ونسأل، هل الإغواء عنصر أساسي ووحيد وكافٍ لبناء علاقة حب صحيحة؟ أيصلح أن يكون أي حب ينشأ بين فتاة وشاب، مشروع زواج؟ ما رأي الكنيسة في هذا الأمر؟
1. الإغواء قوة هدّامة
يقدّم الفيلم الإغواء الجنسي - الجسدي، كقدرة هائلة لا تقاوم تملكها أي إمرأة جذّابة مغوية، فهي قادرة بأنثوتها وفنّها الإغوائي، أن تزعزع كافة القيم والمبادئ والأسس التربويّة السليمة في الشخص المستهدف، ولاسيّما إذا ما أرادت أن تخضع رجلاً ما ليصبح تحت نفوذها وسيطرتها، وذلك دون عناء وتكلّف. يجد المشاهد في الفيلم، أن الفتاة أعجبت بعامر المدعو الى الكهنوت، ولكن هذا الأخير لأول وهلة، لم يتجاوب مع رسالتها المبطّنة[3]، لهذا قررت مع "نوال" أن تخططا معاً، بإيقاع عامر "الأبونا المنتظر"، ليكون ضحية وعريسًا منتظرًا، من هنا نجد بأن «الإغواءات الناجحة نادرًاً ما تبدأ بمناورة واضحة أو بحيلة إستراتيجيّة. فذلك سيثير الشك حتماً»[4]. "فنوال" قد صبّت كل رغباتها وطموحاتها على الفتاة، لكي تتحرر من عقدة عدم زواجها[5]، لهذا قررت أن تعلّم فنون وأصول الإغواء للفتاة العاشقة، لتبدأ مرحلة مشاهد منفّرة للمنظر، على سبيل المثال لا الحصر، هناك مشهد عامر يعلّم الأولاد "صلاة الأبانا"، كانت نوال والفتاة في هيئة ومنظر سفيه، تتمايلان بشبه أجساد غير محتشمة من أجل زرع بذور التأثر في عقل الشاب المسكين عامر، الذي سيكون ضحية ليالي الإغواء والكبت[6].
العريس الضائع
أظهر الفيلم بأن عامر [الأبونا المنتظر] قليل الكلام مهذب خجول، لكنه يفتقد إلى الرؤية الواضحة والسليمة، سهل المنال، سريع الخضوع لسيطرة نفوذ الفتاة، إنسان مكبوت جنسيًّا، سريع العطب، تراه في صراع مع الأفكار الجنسية- الليبدو ومع معتقداته الدينية وتنشأته الكهنوتية، تارة مؤيدًا وطورًا متخبطًا بأعاصير الرغبات الهائجة والمائجة، فتدفعه بسطوتها إلى تغيير وتعديل قراراته في شأن الدعوة الكهنوتية، لقد أصيب بآفة الإغواء التي اجتاحت مخيلته ومسيطرة على إرادته، فصار جسده ونفسه أرضاً خصبة ترتقص وتتمايل عليها أجسام الغرائز الجنسية المكبوتة، وصواعق رسائل الفتاة المغوية،، حتى باتت الصلاة عاجزة من صدِّ هكذا أفكار مسمومة، تطال طهارته القلبية والجسدية[7]!!! ...
3. خطورة الشخصية المغوية
خطيرة هي الشخصية المغوية، فعندما تقرر أن توقع بأي إنسان ، تنجح في ذلك، شرط إذا توافرت في الشخص الضحية مقوّمات نفسية وجسدية وفكرية، تسهم بالوقوع في شرك الإغواء، الذي هو مخدر يشلّ التفكير ويحدث في الدماغ حالة من الفوضى الفكرية واضطراب في النواقل العصبيّة [الهورمونات]، حيث يفقد الرجل سيطرته على نفسه تجاه سحر المرأة المغوية، فهناك الكثير من القصص في الكتاب المقدس تخبرنا عن خطورة هذا النوع من النساء المغويات، كالمرأة التي حاولت أن تغوي يوسف البار ولكنها لم تنجح (راجع، تك 39: 6- 20) ولكن هناك من أوقعن بأشد الرجال قوة كشمشون الجبار الذي أذلته إمرأة (راجع قض 16: 4- 20)، وأخريات لطخن أيديهن بقتل الأنبياء كقطع رأس يوحنا المعمدان (راجع مت14: 8؛ و مر6: 27) فــ« في بعض الأحيان يمكن لرجل ذي قوّة ونفوذ أن يرتكب أكثر الأشياء الّاعقلانية، كأن يقيم علاقة عندما يكون احتياجه إليها أقل الإحتياج، وذلك فقط طلباً للإثارة وللخطر الكامن وراء العلاقة برمّتها. قد يكتشف الشيء اللاعقلاني عن إغوائية هائلة، وخاصة للرجال، والذين ينبغي عليهم دائماً أن يبدوا غاية في العقلانيّة»[8]، فهناك العديد من قصص الحياة، تتحدث عن ضحايا الإغواء، حيث كانت العائلة وبعض من رجالات الدين والساسة والإقتصاد أولى ضحاياها.
4- رأي الكنيسة [القديس البابا يوحنا بولس الثاني الكبير]
العامل الجنسيّ المنعزل أم القيّم؟ لا يمكن أن يكون العامل الجنسي [الميل] وحده، مقياس وحيد يصلح لبناء علاقة حب بين رجل وإمرأة، لأن الجمال الجسدي الذي تتمتع به المرأة، ولا يمكنه أن ينفصل عن تجربة القيم، فهما « يسيران جنباً إلى جنب وكأن في كل قيمة أخلاقية قيمة جمالية "مكمّلة"»[9] . فهذا ما افتقد إليه الفيلم، فقد عرض قيمة جمالية جسديّة ولكن بطريقة منعزلة عن القيم، ليجعل من عامل الإغواء قيمة مكمّلة!!
الشخص في وحدة متناغمة أم متبعثرة؟ حقيقة الشخص ليست في خارجيته فقط بل في داخليته، لهذا على المتحابين أن يكتشفوا معاً معنى الجمال الداخلي الذي حباهم الله به، وأن يكون عامل الإنجذاب والإفتتان في داخلية كل واحد منهما وليس فقط منحصرا في الخارج «ولا يمكن للإفتتان الذي يرتكز عليه هذا الحب أن يتولّد من جمال الجسد وحده وإنما يجب ان يستجمع جمال الشخص بكامه»[10]. فلم يرَ المشاهد أي إستجماع لهذا الإفتتان، بل كان تحت مطرقة الغواية المسمّة.
الحب السيّئ ليس حقيقة تصلح للزواج: إن نوعية الحب الذي عرضه فيلم "تنورة ماكسي" يندرج بحسب القديس يوحنا بولس الثاني، بالحب السيئ، لأنه حب ينحصر فقط في الرغبة الحسية والمتعة واللذة والشهوة «إذ لا يمكن أن نشتهي الشخص كخير لنا بل يجب أن نريد خيره الذاتي... وينبغي الحب المتبادل أن يكون لطيفاً رفيقاً حتى يكون صحيحاً، وإلا غدا أنانية مفرطة»[11] فلا يمكن لحضارة تبغي الشهرة والربح، أن تحترم الشخص المخلوق على صورة الله ومثاله، لأنها تحوّله لا محال إلى «حضارة الإنتاج والإمتاع، حضارة "الأشياء" لا حضارة "الأشخاص"، حضارة يُست خدم فيها الأشخاص كما تُستخدم الأشياء. ففي إطار حضارة الإمتاع قد تصبح المرأة أداةً، والأبناء مجلبة إزعاج للوالدين، والأسرة مؤسسة عرقلة لحرية أفرادها»[12].
إن الخلفية الكامنة وراء فيلم "تنورة ماكسي" تحمل رسالة واضحة وجليّة يفهمها الكبير والصغير، وهو أن الإغواء الجنسي إذا أقنع الفتاة أو الرجل بمنطقه المنحرف والمعوج، لقادر أن يحوّل مطلق أي إنسان إلى ضحية سهلة، فلا مكان آمن لشر الإغواء[13]!! لا يأبه لأي معتقد أو دين ولا يهمه أي تعاليم، بل ترى دعاته يسخّفون القيم والمبادئ ويحرّضون على ممارسة التحرر من تعاليم الكنيسة، لاسيّما تلك المتعلقة بالزواج والعائلة والحب والتربية والعلاقة العاطفية- الجنسيّة...!!
فإذا ما أردنا أن نعطي عنوانًا جديداً للفيلم ، نعطيه عنوان " فيلم ماكسي حبّ سيّئ ".
[1] - Jorge Mario Bergoglio. La Famille, p 19
[2] - فيلم للمخرج الشاب، جو بو عيد
[3] - تنورة ماكسي، د 15
[4] - فن الإغواء، ص 23
[5] - فيلم تنورة ماكسي، مشهد "تأنيب نوال"، د15: 59ث
[6] - فيلم تنورة ماكسي، 17: 0،1 ث
[7] - بحسب المشاهد التي عرضت في الفيلم، د 28: 23 ثانية ود 33: 29 ثانية
[8] - فن الإغواء، ص 25- 26.
[9] - كارول فوجتيلا، حب ومسؤولية، ص 65.
[10] - المرجع ذاته، ص 66
[11] - حب ومسؤوليّة، ص 68
[12] - رسالة إلى الأسر، فقرة 13
[13] - فيلم تنورة ماكسي، س1: 12- 14