للاب هاني باخوم 

الفاتيكان، الجمعة 19 مارس 2010 (Zenit.org).      اخر كلمات قالها يسوع على الصليب هي كلمات بسيطة وتبدو عادية لكنها اساسية وتوضح لنا لا فقط معنى موته وغايته لكن ايضاً معنى حياتنا وغايتها. المسيح على الصليب حسب الاناجيل الاربعة ذكر سبع كلمات. فماذا قال؟ ولماذا قالها؟ 

     الكلمة الاولى

     "يا ابتِ اغفر لهم، لانهم لا يعلمون ما يفعلون" (لو 23: 34). حسب المفسرين تلك هي اولى كلمات المسيح على الصليب، طلب المغفرة. فلمن هذه المغفرة؟ أللجنود الذين قتلوه ام لليهود الذين اسلموه، أللرومان الذين  صلبوه ام لكل البشر. هل هي لكل انسان وان لم يكن موجودا هناك؟

     بطرس يقول للشعب "اني اعلم ايها الاخوة انكم فعلتم ذلك بجهالة" (اع 3: 17- 19). بطرس يوجه حديثه لشعب اسرائيل الذي اتى ليسمعه، فيقول اعلم انكم قتلتم المسيح لانكم لم تعرفوه. يقول هذا للشعب واكثره لم يكن هناك اثناء الصلب. اي يقول هذا لاشخاص لم يشاركوا فعلياً في الصلب. لانه يعلم ان المسيح مات ليس فقط بسبب من صلبه لكن بسبب كل البشرية ولاجل كل البشر.

     المسيح طلب المغفرة على الصليب لكل انسان، حتى وان كان هذا الانسان لا يعرف. كل انسان حصل على الغفران بموت المسيح، كل انسان بمعنى الكلمة هو مغفور له؛ للقتلة، للزناة، للارهابيين، لمن يقتل لاجل هدف ما، لمن يظلم، لمن يسرق، لمن يدمر حياته باحكامه وخطاياه، فالمسيح طلب بالفعل المغفرة لكل الناس. الله تصالح مع كل انسان في صليب المسيح، ولكن بقي ان يقبل الانسان هذا الصلح. لكن كيف يقبله ان لم يخبره به احد مثلما فعل بطرس مع الشعب؟ كيف يعرفه ان لم يبشره احد؟ كل انسان حصل على المغفرة لكن بقي ان يتنعم بها، لكن كيف سيتنعم بها ان كان يجهلها؟

 المسيح سيجذب اليه كل البشر عند صلبه كما يقول: "وانا إذا رُفعتُ من الارض، جذبت اليًّ الناس أجميعن" (يو 12: 32). الجميع! لانهم سيجدوا رحمة ومغفرة وليس هلاك وحكم. هذا ما يجذب الانسان ان يجد رحمة. الانسان يعرف في العمق خطيئته ويعلم انها سبب تعاسته، وعندما يجد ان الله لا يحكم عليه، لا يرذله من امام وجه، بل على العكس يغفر له ويرحمه، هذا الانسان يركض اليه، يقول لله كما قال إرميا: "استغويتني يارب فتركت نفسي أُستغوى" (إر 20: 7) . لكن اي رحمة؟ "رحمة" بالعبرية كما بالعربية من اصل "رَحِم" اي احشاء الأمّ، فالرّحمة هي امكانية ولادة جديدة. ليست فقط نسيان ما تمَ، ولكنها خلق جديد. خلق جديد يسمح للشّخص بأن يحيا بطريقة جديدة ومختلفة عمّا كان من قبل. تلك الرحمة تجذب من كان في عمق اعماق الشر. امكانية حياة جديدة تجذب الكل فمن يستطيع ان يرفضها!!

     تلك هي اولى كلمات المسيح على الصليب: رحمة للكل، حياة جديدة للكل. وهذا معطى لنا، امكانية حياة جديدة، ومعطى لنا ايضاً ان نعلنها لمن لا يعلمها، لكل من لا يعلمها.

     لذلك يقول المسيح كلمته الثانية وهي.... الى المرة القادمة

     زمن صوم مبارك

وقفة روحية في زمن الصوم

بقلم الأب روبير معماري الأنطوني

اليوم التاسع والعشرون

الاربعاء 17 مارس 2010 (Zenit.org) . – وكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنْ ذَهَبَ يَسُوعُ إِلى مَدينَةٍ تُدْعَى نَائِين، وَذَهَبَ مَعَهُ تَلاميذُهُ وَجَمْعٌ كَثِير.

موت المسيح وموتنا (1)

تأمل بمناسبة الصوم

بقلم الأب هاني باخوم

روما، الثلاثاء 16 مارس 2010 (Zenit.org) – موت المسيح، اي موت ابن الله، هو عثرة لليهود وحماقة لدى الوثنيين. فهل يُعقل ان يموت ابن الله؟ الموت هو نهاية، هو حد، فكيف يموت ابن الله؟ كيف يموت الابدي والذي لا حد له ولا نهاية؟ نعم موت ابن الله هو عثرة وحماقة للبعض، ولكن لمن يؤمن خلاص وقدرة.

انياس دي لا بوتيه، في كتابه الام المسيح[1]، يؤكد ان موت المسيح ليس فقط عبارة عن تضحية مؤلمة او فعل بطولي، بل هو حدث يعلن من خلاله المسيح عن ذاته. لم يمت المسيح على الصليب كي يُظهر لنا فقط  مقدار الالام التي تحملها من اجلنا، بل كي يُظهر لنا مجده، اي طبيعته.

فطبيعة الله هي محبة، ولكن اي محبة؟

فالمحبة هي شعور عميق يدفع المُحب لاعطاء ذاته دون انتظار المقابل، ويَظهَرُ عُمق المحبة  بالاخص عندما تتلقى الرفض والنكران، اي انها  تتجلى عندما تجد امامها اللامحبة. هذا السر كبير حقا، فالمحبة تتلألأ عندما تجد امامها من يرفضها، من يخنقها، من يقتلها، لانها الوحيدة التي تستطيع ان تصمد امام عدم المحبة.

هكذا موت المسيح يُظهر لنا محبته. فالموت الذي هو نهاية الوجود والكيان يتحول ناطق ومبشر بحب الله للبشر. فالموت قد مات اذاً، لم يعد له وجود، تحطم من الداخل، تغيرت هويته، لم يعد الحَد الذي يفصلنا عن الوجود وتحقيق الذات بل اصبح امكانية لتحقيق الذات واعلانها كلياً.

فالموت، ليس فقط الموت الجسدي، ولكن ايضاً الموت الذي يختبره الانسان كل يوم: عندما يشعر انه مكروه او مظلوم، عندما  يعاني من الم او من مرض. هذا الموت اليومي لا يكون بَعدَ الان حَدٌ لنهاية الامل والحياة، بل امكانية كي يحقق الانسان نفسه كاملاً ويُظهر طبيعته كابن لله، وريث مع المسيح، شخص قادر ان يحب.

مات المسيح، وبموته حطم الموت، حوَّل الموت، فحتى ان بقي شكله الخارجي كما كان دائماً، وان بقيت آلامه موجودة كما كانت دائماً، لكن لم يعد له سلطان على كيان الانسان العميق، على طبيعته. بل بالاحرى اصبح الموت خادماً للانسان، يخدمه ويجعله يُعبِّرُ عن طبيعته، عن محبته.

زمن صوم مبارك.

وقفة روحية في زمن الصوم

بقلم الأب روبير معماري الأنطوني

اليوم الثامن والعشرون

الثلاثاء 16 مارس 2010 (Zenit.org)   ولَمَّا كانَ المَسَاء، كانَتِ السَّفِينَةُ في وَسَطِ البُحَيْرَة، ويَسُوعُ وَحْدَهُ عَلى اليَابِسَة.