… لان الصوم الحقيقي هو كما يقول أشعيا” إِطْلاقُ المَسْحوقينَ أَحْراراً وتَحْطيمُ كُلِّ نير؟… أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه …. إِن أَزَلتَ مِن أَبْنائِكَ النِّير والإِشارَةَ بِالإِصبَعِ والنُّطقَ بالسُّوء.”) فإذا الصوم يعلمنا الإلتفات إلى الآخر والتضامن معه… فلا يكون وجود الإنسان لتملك الآخر وإخضاعه أو استغلاله للإستهزاء به، بل لرعايته وإعانته لكي ما ينتهي من محنته، وهذا لا يكون إلا بالحب… فأنت ستصوم لانك تريد هدف معين تفيد به الآخر، وهذا لا ياتي إلا لانك تحب الآخر، ولأنك تشعر به بمعاناته وبفرحه وألمه…
اليوم ومن خلال هذا الإنجيل، نرى يسوع يبارك العلاقة، فهو يحضر عرساً، وهذا يعني، إنه يتضامن مع كل ما يجعل البشرية في عرس دائم، في فرح دائم… العرس والذي يعني اتحاد شخصين على أساس الحب… فعلاً، بقاء كل علاقة على قيد الحياة، لا يتم إلا من خلال الحب… والحب هو ليس فقط مشاعر واحاسيس، الحب هو موقف ملتزم بكل حرية تجاه الآخر… إذاً، لا وجود لصوم حقيقي، ان لم يكن فيه تضامن، ان لم يكن فيه شعور بالآخر… لهذا علينا ان نكون دائما مصدر فرح وتفاؤل ورجاء وتعزية وبركة وخير للآخر، القريب…  
لهذا ربنا يقول: وإذا صمت فاغسل وجهك وادهن راسك، كن بشوشاً، لا تكن معبساً، كن مصدر فرح للناس وليس مصدر شؤم او تعاسة، هذا هو المقصود… نحن لا نصوم حتى نندم ونبكي وننوح، بل لنتلعم ان نكون دائما مصدر فرح…. نتمنى ان تكون هذه الأيام، أيام خير وبركة علينا جميعاً، أيام مملوءة من نعمة ربنا… نصلي في هذا القداس ونطلب من ربنا ان يفيض نعمه وبركاته على جميع المؤمنين الصائمين، وان يساعدنا على ان نتعلم كيف نكون دائما مع القريب، متضامنين في وحدة واحدة أساسها يسوع المسيح… آمين…