روما، 9 ديسمبر 2006 (zenit.org ). – ننشر تعليق الأب رانيرو كانتلامسا،الراهب الكبوشي، على ليتورجية عيد الحبل بلا دنس.
مدعوون لنكون قديسين وبلا دنس
عيد سيدة الحبل بلا دنس
القراءات:
تك 3، 9- 15. 20:
9فَنَادَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟» 10فَأَجَابَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَاخْتَبَأْتُ خِشْيَةً مِنْكَ لأَنِّي عُرْيَانٌ». 11فَسَأَلَهُ: «مَنْ قَالَ لَكَ إِنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا؟» 12فَأَجَابَ آدَمُ: «إِنَّهَا الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا رَفِيقَةً لِي. هِيَ الَّتِي أَطْعَمَتْنِي مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ، فَأَكَلْتُ». 13فَسَأَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ الْمَرْأَةَ: «مَاذَا فَعَلْتِ؟» فَأَجَابَتْ: «أَغْوَتْنِي الْحَيَّةُ فَأَكَلْتُ». 14فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هَذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ بَيْنَ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ، عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ، وَمِنَ التُّرَابِ تَأْكُلِينَ طَوَالَ حَيَاتِكِ، 15وَأُثِيرُ عَدَاوَةً دَائِمَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ نَسْلَيْكُمَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَلْدَغِينَ عَقِبَهُ».
20وَسَمَّى آدَمُ زَوْجَتَهُ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ.
أف 1، 3- 6. 11- 12:
3تَبَارَكَ اللهُ ، أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي الأَمَاكِنِ السَّمَاوِيَّةِ. 4كَمَا كَانَ قَدِ اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ بِلاَ لَوْمٍ أَمَامَهُ. 5إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا فِي الْمَحَبَّةِ لِيَتَّخِذَنَا أَبْنَاءً لَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِلْقَصْدِ الَّذِي سُرَّتْ بِهِ مَشِيئَتُهُ، 6بِغَرَضِ مَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي بِهَا أَعْطَانَا حُظْوَةً لَدَيْهِ فِي الْمَحْبُوبِ.
11وَفِي الْمَسِيحِ أَيْضاً قَدْ حَصَلْنَا عَلَى الْمِيرَاثِ الَّذِي سَبَقَ أَنْ عُيِّنَّا لَهُ، وَفْقاً لِقَصْدِهِ، هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا تَقْضِي مَشِيئَتُهُ. 12وَالْغَايَةُ أَنْ نَكُونَ سَبَباً لِمَدْحِ مَجْدِهِ بَعْدَمَا سَبَقَ لَنَا أَنْ وَضَعْنَا رَجَاءَنَا فِي الْمَسِيحِ.
الإنجيل: لو 1، 26- 38:
26وَفِي شَهْرِهَا السَّادِسِ، أُرْسِلَ الْمَلاَكُ جِبْرَ ائِيلُ مِنْ قِبَلِ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ بِالْجَلِيلِ اسْمُهَا النَّاصِرَةُ، 27إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ اسْمُهُ يُوسُفُ، مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ، وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. 28فَدَخَلَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهَا: «سَلاَمٌ، أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! الرَّبُّ مَعَكِ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ بَيْنَ النِّسَاءِ». 29فَاضْطَرَبَتْ لِكَلاَمِ الْمَلاَكِ، وَسَاءَلَتْ نَفْسَهَا: «مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّحِيَّةُ!» 30فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَامَرْيَمُ، فَإِنَّكِ قَدْ نِلْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ! 31وَها أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً، وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. 32إِنَّهُ يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيَمْنَحُهُ الرَّبُ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيهِ، 33فَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلَنْ يَكُونَ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».
34فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَحْدُثُ هَذَا، وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» 35فَأَجَابَهَا الْمَلاَكُ: «الرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُدْرَةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ. لِذلِكَ أَيْضاً فَالْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. 36وَهَا هِيَ نَسِيبَتُكِ أَلِيصَابَاتُ أَيْضاً قَدْ حَبِلَتْ بِابْنٍ فِي سِنِّهَا الْمُتَقَدِّمَةِ. وَهَذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الَّتِي كَانَتْ تُدْعَى عَاقِراً. 37فَلَيْسَ لَدَى اللهِ وَعْدٌ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ إِتْمَامُهُ». 38فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هَا أَنَا عَبْدَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَمَا تَقُولُ!» ثُمَّ انْصَرَفَ الْمَلاَكُ مِنْ عِنْدِهَا.
كي لا يبقى هذا العيد، عيد سيدة الحبل بلا دنس، مجرد احتفال بـ”امتيازات” مريم، بل يتمكن من التأثير فينا ضمنيًا، لا بد أن نفهمه على ضوء كلمات بولس في القراءة الثانية: “الله الآب اختارنا في يسوع المسيح، لنكون قديسين وبل لوم أمامه في المحبة”. فكلنا مدعوون لنكون قديسين وبلا لوم؛ هذا هو قدرنا الأكثر حقيقةً؛ هو مشروع الله لأجلنا.
وفي موضع آخر من الرسالة إلى أهل أفسس، يتأمل بولس بمشروع الله هذا فيربطه هذه المرة لا بالناس كأفراد دون ارتباط، بل يربطه بالكنيسة الجامعة عروس المسيح: “المسيح أحب الكنيسة ووهب نفسه إليها ليقدسها، مطهرًا إياها بالمعمودية وبالكلمة، لأنه أرادها أن تظهر أمامه متألقة، بلا عيب، ولا تجاعيد، بل قديسة ونقية” (أف 5، 25- 27).
إنسانية مكونة من قديسين بلا عيب: هذا هو مشروع الله وراء خلق الكنيسة. إنسانية تستطيع المثول أمامه، دون أن تضطر للهروب من حضرته بسبب العار والخجل كما كان حال آدم وحواء بعض الخطيئة. إنس
انية يستطيع أن يحبها وأن يجذبها للاتحاد به من خلال ابنه، بالروح القدس. ماذا تمثل سيدة الحبل بلا دنس في مشروع الله الكوني هذا؟ تجيبنا الليتورجية عن هذا السؤال في صلاة مقدمة النافور من قداس اليوم: “بها رسمت بدء الكنيسة، عروس المسيح التي لا عيب ولا تجعد فيها… لقد دعوتها فوق أي خليقة أخرى واخترتها مسبقًا لتكون محامية نعمة ونموذج قداسة أمام شعبك”. هذا هو ما نحتفل به اليوم باحتفالنا بمريم: بدء الكنيسة، أول تحقيق لمشروع الله الذي فيه الوعد والضمانة أن المشروع الإلهي بأسره سيتحقق: “لا شيء مستحيل عند الله!”. مريم هي برهان على ذلك. ففيها يتألق كمال بهاء الكنيسة المستقبلي، كما تنعكس قبة السماء الزرقاء بأسرها في قطرة ندىً في صباح صافٍ. لهذا السبب بالخصوص، تسمى مريم “أم الكنيسة”.
لكن مريم لا تظهر لنا فقط كتلك التي هي خلفنا، في بدء الكنيسة، فهي أيضًا أمامنا “كنموذج قداسة لكل شعب الله”. فنحن لم نولد بلا عيب كما ولدت هي، بفضل عطية فريدة من الله؛ بل إن الشر بكل أشكاله يعشش في كل فلذة منا . فنحن ممتلؤون بـ”تجاعيد” يجب كيّها، وبـ”بقع” يجب غسلها. تشكل مريم حافزًا قويًا في عمل التطهر واستعادة الصورة الإلهية.
تتحدث الليتورجية عن مريم كـ”نموذج (موديل) قداسة”. وهذه الصورة صحيحة، لكن ينبغي علينا أن نتخطى التشبيهات الإنسانية. فمريم ليست مثل “الموديلات” اللواتي يتوضّعن دون حراك أمام الفنانين الذين يرسمونهن. إن مريم نموذج يعمل معنا وفينا، ويمسك يدنا ويقودنا لتطبع فينا قسمات يسوع المسيح – الذي هو بامتياز نموذجها ونموذجنا على السواء – لنكون “مطابقين لصورته” (روم 8، 29). فمريم، قبل أن تكون نموذج قداسة، هي “محامية النعمة”. إن تكريم مريم، إذا كان منورًا وكنسيًا، لا يلهي أنظار المؤمنين عن الوسيط الوحيد، بل يقودها إليه. فمن اختبر مرةً حضور مريم الحقيقي والأصيل في حياته يعرف أنها تؤدي به إلى خبرة الإنجيل وإلى معرفة أعمق بالمسيح. فمريم ما لبثت مثاليًا أمام شعب الله تكرر دومًا ما قالت في قانا: “إفعلوا كل ما يقوله لكم”.