عظة الاب الأقدس بندكتس السادس عشر بمناسبة عيد القديسين بطرس وبولس

الفاتيكان، 1 يوليو 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي عظة الاب الأقدس بندكتس السادس عشر  بمناسبة عيد القديسين بطرس وبولس في 29 يونيو 2007، في البازيليك الفاتيكانية.

Share this Entry

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!

لقد قصدت البارحة بازيليك القديس بولس خارج الأسوار، حيث احتفلت بصلاة الغروب الأولى لعيد اليوم، عيد القديسين بطرس وبولس.

وعند ضريح رسول الأمم قمت بإكرام ذكراه وأعلنت “السنة البولسية”، بمناسبة الذكرى الألفية الثانية لمولده، التي ستمتد من 28 يونيو 2008 إلى 29 يوليو 2009.

هذا الصباح، بحسب التقليد، نلتقي لدى ضريح القديس بطرس. وقد اجتمع هنا أيضًا رؤساء الأساقفة الميتروبوليين الذين تم تعيينهم في السنة المنصرمة، والذين سينالون درع التثبيت: لهم أوجه تحية خاصة.

كما نتشرف بحضور بعثة كريمة من قبل بطريرك القسطنطينية المسكوني برثلماوس الأول، التي استقبلها بعرفان قلبي متذكرًا الـ 30 من نوفمبر المنصرم، عندما كنت في اسطنبول – القسطنطينية للاحتفال بعيد القديس أندراوس.

أحيي متروبوليت الروم الأرثوذكس في فرنسا، عمانوئيل، ومتروبوليت ساسيما، جناديوس، والشماس أندرياس. أهلاً وسهلاً بكم أيها الإخوة الاعزاء.

في كل سنة تشكل الزيارة المتبادلة التي نقوم بها علامة عن السعي إلى الوحدة الكاملة الحاضر دومًا في إرادة البطريرك المسكوني وأسقف روما.

يقدم لي عيد اليوم الفرصة للعودة مرة أخرى للتأمل باعتراف بطرس، الذي هو لحظة مصيرية في مسيرة التلاميذ مع يسوع.

تضع الأناجيل الإزائية الحدث على مقربة من قيصرية فيليبس (راجع متى 16، 13- 20؛ مر 8، 27- 30؛ لو 9، 18- 22). من جهته، يحتفظ يوحنا باعتراف هام آخر لبطرس، بعد أعجوبة الخبز وخطاب يسوع في مجمع كفرناحوم (راجع يو 6، 66- 70).

يذكرنا متى في النص الذي أعلنّاه لتونا بأن يسوع أعطى سمعان اسم كيفا “الصخر”. يصرح يسوع بأنه يود أن يبني كنيسته “على هذه الصخرة”، ومن هذا المنظور، يمنح بطرس سلطان المفاتيح (راجع متى 16، 17- 19).

يتبين لنا بوضوح من هذه الأخبار بأن اعتراف بطرس لا ينفصل عن المهمة الراعوية التي أوكلت إليه إزاء قطيع المسيح.

بحسب الإنجيليين كافة، يأتي اعتراف بطرس في لحظة مصيرية من حياة يسوع، أي بعد العظة في الجليل، حيث يتوجه يسوع بتصميم نحو أورشليم لكي يتم رسالته الخلاصية، بموته وقيامته.

ويجد التلاميذ أنفسهم مشمولين بهذا القرار: فيسوع يدعوهم للقيام بخيار سيميزهم عن الجموع لكي يصبحوا جماعة المؤمنين به، “عائلته”، وبداية الكنيسة.

 في الواقع هناك بعدان ممكنان لـ “رؤية” يسوع ولـ “معرفته”: الأول هو بعد الجموع، وهو الأكثر سطحية، والثاني، هو بعد التلاميذ، العميق والأصيل.

عبر سؤاله الثنائي الوجه: “ماذا تقول الجموع أنا في قول الناس؟ من أنا في قولكم؟” يدعو يسوع التلاميذ إلى أن يعوا هذا الاختلاف في الأبعاد.

فالناس يعتقدون أن يسوع نبي. وهذا ليس خطأ، ولكن هذا لا يكفي.  يجب أن نذهب إلى العمق وأن نعترف بفرادة شخص يسوع الناصري، وبجدته.

 

واليوم أيضًا الأمر كذلك: يتقرب الكثيرون من يسوع من الخارج. الكثير من الباحثين يعترفون بمكانته الروحية والخلقية وبتأثيره على تاريخ البشر، ويقارنوه ببوذا، كنفوشيوس، وسقراط وسواهم من الحكماء ومن عظام التاريخ. ولكنهم لا يتوصلون إلى التعرف على فرادته. يتبادر إلى ذهني ما قاله يسوع لفيليبس في العشاء الأخير: “منذ زمن بعيد وأنا معكم ولم تعرفني يا فيليبس؟” (يو 14، 9).

غالبًا ما يجري اعتبار يسوع كواحدٍ من كبار مؤسسي الأديان، ومنه يستطيع كل امرئ أن يأخذ شيئًا لكي يؤلف قناعاته.

 مثل ذلك الزمان، كذلك اليوم إذا تملك “الناس” أراء مختلفة حول يسوع. ومثل ذلك الزمان كذلك اليوم يكرّر يسوع سؤاله لنا أيضا،:”من أنا في قولكم أنتم؟”، نريدُ أن نتبنى جواب بطرس الذي قال بحسب إنجيل مرقس:”أنت المسيح” (8، 29)، وفي إنجيل لوقا هناك التعبير: “أنت مسيح الله” (9، 20)، وفي متى:”أنت المسيح ابن الله الحي” (16، 16)، وأخيرا في إنجيل يوحنا:”إنّك قدوسُ الله” (6، 69). إنها جميعها أجوبة صحيحة حتى بالنسبة لنا.

 فلنتوقف بشكل خاص على نص متى الذي هو نص ليتورجية اليوم. بحسب بعض الدارسين، يظهر تعبير متى في ظرف بعد الفصح، لا بل حتى يرتبط بظهور شخصي ليسوع القائم لبطرس؛ ظهور مماثل للظهور الذي عاشه بولس على طريق دمشق.

 ي الواقع إن المهمة التي يوكل الرب لبطرس تتجذر في العلاقة الشخصية التي عاشها يسوع التاريخي مع الصياد سمعان، بدءًا من لقاءهما الأول عندما قال له: “أنت سمعان… ستدعى منذ الآن كيفا (الذي معناه الصخر)” (يو 1، 42). يشدد الإنجيلي يوحنا على هذا الأمر، وهو أيضًا شريك صيد، مع أخيه يعقوب، للإخوة بطرس وأندراوس.

 إن يسوع الذي دعا بعد القيامة شاول، هو نفسه – وهو لا يزال في إطار التاريخ – يقترب، من إخوة صيادين أربعة، والذين كانوا حينها تلاميذ للمعمدان (راجع يو 1، 35- 42).

 لقد ذهب باحثًا عنهم على ضفة بحيرة الجليل، ودعاهم ليتبعوه فيصيروا “سيادي بشر” (راجع مر 1، 16- 20). وأوكل إلى بطرس مهمة خاصة، معترفًا بعطية إيمان خاصة به نالها من الآب السماوي. كل هذه الأمور بالطبع، نالت وضوحً إضافيًا على ضوء خبرة الفصح، ولكنها بقيت متجذرة بثبات في الأحداث التاريخية التي سبقت الفصح.

 إن التوازي بين بطرس وبولس جدير بالاهتمام، ولكنه لا يستطيع أن يقلل من أهمية مسيرة بطرس التاريخية مع معلمه وربه، الذي وصفه منذ البدء بالصخر الذي سيبني عليه جماعته أي الكنيسة.

 في الاناجيل الإزائية، يتبع اعتراف بطرس دومًا إعلان يسوع عن آلامه المزمعة. يقوم بطرس بردة فعل على هذا الإعلان لأنه لا يستطيع بعد أن يفهم. و
مع ذلك فنحن بصدد عنصر أساسي يشدد عليه يسوع بقوة.

فبالواقع، إن الألقاب التي قالها فيه بطرس – أنت “المسيح، “مسيح الله”، ابن الله الحي” – يمكن فهما بأصالة فقط على ضوء سر موته وقيامته.

والعكس صحيح: يكشف حدث الصليب عن معناه الحقيقي فقط إذا كان “هذا الرجل” الذي تألم ومات على الصليب “ابن الله حقًا”، بحسب الكلمات التي قالها قائد المائة أمام المصلوب (راجع مر 15، 39).

 
تقول لنا هذه النصوص بوضوح أن تكامل الإيمان المسيحي يأتي من اعتراف بطرس وقد أنارته تعاليم يسوع بشأن “طريقه” إلى المجد، أي بشأن “الطريقة” المشككة بالنسبة لتلاميذ الأزمنة كافة، الذين يميلون لا محالة إلى التفكير بحسب البشر لا بحسب الله (راجع مر 16، 23).

 فاليوم أيضًا كما في أيام يسوع، لا يكفي امتلاك اعتراف الإيمان الصحيح: من الأهمية بمكان وعلى الدوام أن نتعلم من الرب الطريقة الخاصة التي يبان فيها بأنه المخلص والطريق الواجب اتباعه. وعلينا الاعتراف بالفعل، بأن قبول الصليب صعب على الدوام، حتى بالنسبة للمؤمن. فالغريزة تدفعنا إلى تحاشيه، ويقودنا المجرب للتفكير بأن الاهتمام بتخليص أنفسنا هو أكثر حكمة، بدل خسارة حياتنا أمانةً للمحبة.

 ما كان الصعوبة في قبول الناس لكلام يسوع؟ وماذا يجعل أن هذه الصعوبة تستمر بالنسبة للناس في أيامنا؟

الأمر الذي يصعب قبوله هو أن يسوع يزعم بأن يكون لا واحدًا من الأنبياء وحسب، بل ابن الله، والحامل سلطان الله.

من خلال سماعهم لوعظه، ومن خلال رؤيتهم له وهو يشفي المرضى، ويبشر الصغار والفقراء، ويصالح الخطأة، توصل الرسل إلى أن يفهموا أنه المسيح بالمعنى الأسمى للكلمة، أي أنه ليس فقط رجلاً مرسلاً من الله، بل الله نفسه وقد صار إنسانًا.

 
كان بامكانهم أن يعبروا عن إيمانهم عبر ألقاب التقليد اليهودي: “مسيح”، “ابن الله”، “رب”. ولكن لكي تتمكن هذه الألقاب من التعبير بالكامل عن الواقع، كان ينبغي ان يتم اكتشافها في حقيقتها الأعمق: فيسوع نفسه، كشف بحياته عن معناها الكامل والمدهش، لا بل المليء بالمفارقات بالنسبة للمفاهيم الشائعة. وكان على إيمان الرسل أن يتأقلم مع هذا بشكل تدريجي. ويبدو لنا الامر وكأنه حج بدأ في خبرة يسوع التاريخي، ووجد ركيزته في سر الفصح، ولكن يجب عليه أن يستمر أيضًا بفضل عمل الروح القدس. وقد كان هذا إيمان الكنيسة عبر التاريخ، وهذا هو إيماننا نحن، مسيحي اليوم.

 
فبارتكازه على “صخرة” بطرس، يشكل إيماننا حجًا نحو ملء تلك الحقيقة التي اعترف بها صياد الجليل بقناعة وحماسة: “أنت المسيح؛ ابن الله الحي” (متى 16، 16).

 في إعلان إيمان بطرس نستطيع أن نشعر وأن نكون جميعنا واحدًا على الرغم من الانقسامات التي مزّقت، على مر العصور، وحدة الكنيسة، مع نتائج ما تزال قائمة حتى اليوم.

 باسم القديسين بطرس وبولس، نجدد اليوم مع أخوتنا القادمين من القسطنطينية التزامنا بقبول صميم لرغبة المسيح الذي يريدنا أن نكون متّحدين بالكامل.

مع رؤساء الأساقفة المشاركين في الاحتفال، فلنقبل عطية ومسؤولية الشركة بين كرسي بطرس والكنائس الميتروبولية الموكلة لرعايتهم.

 فلترافقنا والدة الله القديسة وترشدنا على الدوام، وليؤازر إيمانها الذي لا عيب فيه والذي ساعد إيمان بطرس وباقي الرسل، إيمانَ الأجيال المسيحية.

يا سلطانة الرسل، صلي لأجلنا!

 

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير