روما، 18 يوليو 2007 (ZENIT.org). – في هذا القسم الثاني من المقابلة الصحفية، يصرح الأب جون زولسدورف – الذي يهتم بنشر مقالات في مجلة تعالج مواضيع التقليد الليتورجي بعنوان “ What Does the Prayer Really Say ” (ما الذي تقوله الصلاة بالفعل)، في مجلة اسبوعية كاثوليكية هي “ The Wanderer ” (السائح)، – أنه من خلال تفسيح استعمال القداس اللاتيني سنحصل على “خصب وغنى متبادل”.
فهو يعتقد بأن الاحتفال بالليتورجية الافخارستية بحسب الممارسة التريدنتينية وبحسب كتاب قداس الإصلاح الليتورجي الذي قام به المجمع الفاتيكاني الثاني، سيساعد الجميع لكي يتذوقوا بشكل متجدد وغني عمق الطقس اللاتينية الواحد.
ما ضرورة تفسيح استعمال كتاب القداس الروماني العائد لسنة 1962، بعد أن مُنح الأساقفة منذ أكثر من 20 سنة إمكانية الاحتفال بهذا الطقس؟
الأب زولسدورف: في العام 1986 أعطى يوحنا بولس الثاني إذنًا حصريًا في استعمال كتاب قداس عام 1962. وبعد السيامة الأسقفية غير المشروعة التي قام بها رئيس الأساقفة لوفيفر في يونيو 1988، أطلق البابا يوحنا بولس الثاني البراءة البابوية ” Ecclesia Dei Adflicta ” التي خففت من حدة الإذن الحصري الذي أعطي عام 1986.
لقد طلب البابا يوحنا يولس الثاني عبر سلطته الرسولية في تلك البراءة، من الأساقفة والكهنة أن يكونوا أسخياء وأن يحترموا الذين يحبون أشكال الليتورجية القديمة. البعض قام بتحقيق طلب البابا، ولكن الكثيرين لم يقوموا بذلك.
إبان ذلك، تزايد الشقاق مع أخوية القديس بيوس العاشر التي أسسها رئيس الأساقفة لوفيفر. ولم يتوقف النقاش حول استعمال كتاب قداس بولس السادس، والاستعمال الاعتيادي، بالرغم من الكثير من الوثائق التنظيمية الصادرة عن الكرسي الرسولي.
لقد كتب يوسف راتزينغر قبل اعتلائه السدة البطرسية بزمن بعيد فتحدث عن الاستمرارية التي ينبغي أن تحافظ عليها طقوسنا وممارساتنا الليتورجية مع تقليدنا. ولقد نمت الليتورجية عبر العصور بشكل متناغم من خلال الإيمان المعاش ومن خلال الاتصال بالثقافات المختلفة.
لقد تم تأليف كتاب قداس بولس السادس على يد خبراء، ويجب أن نعترف أن بعضهم كان يحمل أفكاره الإيديولوجية. فإلى جانب موقف “رمي كل قديم خارجًا”، كان هناك شعور بالانقطاع مع تقليد الكنيسة القديم.
لم يولد هذا الانقطاع في الحياة الليتورجية أمورًا إيجابية فقط. فقد ولد أيضًا جروحًا، وأعطى الانطباع بأن الليتورجية تتغير بين ليلة وضحاها فتلغي الأشكال القديمة، وبالتالي أنه يمكن أن تتغير حتى العقيدة أيضًا.
فلنترك النظريات. إن استعادة إمكانية الاحتفال بالقداس القديم هي أمر ضروري وجيد من باب الفطنة.
كما كتب بندكتس السادس عشر، لقد كان أمرًا قليل العقلانية أن يمنع الاحتفال بالقداس بالطريقة التي احتفل بها التقليد الكاثوليكي لعصور. لقد أثّر هذا الامر سلبًا على الهوية الكاثوليكية، وعلينا أن نضمد هذه الجروح.
يرى الكثير من المعلقين أن “البراءة البابوية” هي محاولة لتخطي الانقسام بين الكرسي الرسولي والتيارات التقليدية. ما رأيكم؟
الأب زولسدورف: عليها أن تساعدنا في إعادة حياكة الوحدة مع أخوية القديس بيوس العاشر.
برأيي، إن توسيع التفسيح بالاحتفال إلى كل الكهنة سيساعد، لكنه لن يحل شيء. هناك مواضيع أعمق ولا يمكن حلها بسهولة.
هنالك مشاكل لاهوتية يجب حلها كعقيدة المجمع الفاتيكاني الثاني حول الحرية الدينية، وحول علاقة الكنيسة بالعالم. لذلك لا أعتقد أن هذه البراءة ترتبط بشكل مباشر بأخوية القديس بيوس العاشر.
الكثير من الأشخاص، من الجهتين، كانوا ينظرون إلى الشقاق عبر ما أسميه “نظرة قِمْعيّة” [أي مغلقة]. أما عندما ينظر أحدنا إلى الآخر من خلال قلب المسيح، عبر ما يسميه ريشار دو سان فيكتور، “جرح الحب الذي لا يُرى”، فإن المشاكل تنحل جميعها. لقد أتى الوقت لكي نبلسم الجراح.
يقول محللون آخرون أن الغاية من البراءة البابوية هي تعزيز التجديد الليتورجي لكتاب قداس بولس السادس، من خلال “إصلاح الإصلاح”. كيف يمكن القيام بهذا؟
الأب زولسدورف: كما سبق وقلت، تنمو الليتورجية وتتطور من خلال عيش الإيمان والولوج في صلب الثقافات.
وما سيتم عبر التفسيح استعمال كتاب القداس القديم سيكون خصبًا وغنى متبادلاً، لأن استعمال إحدى القداسات سيؤثر على الاستعمال الآخر.
فمنذ تفسيح يوحنا بولس الثاني، بدأ الكثير من الكهنة الشباب بالاهتمام بأشكال الاحتفال القديمة.
وجرى الأمر نفسه مع الكهنة القدامى الذين تمكنوا من معاودة الاحتفال بالقداس القديم، فأغنوه بخبرتهم مع القداس الجديد.
ينمي هذا الأمر “فن الاحتفال” الذي تحدث عنه بندكتس السادس عشر في رسالته العامة ما بعد السينودس “سر المحبة”.
إن غياب كتاب القداس القديم لعدة سنوات مكننا من تقييم غناه بشكل أفضل. لقد كانت الخبرات الجيدة والسيئة، وحتى سوء الاستعمال، فرصة للتعلم.
فعندما أرى الكهنة يحتفلون الآن بالقداس القديم، أرى لديهم الوعي أن هنالك أناس على المقاعد وراءهم.
في كل هذا غنى كبير للجميع. ليس هنالك خاسرون، بل جميعنا رابح.
ما هي العلاقة بين “البراءة البابوية” وما أسماه البابا “تأويل الاستمرارية”؟
الأب زولسدورف: لنقم ببعض التمييز. أحاول أ
ن أقرأ بعض الوثائق لأفهم ما تقوله لكنيسة “الداخل” ولعالم “الخارج”.
فمن وجهة نظر “الداخل”، يريد بندكتس السادس عشر أن يشفي الشقاق الذي تولد في أبعاد مختلفة في حياة الكنيسة. إن التفسيح سيمكننا من إعادة تجذير القداس الإلهي في تقليدنا الليتورجي العميق.
في خطابه إلى الدار الرسولية في ميلاد عام 2005، تحدث البابا عن “تأويل الاستمرارية والقطع” بعد المجمع الفاتيكاني الثاني. التأويل هو مبدأ تفسيري، هو مثل مجهر ندرس من خلاله مسألة معينة. بالنسبة للبعض، كل ما سبق المجمع الفاتيكاني الثاني كان سيئًا ويجب التخلص منه. أما نصوص المجمع ذاتها، فهي لا تدعو إلى قطع.
لقد جذب التأويل الخاطئ لـ “روح المجمع الفاتيكاني الثاني” – روح عدم الاستمرارية والقطع – الكثير من ذوي التأثير في الكنيسة، وتم تطبيق “تأويل عدم الاستمرارية” في الرعايا والإكليريكيات والجامعات وشبكات الإعلام الكاثوليكية. وقد أدى هذا إلى جراح كبيرة في كنيسة ما بعد المجمع.
تسعى هذه البراءة البابوية إلى القيام بخطوة عملية لرؤية الماضي بشكل متجدد. يقدم بندكتس السادس عشر طريقة جديدة لكي نرى كيف أن الماضي والحاضر والمستقبل هي حقائق مترابطة. يقدم البابا “تأويلاً إصلاحيًا”، بحسب ما وصفه هو نفسه في ميلاد 2005.
سيردد البعض أن هذه البراءة الرسولية هي جزء من مسيرة “إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء”، ولكن التفسيح باستعمال كتاب القداس القديم يأتي بالحقيقية في إطار سعي بندكتس السادس عشر لإعادة بناء الاستمرارية مع الكنيسة القديمة. جل ما تقوم به الوثيقة هو السعي إلى إيجاد دواء.
العودة إلى هذه الوحدة والاستمرارية يقودنا إلى ما تسميه “البراءة”: “الخارج”، العالم الواسع.
فجميعنا يعرف الجهود التي يقود بها الكثيرون لإسكات الكنيسة الكاثوليكية في الحقل العام السياسي والاجتماعي والأكاديمي. يتم تهميش الكاثوليك حالما يفتحون شفاههم. ويتم اعتبار الإيمان مسألة حميمية لا يجب التعبير عنها علنًا.
لقد توقف بندكتس السادس عشر حول هذه المسألة معبرًا عن أن للكنيسة الحق في قول كلمتها ورأيها، وأن تعبر عن رموزها وهويتها.
في الوقت عينه، يدافع بندكتس السادس عشر عن مفهوم العلمانية الحقة.
ولكن لكي يأتي حضور الكاثوليك العام بثمر، علينا، بحسب بندكتس السادس عشر، أن نعاود اكتشاف هويتنا الكاثوليكية الأصيلة. إن البراءة البابوية التي تفسح استعمال القداس القديم الذي صقل الهوية الكاثوليكية طوال العصور هي حركة هامة في إطار مشروع البابا الرامي إلى استعادة الاستمرارية في تقليدنا، لكي نشفي الجراح القديمة، ونعطي زخمًا جديدًا للكنيسة في عالم يخضع للعلمانية والنسبية أكثر فأكثر.