الدعوات والتنشئة الدينية

14. خلال السنوات الخمسين الماضية، لم تشهد الكنيسة في الصين أي نقص في دعوات الكهنوت والحياة المكرسة التي عرفت ازدهاراً كبيراً. وعلينا أن نشكر الله، لأن في ذلك علامة للحيوية ومدعاةً للأمل. إضافةً إلى ذلك، وعلى مرّ السنين، نشأت جماعات دينية محلية عديدة: والأساقفة والكهنة يدركون من خبرتهم مدى أهمية مساهمة الراهبات في مجال الكرازة وحياة الرعية في كل أشكالها؛ كما أن تقديم العناية إلى الأشخاص الأكثر حرماناً، بالتعاون مع السلطات المدنية المحلية، لهو تعبير عن المحبة وخدمة القريب اللتين تشكلان أصدق شهادة على قوة إنجيل يسوع وحيويته.

غير أنني أعي أن هذا الإزدهار يترافق اليوم بالكثير من الصعوبات، فتبرز الحاجة إلى تمييز أدق للدعوات من جهة المسؤولين في الكنيسة وإلى تنشئة وتعليم أعمق لطلاب الكهنوت والحياة المكرسة. وبالرغم من هشاشة الوسائل المتاحة، إلا أن مستقبل الكنيسة في الصين يتطلّب اتخاذ تدابير تضمن، من جهة، إيلاء اهتمام خاص للدعوات وتنشئة أمتن في ما يتعلق بالنواحي الإنسانية والروحية والفلسفية واللاهوتية والراعوية، من جهة أخرى، في المدارس الإكليركية والمعاهد الدينية.

وفي هذا الصدد، لا شك في أن التنشئة على عفّة المدعوين للكهنوت تستحق ذكراً خاصاً. فمن المهم أن يتعلموا أن يعيشوا ويعتبروا العفة عطية ثمينة من الله وعلامة إسكاتولوجية بامتياز تكون شهادةً لمحبة غير متجزئة لله ولشعبه ومن خلالها يتماهى الكاهن مع يسوع المسيح، رأـس الكنيسة وعريسها. وهذه العطية لهي في الواقع "تعبير عن خدمة الكاهن للكنيسة في الرب ومعه" بطريقة مميزة وتحمل قيمة نبوية لعالم اليوم.

أما بالنسبة إلى الدعوة الدينية، ففي الإطار الحالي للكنيسة في الصين، من الضروري أن يبرز البعدان اللذان تحملهما بطريقة أوضح: أعني، من جهة، شهادة لعطية التكرس الكلي للمسيح من خلال نذورالمحبة والفقر والطاعة، ومن جهة أخرى، تلبية الدعوة إلى إعلان الإنجيل في ظلّ الظروف الإجتماعية والتاريخية التي تعيشها البلاد في هذه الأيام. 

 

المؤمنون العلمانيون والعائلة

15. لقد أظهر المؤمنون العلمانيون، بوصفهم أفراداً وعائلات وأعضاء في حركات روحية ورسولية، في أحلك حقبات التاريخ المعاصر للكنيسة الكاثوليكية في الصين، أمانة مطلقة للإنجيل، وصولاً إلى دفع الغالي والنفيس ثمناً لأمانتهم للمسيح. فيا أيها العلمانيون الأعزاء خاصتي، أنتم مدعوون اليوم أيضاً إلى أن تجسّدوا الإنجيل في حياتكم وإلى أن تشهدوا له من خلال الخدمة السخية والفعلية لما فيه خير الشعب وتطور البلاد: وستتمّمون هذه الرسالة من خلال عيشكم عيشة المواطنين الصالحين ومن خلال عملكم كمعاونين ناشطين ومسؤولين في نشر كلمة الله لمن يحوطون بكم سواء في القرية أو في المدينة. فأنتم الذين عرفتم كيف تكونون شهوداً بسلاء للإيمان في الأزمنة الأخيرة يجب أن تبقوا رجاء الكنيسة في المستقبل! وهذا يفترض منكم مشاركة والتزاماً أكبر في كافة مجالات الحياة الكنسية، في شركة مع رعاتكم.

لمّا كان مستقبل الإنسانية يعتمد على العائلة، أجد أنه من الضروري والملحّ أن يقوم العلمانيون بتعزبز قيم العائلة وضمان حاجات العائلة. فللعلمانيين الذين يخوّلهم إيمانهم التعرّف على مشروع الله الرائع للعائلة، سبب إضافي لإتمام هذه المهمة العملية والصعبة: فالعائلة هي في الواقع "المكان الطبيعي الذي ينمو فيه الشباب لبلوغ نضج شخصي وإجتماعي. وهي كذلك تحمل إرث الإنسانية بذاتها، لأنه من خلال العائلة، تنتقل الحياة من جيل إلى جيل. وتحتلّ العائلة مكانةً مهمة للغاية في الثقافات في آسيا؛ وكما لحظ آباء السينودس، فإن القيم العائلية شأن الإحترام البنوي والمحبة والرعاية تجاه المتقدمين في السن والمرضى، ومحبة الأولاد والوئام لهي كلها من القيم التي تكنّ لها الثقافات والتقاليد الدينية الآسيوية كل احترام وتقدير.

وتشكل القيم المذكورة أعلاه جزءاً من السياق الثقافي الصيني الحالي، كما أن بلادكم لا تفتقر إلى العوامل التي تؤثّر بالعائلة تأثيراً سلبياً بشتى الطرق. لذلك، فإن الكنيسة في الصين، وإذ تعي أن خير المجتمع وخيرها بالذات مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بخير العائلة، يجب أن تتحلّى بحسّ حماسي وملزم أكثر حيال مهمتها التي تقضي بأن تعلن للجميع خطة الله للزواج والعائلة، مع الحرص على قدرة كل منهما على الإزدهار.