روما، 25 يوليو 2007 (ZENIT.org). – ننشر القسم الثاني من المقابلة الصحفية التي أجرتها زينيت مع الأب مانيلو سودي حول البراءة البابوية “الأحبار الأعظمون” للبابا بندكتس السادس عشر
نادرًا ما نالت وثيقة بابوية صدىً كالذي نالته البراءة البابوية “الأحبار الأعظمون” للبابا بندكتس السادس عشر. لقد حولت الحملة الإعلامية كنه الوثيقة إلى حرب مع أو ضد رجوع اللغة اللاتينية، وإلى عودة الاحتفال بالقداس بحسب التقليد التريدنتيني، دون وعي جوهر المسألة الحقيقي.
لتسليط الأضواء على النواحي الحقيقية للوثيقة التقت زينيت بالأب مانليو سودي، أستاذ في الليتورجية ولاهوت الأسرار والوعظ في الجامعة السالسية في روما (www.unisal.it). وهو أيضًا مدير “المجلة الليتورجية” (www.rivistaliturgica.it).
بحسب نوايا البابا من الممكن أن تقنع البراءة البابوية أخوية القديس بيوس العاشر بالرجوع إلى حضن الكنيسة الكاثوليكية، ما رأيكم؟
سودي: إن العلاقة بين البراءة البابوية و أخوية القديس بيوس العاشر لا تتعلق بالليتورجية. كما سبق وقلنا، المشكلة مع الأخوية هي أخرى.
إن السعي الجهيد لإخراج الكتب الليتورجية القديمة من المكتبة قد يكون عملاً يساعد في عودة الأخوية إلى حضن الكنيسة. ولكن ماذا بعد؟
أمن الممكن أن يبقى هنالك في الكنيسة شكلان للاحتفال بالطقس نفسه؟ كيف يمكننا أن نفسر نوعي الاحتفال على ضوء ما يقوله الدستور المجمعي في الليتورجية “المجمع المقدس”: “إن أهمّ مظهر للكنيسة هو في الاشتراك الكامل والفعّال لشعب الله المقدّس كلّه في هذه الاحتفالات الليتورجية، نفسها، ولا سيما في الإفخارستيا الواحدة، والصلاة الواحدة، حول المذبح الواحد حيث يترأس الأسقف وحوله كهنته ومعاونوه”؟
بعد حوالي 40 سنة، من الصعب أن يبدأ الكهنة الشباب الاحتفال من جديد بهيكلية لا يعرفونها، وبلغة لا تمارَس. هل ستؤدي البراءة البابوية إلى تفعيل الاهتمام باللغة اللاتينية وبالليتورجية؟
سودي: لقد قال المجمع الفاتيكاني بوضوح أن الليتورجية هي من بين المواد الأساسية في الدراسة اللاهوتية. لماذا؟ لأن الآباء المجمعيين قد فهموا، من خلال النقاشات حول نصوص مثل “المجمع المقدس”، و “كلمة الله”، و “نور الأمم” و”القرار في التنشئة الكهنوتية”، بأن الليتورجية هي اللغة التي من خلالها تعبّر الكنيسة عن إيمانها، لا بل هي “القمة التي يرتقي إليها عمل الكنيسة وهي إلى ذلك المنبع الذي تنبع منه كل قوّتها” (المجمع المقدس 10).
إذا لم ندخل في جوهر هذه اللغة (المكونة من كلمة الله والتسبيح والطقوس) لا نفهم معنى الطقوس ذاتها. لهذا السبب يجب أن نفسح المجال واسعًا لنقدم الليتورجية لا كاحتفال يجب أن نقوم به، بل كانسجام لغات عدة تساعدنا لكي نقوم باختبار سر فصح يسوع المسيح.
هل سيقود الاحتفال بالطقس القديم عددًا أكبر من الناس للاشتراك في قداس الأحد؟
سودي: كلا، إذا لم يكن لإشباع فضول عابر. فلنخلع من أذهاننا هذا الوهم. سيستمر الطقس القديم بإحداث بعض الضجة، ولكن لا شيء أكثر من ذلك.
اعتادت الناس على سماع كلمة الله في اللغات المحكية، كما واعتادت على ترداد المزمور (الذي ليس موجودًا في الطقس القديم)، وأن تسمع عظة مطابقة للقراءات (لا عظات مصنفة بحسب المواضيع، دون علاقة بكتاب القراءات)، وأن تتحول هذه القراءات إلى صلوات مع صلاة الجماعة (التي ليست موجودة في الطقس القديم)، وأن تتبعها الصلاة الافخارستية كلحظة للولوج وللتثقف في السر، من خلال عيشه بشكل حي (لا فقط من خلال اختبار يقتصر على المشاعر).
هل تضعنا الوثائق أمام مسؤليات جديدة في التنشئة؟
سودي: هنالك مشاكل تطرح نفسها وهي لا تقتصر على إعادة نشر الكتب الليتورجية القديمة، بل أيضًا تطرح قضية إعداد الكهنة والإلكيريكيين لكي يقوموا بهذه الخدمة. كيف سيتم هذا الأمر؟ هل سيكون هنالك دروس ليتورجية إضافية في الإكليريكيات؟ أو هل سيتم تقديم دورات تخصصية مكثفة؟
لقد اعلنت بعض الصحف عن توفر أقراص فيديو لتعليم كيفية الاحتفال بالقداس بحسب الرتبة القديمة: ولكن هل يكفي عرض محتوى “ De defectibus in celebratione missae occurrentibus ” لكي تنفتح الجماعة على خبرة حقيقية للسر؟
ولنأخذ بعين الاعتبار كل ما يتعلق بالمنحى المبدئي وقواعد السلوك. فما يظهر جليًا هو انتقال المسؤولية عن كاهل الأسقف إلى كاهل كهنة الرعايا الذين يُدعون إلى قبول طلبات المؤمنين برضا، وفي الوقت عينه عليهم أن يسعوا لكي يكون خير المؤمنين هذا “منسجمًا مع العناية الرعوية الاعتيادية في الرعية… وتجنب الخلافات وتعزيز الوحدة في الكنيسة بأسرها” (بند 5).
يجب أن يُقرأ هذا البند بإمعان، ويجب أن يتم تفسيره، من أجل حل المشاكل التي ستنتج إن من ناحية الاحتفال وإن من ناحية الخدمة الرعوية والروحية. ولكن من الواضح أنه ما من كاهن سيكون مرغمًا على الاحتفال بالقداس بحسب صيغة كتاب العام 1962.
لننتقل الآن إلى الرسالة التي أرفق بها البابا البراءة الرسولية. ما هو أكثر ما لفت انتباهكم فيها؟
سودي: لفت انتباهي فوق كل شيء اشتراك البابا الشخصي في هذه المسألة. كما ولفت انتباهي التمييز بين “الاعتيادي” و “الاستثنائي” الذي يميّز “الاستعمال المزدوج للطقس الواحد”. وهذا أمر لا سابقة تاريخية له
. نحن بصدد حالة تاريخية جديدة سيتم تقييمها من خلال التطبيق؛ نترجى أن تكون هذه السنوات الثلاث القادمة كافية لتقييم المشاكل بشكل موضوعي.
يدعو البابا في رسالته إلى عناية أكبر في إعداد الاحتفالات الليتورجية…
سودي: وهذا أمر مهم جدًا. فحيث يتم الاحتفال بالقداس بالوقار المناسب، لن تكون هنالك حاجة للتحول إلى شكل الاحتفال “الاستثنائي”. نرجو أن تقوم هذه البراءة البابوية بتشجيع الجميع، لكي يشتركوا بانتباه أكبر وباحترام أوفر في الليتورجية. وهذا أمر ممكن فقط إذا ما قام القائد الليتورجي بدوره بطريق جيدة.
هنالك عدد كبير من الأشخاص الذين يترأسون الاحتفالات الليتورجية وهم لم يقرأوا أبدًا مقدمة كتاب القداس، والأسوأ من ذلك أنهم لم يطّلعوا على مقدمة كتاب القراءات.
كيف يمكن القيام بوظيفة المعلم والمربي في العمل الليتورجي إذا كان المرء يجهل اللغة وكل ما هو ضروري لكي يجعل رموز الليتورجية وعناصرها “تخاطب” قلوب المؤمنين؟
سيصل إلى المكتبات في هذه الأيام كتيّب لحضرتكم يتحدث عن كتاب قداس بيوس الخامس: كيف تقدمون هذا الكتيّب لقراء زينيت؟
سودي: الكتيّب يتألف من 48 صفحة، وقد أراد الناشر أن يضع عنوانًا فرعيًا لكي يسلط الضوء على المسألة: “لماذا القداس باللاتينية في الألفية الثالثة؟”
يسعى الكتيب المبسط بأسلوب صحفي إلى تقديم بعض التوضيحات الأولية. وتتطرق فصول الكتيب الأربعة إلى تقديم كتاب قداس بيوس الخامس وتاريخ تصنيفه. ومن ثمّ يتم عرض الأمور الجديدة التي يدخلها كتاب قداس المجمع الفاتيكاني الثاني. وأخيرًا يطرح السؤال التالي للتفكير: “صيغتان للاحتفال بالليتورجية عينها؟”.
على أي حال، لا يمكننا أن نفكر بشكل موضوعي إذا لم ندرس بادئ ذي بدء النص المجمعي حول الليتورجية، “المجمع المقدس”، وأن ندرس معه الدستور الرسولي “ Missale Romanum ” (كتاب القداس الروماني) للبابا بولس السادس، والذي نجده في مطلع كل كتاب قداس.
إن الحوار مع هذين النصين الأساسيين، والذين يتخطيان من حيث الأهمية البراءة البابوية، يفتح عيوننا على ضرورة معرفة التاريخ بشكل أفضل، لنعي ما قد تم فعله من خلال كتاب القداس الجديد، وكيف أنه تم تخطي كتاب القداس القديم بالكلية.