الجزء الثاني

 توجيهات للحياة الراعوية

 الأسرار، إدارة الأبرشيات والرعايا

 10. نشأت في الأزمنة الأخيرة صعوبات مرتبطة بالمبادرات الفردية المتخذة من الرعاة والكهنة والعلمانيين الذين استسلموا لغيرة راعوية كبيرة فلم يحترموا دائماً مهام ومسؤوليات بعضهم البعض.

 علاوةً على ذلك، وبالنظر إلى بعض المشاكل التي نشأت في جماعات أبرشية مختلفة في السنوات الأخيرة، أشعر بأنه من واجبي أن أذكّركم بالقاعدة القانونية الكنسية التي تنص على أنه يجب تعيين كل كاهن في كنيسة خاصة أو في معهد للحياة المكرسة وأنه عليه أن يمارس خدمته الخاصة في شركة مع أسقف الأبرشية. وحدها الأسباب الموجبة تخوّل الكاهن ممارسة خدمته في أبرشية أخرى، ولكن دائماً بموافقة أسقفي الأبرشيتين المسبَق، أي أسقف الكنيسة الخاصة التي عُيّن فيها وأسقف الكنيسة الخاصة التي سيقوم بخدمتها. 


إذاً، لقد واجهتم في حالات ليست بقليلة مشكلة التشارك في الإحتفال بالإقخارستيا. وفي هذا الصدد، أذكّركم بأن ذلك يفترض، من بين الشروط المسبقة، التبشير بالإيمان عينه والشركة التسلسلية مع البابا ومع الكنيسة الجامعة. لذا، فإنه من المباح المشاركة في التقديس مع أساقفة وكهنة يكونون في شركة مع البابا، حتى وإن كانوا يحظون باعتراف السلطات المدنية ويقيمون علاقات مع كيانات تحظى بدعم الدولة وخارجة عن بنية الكنيسة، وشريطة – كما ذكرنا سابقاً (راجع القسم 7 أعلاه، الفقرة 8) – ألا يعني هذا الإعتراف وهذه العلاقات ضرورة إنكار مبدأي الإيمان والشركة الكنسية الذي لا يمكن التخلي عنهما.


 كذلك على العلمانيين الذين يحركهم حب صادق للمسيح والكنيسة ألا يترددوا في المشاركة في الإحتفال بالإفخارستيا الذي يحتفل به أساقفة وكهنة هم في شركة تامة مع خليفة بطرس ولهم اعتراف السلطات المدنية. وينسحب الأمر هذا على الأسرار الأخرى كافة.

أما في ما خص المشاكل الناجمة عن حالة الأساقفة الذين رُسموا من دون أمر بابوي وإنما وفقاً لأصول الرتبة الكاثوليكية للرسامة الأسقفية، فإنه يتعيّن حلّها دائماً على ضوء مبادئ العقيدة الكاثوليكية. وكما أسلفتُ (في الفقرة 12 من القسم 8 أعلاه)، فإن رسامتهم تُعدّ غير شرعية ولكن صحيحة، تماماً كما أن السيامات الكهنوتية التي يمنحونها تُعتبر صحيحة وكما أن الأسرار التي يمنحها هؤلاء الأساقفة والكهنة هي صحيحة. وبالتالي، يتعيّن على المؤمنين، وبعد أخذ هذه المسائل بعين الإعتبار، وفي ما خص الإحتفال بالذبيحة الإلهية وبغيرها من الأسرار، أن يبحثوا، قدر المستطاع، عن أساقفة وكهنة يكونون في شركة مع البابا: أما في الحالات التي يتعذّر فيها ذلك من دون عواقب وخيمة، فيجوز أن يتوجهوا إلى من ليسوا في شركة مع البابا، لما فيه خيرهم الروحي.

 أخيراً، أرى أنه من المناسب أن ألفت انتباهكم إلى ما تنص عليه القوانين الكنسية لمساعدة أساقفة الأبرشيات على إتمام مهامهم الراعوية. فكل أسقف أبرشي مدعو إلى الإفادة من وسائل الشركة والتعاون المتاحة في الجماعة الكاثوليكية في أبرشيته ومنها: الكوريا الأبرشية ومجلس الكهنة وجماعة المستشارين ومجلس الأبرشية الراعوي مجلس أوقاف الأبرشية. وتشكل هذه الهيئات تعبيراً عن الشركة القائمة وتشجع تقاسم المسؤولية المشتركة وهي مصدر عون كبير للرعاة الذين يمكنهم عندئذٍ الإعتداد بالتعاون الأخوي بين الكهنة والمكرسين والمؤمنين العلمانيين.   

وينسحب ذلك على مختلف المجالس التي ينص القانون الكنسي على وجودها في الرعايا أي مجلس الرعية الراعوي ومجلس أوقاف الرعية.

وفي كل من الأبرشيات والرعايا، لا بدّ من أن تُخص خيرات الكنيسة الزمنية من منقولة وغير منقولة باهتمام خاص، فتسجَّل قانوناً في الدوائر المدنية بإسم الأبرشية أو الرعية ولا في أية حال بإسم الأفراد (أي الأسقف أو كاهن الرعية أو مجموعة من المؤمنين). وحتى ذلك الحين، فإن التوجيهات الراعوية والإرسالية التقليدية التي يمكن أن تُلخّص على أفضل وجه بمبدأ: "Nihil sine Episcopo" (لا شيء من دون الأسقف) تبقى صحيحة.

 وانطلاقاً من تحليل الإشكاليات الملحوظة أعلاه، يتجلى بشكل واضح أن أي حلّ فعلي يجد جذوره في تعزيز الشركة التي تنهل قوتها وزخمها من المسيح، أيقونة محبة الآب. فالمحبة التي هي على الدوام فوق كل شيء (راجع 1كو 13: 1-12) ستكون مصدر القوة والمعيار في العمل الراعوي من أجل بناء جماعة كنسية قادرة على أن تجعل المسيح القائم من الموت حاضراً في حياة الإنسان المعاصر.

 

الأقاليم الكنسية

 11. لقد شهد الإطار المدني تغيرات إدارية جمّة في السنوات الخمسين الأخيرة. وقد طال هذا التغيير الدوائر الكنسية المختلفة التي جرى إزالتها أو إعادة تجميعها أو تعديل تنظيمها الإقليمي وفقاً للدوائر الإدارية المدنية. وفي هذا الصدد، أودّ أن أؤكد على أن الكرسي الرسولي مستعدّ للتداول في مسألة الدوائر والأقاليم الكنسية برمتها في حوار منفتح وبنّاء مع الأسقفية الصينية ومع السلطات الحكومية – عندما يكون ذلك مناسباً ومفيداً.

 

الجماعات الكاثوليكية

 
12. إنني أدرك تماماً أن الجماعات الأبرشية والرعوية المنتشرة في رحاب الأراضي الصينية تقدم مثالاً على حيوية خاصة في الحياة المسيحية وشهادة للإيمان والمبادرة الراعوية. وإنه ليعزّيني أن ألحظ أنه وبالرغم من الصعوبات القديمة والحاضرة، عرف الكهنة والمكرسون والمؤمنو ن أن يحافظوا على وعي عميق لكونهم أعضاء أحياء في الكنيسة الجامعة، في شركة إيمان وحياة مع كل الجماعات الكاثوليكية عبر العالم. إنهم يعرفون في قلوبهم معنى أن يكونوا من الكاثوليك. وبالتحديد من هذا القلب الكاثوليكي يجب أن ينبثق الإلتزام لكي يظهر بشكل واضح وفعلي ضمن الجماعات المختلفة وفي العلاقات بين الجماعات روح الشركة والتفاهم والمسامحة الذي هو – كما أشرنا سابقاً (راجع الفقرة 4 من القسم 5 أعلاه والقسم 6)—الختم المنظور لحياة مسيحية حقيقية. أنا على ثقة بأن روح المسيح سيساعد الكاثوليك أجمعين على النمو في الوحدة، كما ساعد من قبل الجماعات على إبقاء الإيمان حياً في أزمنة الإضطهاد.

 وكما لفتُّ قبلاً (راجع الفقرة الأولى من القسم 2 والفقرة الأولى من القسم 4)، فإنه لسوء الحظ لم يُسمَح حتى الآن لأعضاء الجماعات الكاثوليكية في بلادكم – وبخاصة الأساقفة والكهنة والأشخاص المكرسين – أن يعيشوا وأن يعبّروا بشكل كامل وعلني عن بعض أوجه انتمائهم إلى الكنيسة وعن شركتهم التسلسلية مع البابا، بما أن حرية التواصل مع الكرسي الرسولي والجماعات الكاثوليكية الأخرى في العالم مقيّدة عادةً. صحيح أن الكنيسة تمتّعت في السنوات الأخيرة بحرية دينية أكبر من السابق،

 بيد أنه لا يمكن أن ننكر أن هناك الكثير من القيود الخطيرة التي تطال الإيمان في صميمه وتخنق النشاط الراعوي إلى حدّ ما. وهنا أودّ أن أجدّد أمنياتي الصادقة (راجع الفقرات 2، 3، 4 من القسم 4 أعلاه) بأن نتمكن، من خلال حوار يتّسم بالإحترام والإنفتاح بين الكرسي الرسولي والأساقفة الصينية من جهة، والسلطات الحكومية من جهة أخرى، من تجاوز الصعوبات المذكورة والتوصل إلى تفاهم مثمر يأتي بالإفادة على الجماعة الكاثوليكية والتماسك الإجتماعي.