الفاتيكان، 11 ديسمبر 2006. – نشر في ما يلي قراءات الأحد الثاني في زمن المجيء الليتورجي مع تعليق الأب رانيرو كانتالامسا على ليتورجية الأحد الثاني من زمن المجيء.
القراءات:
القراءة الأولى: باروك 5، 1 -9
1إخلعي يا أورشليم لباس النوح والمذلة والبسي بهاء مجد الله الأبدي. 2تسربلي ثوب الصلاح الـذي من الله وتوجي رأسك بتاج المجد الأزلي 3حتـى يظهر الله بهاءك لكل الشعوب تحت السماء 4ويدعوك السلام الحق إلى الأبد ومجد عبادة الله.
5فانهضي يا أورشليم وقفي في الأعالي وتطلعي من حولك إلى الشرق وانظري أبناءك مجتمعين من مشرق الشمس إلى مغربها بكلمة القدوس الواحد وهم يبتهجون بذكر الله. 6ذهبوا عنك مشيا على الأقدام يسوقهم الأعداء، لكن الله يعيدهم إليك مكرمين ممجدين كما يليق بأبناء الملكوت، 7لأن الرب عزم على أن يمهد كل جبل عال وتلة، وأن يملأ الأودية كلها لتمهيد الأرض حتـى يسير بنو إسرائيل عليها لمجد الله دون أن يعثروا 8يظللهم من الغاب كل شجر طيب الرائحة بأمر من الله. 9لأن الله سيعيد بني إسرائيل، فرحين يعيدهم في نور مجده برحمة وعدل من عنده.
القراءة الثانية: فل 4، 4- 6 . 8- 11
4إفرَحوا دائِمًا في الرَّبِّ، وأقولُ لكُم أيضًا: إفرَحوا.
5ليَشتَهِرْ صَبرُكُم عِندَ جميعِ النـاسِ. مَجيءُ الرَّبِّ قَريبٌ. 6لا تَقلَقوا أبدًا، بَلِ اَطلُبوا حاجَتكُم مِنَ الله بالصَّلاةِ والابتِهالِ والحَمدِ.
8وبَعدُ، أيُّها الإخوَةُ، فاَهتمّوا بِكُلِّ ما هوَ حَقًّ وشَريفٌ وعادِلٌ وطاهِرٌ، وبِكُلِّ ما هوَ مُستَحَبًّ وحَسَنُ السُّمعَةِ وما كانَ فَضيلَةً وأهلاً لِلمَديحِ، 9واَعمَلوا بِما تَعلَّمتُموهُ مِني وأخذتُموهُ عَني وسَمِعتُموهُ مِني ورأيتُموهُ فِيَّ، وإلهُ السَّلامِ يكونُ مَعكُم.
10فرِحتُ في الرَّبِّ كثيرًا عِندَما رأيتُ أنَّكُم عُدتُم أخيرًا إلى إظهارِ اَهتِمامِكُم بي. نعَمْ، كانَ لكُم هذا الاهتِمامُ، ولكِنَ الفُرصَةَ ما سنَحَتْ لكُم. 11ولا أقولُ هذا عَنْ حاجَةٍ، لأنِّي تَعَلَّمتُ أنْ أقنَعَ بِما أنا علَيهِ.
لو 3، 1- 6
وفي السَّنةِ الخامِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ القَيصَرِ طيباريوسَ، حينَ كانَ بـيلاطُسُ البُنطِـيُّ حاكِمًا في اليهوديَّةِ، وهيرودُسُ واليًا على الجَليلِ، وأخوهُ فيلِبُّسُ واليًا على إيطوريَةَ وتَراخونيتُسَ، وليسانيوسُ واليًا على إبـيلينَةَ، 2وحنّانُ وقيافا رئيسَينِ لِلكَهنَةِ، كانَت كَلِمَةُ الله إلى يوحنَّا بنِ زكَرِيَّا في البرِّيَّةِ، 3فجاءَ إلى جميعِ نواحي الأُردُنِ، يَدعو النـاسَ إلى مَعموديَّةِ التَّوبَةِ لتُغفَرَ لهُم خطاياهُم، 4كما كَتبَ النَّبـيُّ إشَعيا:
»صوتُ صارِخِ في البرِّيَّةِ: هَيِّئوا طَريقَ الرَّبِّ، واَجعَلوا سُبُلَهُ مُستَقيمَةً. 5كُلُّ وادٍ يَمتلِـئْ وكُلُّ جبَلٍ وتَلٍّ يَنخفِضُ والطُّرُقُ المتعَرِّجَةُ تَستَقيمُ والوَعْرَةُ تَصيرُ سَهلاً 6فيرى كُلُّ بشَرٍ خلاصَ الله!«
يوحنا المعمدان نبي العلي
يتحل يوحنا المعمدان انجيل هذا الأحد بأسره. منذ مولده، حيا والد يوحنا، الكاهن زكريا، ابنَه كنبي: “وأنت أيها الصبي، نبي العلي تدعى، لأنك تسير أمام الرب لتعد طرقه” (لو 1، 76).
ماذا فعل السابق لكي يستحق أن يدعو نبيًا، لا بل “أعظم الأنبياء” (أنظر لو 7، 28)؟ في المقام الأول، وعظ يوحنا ضد الجور والظلم الاجتماعي على خطى أنبياء إسرائيل القدامى. ففي إنجيل الأحد القادم سنسمعه يقول: “من له ثوبان، فليهب واحدًا منها إلى من لا ثوب له؛ ومن له ما يأكله فليفعل هكذا أيضًا”. وإلى العشارين، الذين كانوا يرهقون الفقراء بمطالب جائرة، يقول: “لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم”، وللجنود الميالين إلى العنف: “لا تظلموا أحدًا، ولا تفتروا عليه واقتنعوا بوظائفكم” (أنظر لو 3، 11- 14). وكذلك الكلام عن كل تل ينخفض وكل وادٍ يمتلئ، يمكننا فهمه هكذا: “كل اختلاف اجتماعي ظالم بين الأثرياء (التلال) والفقراء (الوديان) يجب أن يلغى أو أقله أن يحجّم؛ وطرق الفساد والخداع المعوجة يجب أن تستقيم”.
إلى هنا نستطيع أن نرى بسهولة الصورة التي نعرفها عن النبي: شخص يدفع إلى التغيير؛ يستنكر لاعوجاج الأنظمة، ويشير بإصبعه إلى السلطات بكل أشكالها – الدينية، الاقتصادية والعسكرية – ويتجرأ أن يصرخ بوجه الظالم: “لا يحق لك!” (متى 14، 4).
ولدن يوحنا يقوم بشيء آخر أيضًا: فهو يعطي الشعب “معرفة الخلاص بغفران خطاياهم” (لو 1، 77). يمكننا أن نسأل: أين النبوة في هذا الحال؟ الأنبياء أعلنوا الخلاص المستقبلي؛ ولكن يوحنا المعمدان لا يعلن خلاصًا مستقبليًا؛ بل يشير إلى خلاص حاضر. فهو من يشير بإصبعه إلى شخص ويهتف: “ها هو!” (أنظر يو 1، 29). “ذاك الذي ننتظره منذ أجيال، إنه هنا، إنه هو!” لا بد أن الحاضرين ذلك اليوم شعروا برعشة في أجسادهم لما سمعوه يتكلم هكذا!
كان الأنبياء التقليديون يساعدون معاصريهم على تخطي حائط الزمن للنظر إلى المستقبل، أما يوحنا فهو يساعد على تخطي حائط أشد كثافة، وهو حائط المظاهر المتناقضة ويساعد الناس على اكتشاف المسيح متسترًا في مظهر إنسان كالآخرين. يفتتح المعمدان بهذا النبوية المسيحية الجديدة، التي لا تتألف من إعلان خلاص مستقبلي (“في الأزمنة الأخيرة)، بل بإظهار حضور المسيح الخفي في العالم.
ما يقول كل هذا لنا اليوم؟
يقول أنه ينبغي علينا أن ن
بقي سوية وجهي الخدمة النبوية: الالتزام من أجل العدالة الاجتماعية من جهة، وإعلان الإنجيل من جهة أخرى. لا يمكننا أن نلتزم بأحد وجوه هذا الواجب والتغاضي عن الآخر. فإعلان المسيح الذي لا يرافقه جهد الإنماء الإنساني يبدو أثيريًا وغير جدير بالإيمان؛ والالتزام بالعدل، بمعزل عن إعلان الإيمان ودون الاتصال المحي بكلمة الله، سريعًا ما يفتر ويتحول إلى مجرد احتجاج عقيم.
كما ويقول لنا أن إعلان الإنجيل والكفاح من أجل العدالة لا ينبغي أن يبقيا أمران يتواجدان واحدًا إلى جانب الآخر دون ارتباط وثيق بينهما. فينبغي أن يكون إنجيل المسيح نفسه دافعًا لنا للكفاح من أجل كرامة الإنسان، حتى يستطيع كل إنسان أن “يرى خلاص الله”. لم يكن وعظ يوحنا ضد الظلم وعظ مشاغب إجتماعي، بل كلام رائد إنجيلي، “ليعد للرب شعبًا كاملاً”. (لو 1، 17).