رسالة بندكتس السادس عشر إلى الكاثوليك في الصين (2)

“عازمون على الخوض في حوار بنّاء ومتّسم بالإحترام”

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

حاضرة الفاتيكان، 3 تموز 2007 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي العدد 4 من القسم الأول من رسالة البابا بندكتس السادس عشر إلى الكاثوليك في الصين، موقّعة من البابا بتاريخ السابع والعشرين من مايو، يوم أحد العنصرة. وقد أصدرت دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي الرسالة يوم السبت 30 يونيو 2007.

العزم على الإلتزام بحوار متّسم بالإحترام وبنّاء

 
4. كراع للكنيسة الجامعة، أرغب في أن أظهر كل امتناني للرب لشهادة الأمانة الصادقة التي تقدّمها الجماعة الكاثوليكية الصينية في ظروف صعبة للغاية. وفي الوقت عينه، أشعر بأنه من الضرورة الملحة، من حيث واجبي العميق والأكيد وكتعبير عن محبتي الأبوية، أن أثبّت إيمان الكاثوليك الصينيين وأعزز وحدتهم بالوسائل المتاحة للكنيسة.    

إنني أتابع باهتمام كبير ما يعيشه الشعب الصيني برمّته، هذا الشعب الذي أكنّ له مشاعر تقدير عميقة وصداقة إلى حدّ يحدوني إلى أن أعبّر عن أملي بـ “أن أرى سبلاً ملموسة من التواصل والتعاون تتبلور بشكل سريع بين الكرسي الرسولي وجمهورية الصين الشعبية”، سيّما وأن “الصداقة تتغذى بالتواصل وبتشارك الأفراح والأحزان وبالتضامن وتبادل المساعدة”. وانطلاقاً من هذا المنطق عينه، كان سلفي الموقر يقول: “إنه ليس سراً أن الكرسي الرسولي، وباسم الكنيسة الكاثوليكية جمعاء، ولمصلحة الأسرة البشرية الجامعة على ما أعتقد، تأمل بافتتاح نوع من الحوار مع سلطات جمهورية الصين الشعبية. وما إن يتمّ تجاوز خلافات الماضي، حتى يسمح حوار كهذا لنا أن نعمل معاً لما فيه خير الشعب الصيني والسلام في العالم”.

 
إنني أدرك أن تطبيع العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية يتطلب وقتاً ويفترض توافر النية الحسنة عند الطرفين. ومن جهته، فإن الكرسي الرسولي يبقي باب المفاوضات مفتوحاً، باعتبار أنها ضرورية إذا ما أردنا تجاوز الصعوبات الراهنة.

فواقع الخلافات وغياب الفهم يضغطان بكل ثقلهما ولا يخدمان لا مصالح السلطات الصينية ولا الكنيسة الكاثوليكية في الصين. وعلى حدّ ما قال البابا يوحنا بولس الثاني، مستذكراً ما كتبه الأب مانيو ريشي في بيكين، فـ”اليوم أيضاً الكنيسة الكاثوليكية لا تطلب أي امتياز من الصين ومن سلطاتها السياسية، ولكن جلّ ما تطلبه هو استئناف الحوار بهدف التوصل إلى بناء علاقة قوامها الإحترام المتبادل وتفاهم أعمق. فلتطمئن الصين إلى أن الكنيسة الكاثوليكية توّاقة إلى أن تقدّم، مرة جديدة، خدمة متواضعة ومتجردة من كل مصلحة خاصة في مجالات اختصاصها، لما فيه خير الكاثوليك الصينيين وسائر سكان البلاد.

 
وفي ما يتعلق أيضاً بالعلاقات بين الطبقة السياسية والكنيسة في الصين، لا بدّ من أن نتذكّر التعليم المنير للمجمع الفاتيكاني الثاني الذي ينصّ على أنه: “نظراً إلى مهمة الكنيسة وصلاحيتها فهي لا تختلط بحال من الأحوال بالجماعة السياسية ولا ترتبط بأي نظام سياسي. إنها العلامة والضمانة لما يمتاز به الشخص البشري من تسامٍ”. ويكمل المجمع: “فالجماعة السياسية والكنيسة مستقلتان، لا ترتبط الواحدة بالأخرى في الحقل الخاص بكل منهما. غير أنهما تقومان، وإن بأدوار مختلفة، بخدمة الدعوة الفردية والإجتماعية للناس ذاتهم. وإنهما لتقومان بهذه الخدمة لخير الجميع وبمزيد من الفاعلية، بقدر ما تحاولان دائماً أن تتعاونا تعاوناً صحيحاً نسبةً إلى ظروف الزمان والمكان أيضاً”.

وبالتالي، فإن مهمة الكنيسة الكاثوليكية الحاضرة في الصين بدورها لا تقضي بتغيير تركيبة الدولة أو إدارتها بل بالأحرى بإعلان المسيح إلى الناس رجالاً ونساءً كمخلص العالم، مستندةً – في أداء رسالتها—على قوة الله. وكما ذكرتُ في إرشادي الرسولي “الله محبة” فإن “الكنيسة لا يمكنها ولا يجوز أن تأخذ على عاتقها المعركة السياسية لإرساء مجتمع أكثر عدالة. لا يمكنها ولا يجوز أن تقوم مقام الدولة. ولكن في الوقت عينه، لا يمكنها ولا يجوز أن تبقى على الهامش في الكفاح من أجل العدالة. بل عليها أن تؤدي دورها من خلال النقاش المنطقي وأن توقظ القوى الروحية التي لا يمكن للعدالة التي تفترض دوماً التضحيات أن تسود وتزدهر في غيابها. على المجتمع العادل ألا يكون نتاج الكنيسة وإنما إنجازاً سياسياً. ولكن تعزيز العدالة من خلال الجهود الآيلة إلى تأمين عقلية منفتحة وإرادة لفعل الخير أمر يعني الكنيسة إلى أبعد الحدود”.   

على ضوء هذه المبادئ التي لا يمكن أن نتخلى عنها، يتبيّن أنه لا يمكن البحث عن الحل للمشاكل القائمة عبر صراع مستمر مع السلطات المدنية الشرعية؛ إلا أنه، وفي الوقت ذاته، لا يمكن القبول بالخضوع لتلك السلطات عندما نراها تتدخل عن غير حق في مسائل متعلقة بإيمان الكنيسة وعقيدتها. إن السلطات المدنية تعي بشكل واضح أن الكنيسة في تعاليمها إنما تدعو المؤمنين إلى أن يكونوا مواطنين صالحين ومساهمين فاعلين ومحترمين لما فيه الخير العام في بلادهم، ولكنه من الواضح أيضاً أنها تطلب من الدولة أن تضمن لهؤلاء المواطنين الكاثوليك الحق الكامل بممارسة إيمانهم، واحترام الحرية الدينية الحقيقية.

 

 

 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير