“حسب التلميذ ان يكون مثل معلمه”
هذه القاعدة التي أعطاناها السيد المسيح. والقديس بولس قد فهم هذه القاعدة أكثر من سواه عندما قال:”أني أفرح الآن بألآلام التي أعانيها من أجلكم، وأتم في جسدي ما نقص من مضايق المسيح”. بهذه الروح، روح المشاركة مع آلام المسيح يجب أن نرافق الأحداث التي تدمي قلوب الكثيرين من اللبنانيين، بخاصة الذين فقدوا أبناءهم واخوانهم في الحرب التي تدور رحاها منذ أكثر من شهر في نهر البارد والبداوي، ونكثف الصلاة الى الله ليرشدنا الى خير السبل لوضع حد لهذه المأساة التي نعاني منها منذ ما فوق الربع قرن.
وننتقل اليوم الى الكلام عن الرجل والمرأة اللذين منهما، مع الأولاد، تتألف العائلة. وبينهما فوارق يجب أن تزيدهما معرفة أحدهما بالآخر لتتوثق بينهما عرى الألفة والمحبة، وذلك لمصلحتهما ومصلحة العائلة التي هما مسؤولان عنها.
1 – صورة ومادة
يؤكد القديس توما الأكويتي ان الكائنات المركبة هي مؤلفة من مادة وصورة. والمادة هي مبدأ التفرقة أو التمييز، والصورة هي التي تميز الجوهر. والنفس هي صورة جسد الانسان الجوهرية. والصورة والمادة لا يفترقان في الكائنات المركبة، غير أنه يجب التمييز بينهما لنحسن فهم الكائن بمجمله. والقديس توما يقول انه يستحيل أن تأتي صورة الى الوجود دون أن تصحبها مادة، وما من نفس يمكنها أن تأتي الى الوجود دون أن يصحبها جسد. واذا كان يمكنني أن أضع الجنس على الهيئة الملموسة، المادية، الجسدية للمركب البشري، وأن أضع النوع على الصورة والنفس المتسامية، يبدو من المستحيل أن يأتي الى الوجود نوع، مذكرا كان أم مؤنثا، دون أن يكون له جنس خاص به من مذكر أو مؤنث. وهذا هو خطأ انصار المرأة الأكبر، وهو أنهم يريدون تحويل النوع الى كيان مستقل عن الجسد أو الجنس الذي هو قائم فيه.
عندما نقول ان المادة والصورة هما مختلفتان، نريد أن نقول ان لهما وظائف متمايزة، غير أنها لا بد منها، عندما تكون كائنا. وفي حال الكائنات البشرية، يمكننا أن نتحدث عن جوهر كوني، أي رجل وامرأة، موجودان فقط في المخيلة، أو في الواقع، أي في جوهر فردي يدل على أن المادة الفردية والصورة الجوهرية هما منفردتان ويعنيان هذا الرجل باسمه وهذه المرأة باسمها. وبكلام آخر أن نوع الشخص هو فردي، ولكنه مشروط في امكاناته بواسطة جنس معين. وبقول آخر، ان نوع شخص ما هو أيضا فردي، ولكنه مشروط في امكاناته بجنس محدد. ومطالبة انصار المرأة في حق الاختيار بين أنواع مختلفة هي مطالبة سخيفة. والمسألة هي أن نعرف الى أي حد يحدد أحدهما الآخر، واذا كانت هناك مؤثرات خارجية كالعائلة، والمجتمع، وحتى النعمة الالهية، تحمل تمييزا الى الكائن النهائي.
يؤكد القديس توما ان الصورة هي التي تكمل المادة. وعندما نضع النوع فوق النفس ، ينبغي ألا نعتبر ان هذا أو تلك هما جامدان غير متحركين. ويمكننا أن نتقدم نحو تكاملنا أو كمالنا، بمجرد أن لنا بعدا فائق السمو في الوجود المادي أي الجسدي. ويجب أن نعترف أن النوع والنفس تؤثر فيها النعمة، والثقافة، والعائلة، والتجربة الشخصية، وعوامل أخرى، على الأقل جزئيا آتية من الخارج، دون أن تكون مولودة مع الشخص.ان مجتمعا دون “نوع” كما يرغب فيه بعض من أنصار المرأة، يبدو مستحيلا، وسيكون مجتمعا لا روح فيه.
2 – الرجل والمرأة متشابهان
ان لكمال الكائن البشري حقا لا يمكن اتمامه، في شيء لا يميل الى أن يصيره طبيعيا. ان فعل الكائن، وفي التالي كمال الكائن مفروض فيه أن يتم في المادة. وهناك تأثيران فيما القدرة في المادة تحد العمل، من حيث الصيغة، والصورة التي تحدد الشكل هي التي تكمل المادة.
ان الفرق بين الرجل والمرأة يظهر في تركيب الجسد. واذا كانت النفس هي صورة الجسد، فان الفرق بين الجنسين يكون في الصورة، وليس فقط في المادة. والقديس توما الأكويني يؤكد أن الله خلق كل نفس بمفردها بحيث يكون في امكانها أن تعطي شكلا للجسد، وهذا يحمل على الافتراض أن الله خلق كل نفس، وخلق معها نوعا يعطي شكلا لجسد لا بد ان يكون له جنس. وكل نفس تتميز عن سواها. ويتبع ذلك أن كل نفس، سواء أكانت لرجل أو امرأة، تعطي شكلا لجسد خاص بامرأة أو برجل. وبعد، ان الاجساد متمايزة، لكن النفوس البشرية ليست مختلفة، بل هي تشارك في طريقة انتمائها الى جوهر بشري واحد.
ان الخطر الأكبر في التمييز النظري بين المادة والصورة، بين الجسد والنفس، بين الجنس والنوع، يكمن في الميل الطبيعي الى فصلهما، والى رفض جمعهما، وترك الازدواجية تحول السلامة البشرية الى احد الجزئين.
ان البابا يوحنا بولس الثاني يؤكد أن العمل يظهر الشخص البشري. وهو يقول:”يمكننا أن نعتبر أن عمل الانسان وما يجول في خاطره، على أنه اتمام لقدرة كامنة فيه. وهذان انجازان مهمان. وان عمل الانسان يتأثر بما يجول في داخله، أو بما يسبقه، وبما يحدث معه في مجتمعه. وعمل الانسان يوليه سعادة، اذا كان عملا حسنا. والرجل والمرأة في هذا المجال متساويان، وهما يعكسان صورة الله.
3 – ومختلفان
ويختلف الرجل والمرأة احساسا وشعورا وطريقة تلقي الأحداث. وتمايز الأجساد يولد أيضا تمايزا لا جسديا وحسب، بل انسانيا، وشعوريا، وطريقة عمل. ويقول أحد العلماء:”اذا كان أحد الناس لا يحلل مشاعره فقط، بل مشاعر الأخرين، عليه أن يمر في جسده، أولا، ويمكن القول أن الرجل والمرأة يختبران العالم كل منهما بطريقة خاصة، وذلك عائد الى اختلاف تركيبتهما. وهذا لا يعني أن مع
رفة نسبية أو أقل عمقا وسعة، بل يعني أن كل من الرجل والمرأة ينظر الى الشيء عينه نظرة مختلفة، على طريقته. ويمكن أن يكون هناك أمور مشتركة بين الرجل والمرأة
.
ان أفق الحياة البشرية لا يمكن حصره في النظر الى الجسد. ويمكننا أن نتعالى عن الجسد. ويستحيل على المرأة أن تكون رجلا، كما يستحيل على الرجل أن يكون امرأة. والبحث عن اللذة اختلط بالبحث عن السعادة التي تستند الى الأعمال الصالحة. والطريقة الوحيدة للعثور على السعادة الحقيقية هي أن نجد انسجاما بين الجنس والنوع في حياة فردية تقودها أخلاق صارمة.
الرجل والمرأة يتشابهان في أمور ويختلفان في أمور أخرى. ولقد خلقهما الله ليتعاونا ويذللا ما يعترض سبيلهما من مصاعب، وهذا ما قاله لهما الله في مستهل كتابه: “خلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرا وأنثى خلقهم، وباركهم الله وقال لهم: “انموا واكثروا واملأوا الأرض، وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر، وطير السماء، وجميع الحيوان الداب على الأرض”.
وأراد الله من الناس أن يتعاونوا على ما فيه خيرهم المشترك، ولكننا نراهم يقتتلون طمعا بشؤون الدنيا. وهذا ما شهدناه في مطلع هذا الاسبوع الذي شهد مقتل ستة عسكريين من التابعية الاسبانية. لقد أتوا في مهمة انسانية سلامية، هم وسواهم من جنسيات مختلفة، ليكونوا حواجز بشرية بين اسرائيل ولبنان. ولكن يد الغدر أوقعت بهم، فذهبوا الى ربهم شهداء الواجب والسلام. واننا نشارك ذويهم في الصلاة الى الله لنسأله أن يتغمد أرواح الضحايا البريئة بوافر الرحمة والرضوان، ويسكب على قلوب أعزائهم بلسم العزاء،
وانا لنأسف شديد الأسف للمشهد الذي نراه على الساحة اللبنانية، والذي لا يدخل الطمأنينة الى القلوب. فشرذمة الصفوف لا تزال قائمة، والانقسام تناول جميع الأفرقاء، والممعنون في التخريب لا يردعهم رادع من وجدان وضمير، والمستغلون فاقة اخوانهم لا يزالون يستغلون دون شفقة على مريض يكويه ثمن الدواء، ولو مزيفا، والهجرة لا تزال تبتلع معظم الطاقات اللبنانية. أفما من يقظة ضمير تضع حدا لهذا الضياع المخزي! ونتساءل: أين اصبحت القيم الدينية، والأخلاقية، والانسانية التي من دونها لا حياة فردية، وعائلية، واجتماعية سليمة؟.
اللهم اشملنا بعطفك، وساعدنا على اصلاح ديننا، لتصلح دنيانا.