خطاب قداسة البابا بندكتس السادس عشر خلال أمسية الصلاة في ساحة مونتورسو – لوريتو

Share this Entry

لوريتو، 4 سبتمبر 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي النص الكامل للخطاب الذي ألقاه قداسة البابا بندكتس السادس عشر خلال أمسية الصلاة التي ترأسها بمناسبة لقاء الشبيبة الإيطالية في ساحة مونتورسو بلوريتو.

 * * *

 أيها الشباب الأعزاء، رجاء الكنيسة في إيطاليا! يسعدني أن ألتقي بكم في هذا المكان الفريد، في هذه الأمسية المميزة، الغنية بالصلاة، والأناشيد وأوقات الصمت، المفعمة رجاءً ومشاعر عميقة.

إن هذا الوادي حيث ربما التقى بعضكم بسلفي الحبيب يوحنا بولس الثاني، قد أصبح الآن ساحة لقائكم، ساحتكم التي لا تحصرها أسوار ولا حدود، حيث تلتقي آلاف الطرقات وتعاود الانفصال.

لقد أصغيت بانتباه إلى من تكلم باسمكم. لقد تهافتم إلى مقام اللقاء المسالم والأصيل والفرِح هذا، لآلاف من الأسباب: منكم من أتى لأنه ينتمي إلى جماعة ما، ومن أتى إثر دعوة صديق، ومن لأجل قناعة حميمية، ومنكم من أتى وفي قلبه بعض الشكوك، وهناك من أتى يدفعه ببساطة الفضول…

بِغضّ النظر عن الدافع الذي حملكم إلى المجيء هنا، يمكنني أن أقول لكم أن من يلمّ شملنا بالعمق هو الروح القدس. نعم، هكذا بالضبط: لقد قادكم الروح إلى هذا المكان؛ لقد أتيتم إلى هنا مع شكوكم ويقينكم، مع أفراحكم وقلقكم. والآن يتحتم عليكم أن تفتحوا قلبكم وتقدموا كل شيء ليسوع.

قولوا له: هاأنذا، أنا هنا، بالطبع لست بعد كما تريدني أن أكون، لا يمكنني حتى أن أفهم نفسي بالكلية، ولكن بعونك أنا مستعد لأن أسير في إثرك. أيها الرب يسوع، في هذه الليلة أود أن أتحدث إليك، وأن أجعل خاصتي موقف تلك الصبية التي منذ أكثر من ألفي سنة قالت نَعَمَها إلى الآب الذي اختارها لتكون أمك.

لقد اختارها الله لأنها كانت سهلة الانقياد وطيعة لإرادته. مثلها، مثل مريم الصغيرة، فليقل كل منكم أيها الأصدقاء الشباب، بإيمان إلى الله: هاأنذا، “فليكن لي بحسب قولك”!

ما أروع وأعمق ظاهرة إعلان الإيمان التي نعيشها هذا المساء! بفضلكم، أصبحت لوريتو هذه الليلة، عاصمة الشباب الروحية؛ المركز الذي يستقطب مثاليًا جموع الشباب الذين يقطنون القارات الخمس. في هذه اللحظة نشعر وكأننا محاطون بانتظار ورجاء الملايين من الشباب في العالم أجمع: في هذه الساعة عينها، يسهر البعض، والبعض الآخر ينام؛ آخرون يدرسون وغيرهم يعملون؛ هنالك من يعيش الرجاء وهناك من يلامس حضيض اليأس، هنالك من يؤمن ومن يتعذر عليه الإيمان، هنالك من يحب الحياة ومن يرمي بالحياة عرض الحائط.

أود أن تبلغ كلمتي إلى الجميع: البابا قريب منكم، يقاسمكم أفراحكم وآلامكم، وبوجه خاص يشارككم الآمال الأكثر حميمية التي تنبض في نفوسكم، ويطلب إلى الرب لأجل كل منكم حياةً مليئة وفرحة، حياة ملؤها المعنى، الحياة الحقة.

للأسف، غالبًا ما يبدو الوجود المليء والفرح بالنسبة للكثير من الشباب كحلم عسير، وأحيانًا كحلم مستحيل لا يمكن تحقيقه. الكثيرون من أترابكم ينظرون إلى المستقبل باضطراب ويطرحون الكثير من التساؤلات. يتساءلون قلقين: كيف يمكننا الانخراط في مجتمع موسوم بالكثير من الظلم والألم الفادح؟ كيف يمكننا أن نواجه الأنانية والعنف اللذين يبدو أحيانًا وكأن لهما الغلبة؟ كيف يمكننا أن نعطي معنىً كاملاً للحياة؟

بمحبة وقناعة أكرر عليكم، أيها الشباب الحاضرون هنا، ومن خلالكم، أتوجه إلى أترابكم في العالم أجمع: لا تضطرب قلوبكم، فالمسيح يستطيع أن يشبع أشواق قلوبكم الأكثر عمقًا! أيمكن أن توجد أحلام لا تتحقق إذا كان روح الله نفسه هو الذي يلهمها وينميها في القلب؟ هل يوجد يا ترى شيء يمكنه أن يطفئ عزمنا إذا ما كنا متحدين مع المسيح؟ ما من شيء وما من أحد، يقول لنا الرسول بولس، يستطيع أن يفصلنا عن محبة الله في المسيح يسوع ربنا (راجع روم 8، 35- 39).

اسمحوا لي أن أكرر عليكم في هذه الأمسية: إذا ما بقي كل منكم متحدًا بالمسيح، يستطيع القيام بأمور عظيمة. لهذا، أيها الأصدقاء، لا ينبغي أن تخافوا من أن تحلموا وعيونكم مفتوحة بمشاريع خير كبيرة، ولا يجب أن تخور عزيمتكم بسبب المصاعب. المسيح يثق بكم ويرغب في أن تحققوا كل حلم نبيل وسامٍ بالوصول إلى السعادة الأصيلة. ما من شيء مستحيل على من يثق بالله ويتكل عليه.

انظروا إلى الصبية مريم! لقد عرض الملاك عليها أمرًا لا يمكن فهمه حقًا: أن تشارك بأكبر قدر ممكن بأعظم مخططات الله، أي خلاص البشرية. أمام هذا العرض، اضطربت نفس مريم إذ شعرت بصغر كيانها أمام كلية قدرة الله؛ وتساءلت: كيف يمكن ذلك، لم أنا بالذات؟ ولكن نظرًا لجهوزيتها لتحقيق الإرادة الإلهية، قالت نَعَمها بحزم، وقد حولت بهذا حياتها وتاريخ البشرية بأسرها. بفضل نَعَمها نلتقي نحن أيضًا هذا المساء.

أتساءل وأسألكم: هل يمكن يا ترى للطلبات التي يوجهها إلينا الله، بقدر ما قد تبدو متطلبة بالنسبة لنا، أن توازي ما طلبه الله إلى الصبية مريم؟

أيها الشبان والشابات الأعزاء، فلنتعلم من مريم أن نقول نَعَمنا، لأنها تعرف بحق ما معنى أن نجيب بسخاء على طلبات الرب. إن مريم، أيها الشباب الأعزاء، تعرف تطلعاتكم النبيلة والعميقة. وبالأخص، تعرف جيدًا حاجتكم إلى أن تحِبوا وأن تحَبوا. برفع أنظاركم إليها، وباتباعها بطواعية، ستكتشفون جمال الحب، لا الحب الاستهلاكي، العابر والخادع، سجين العقلية الأنانية والمادية، بل الحب الحقيقي والعميق.

في أعمق أعماق قلب كل شابة وشاب ينفتح على الحياة، ينمو حلم حب يراد منه أن يعطي معنى كاملاً للمست
قبل الشخصي. بالنسبة للكثيرين يتحقق هذا من خلال خيار الزواج ومن خلال تأسيس عائلة حيث يعاش الحب بين الرجل والمرأة كعطية متبادلة وأمينة، كعطية نهائية، تختم عليها كلمة “نعم” التي تُلفظ أمام الله في يوم الزواج، “نعم” مدى الوجود.

أعرف جيدًا أن هذا الحلم يبدو أكثر فأكثر صعب التحقيق. ما أكثر فشل الحب حولنا! كم من الأزواج يحنون رؤوسهم، يستسلمون وينفصلون! كم من العائلات تسير نحو التشرذم! كم من الشباب، حتى في عدادكم، قد عاينوا انفصال وطلاق والديهم! أود أن أقول هذا المساء لمن يعيش هذه الحالات الحساسة والمعقدة: إن أم الله، وجماعة المؤمنين، والبابا هم إلى جانبكم لكي لا تصبح الأزمة التي تمر بها العائلة في زمننا فشلاً لا رجوع عنه. فلتسعى العائلات المسيحية، بمعونة النعمة الإلهية إلى أن تبقى أمينة لالتزام الحب الذي قطعته بفرح أمام الكاهن والجماعة المسيحية، في يوم الاحتفال بالزواج.

أمام الكثير من الاختبارات الفاشلة غالبًا ما يُطرح السؤال: هل أنا أفضل من أصدقائي ومن أهلي الذي حاولوا فباؤوا بالفشل؟ كيف لي أنا، وأنا بالذات، أن أنجح حيث يستسلم الكثيرون؟

بمقدور هذا الخوف البشري أن يشلّ الكثير من النفوس الشجاعة، ولكن، في هذه الليلة تنتظرنا مريم على أعتاب بيتها، وتقول لكل منكم، أيها الأصدقاء الشباب الأعزاء، الكلمات التي سمعَتْها هي نفسها من الملاك: لا تخافوا! لا تضطربوا! الروح القدس هو معكم ولن يترككم أبدًا. ما من شيء مستحيل على من يثق بالله. وهذا الأمر ينطبق على من هو مدعو لحياة الزواج، وبالأكثر إلى من يعرض عليهم الله حياة تجرد تام عن خيرات الأرض لكي يكونوا مكرسين كليًا وبشكل دائم لملكوته.

ففي عدادكم هنالك أشخاص يسيرون نحو الكهنوت ونحو الحياة المكرسة؛ البعض يتوقون إلى أن يكونوا مرسلين، مع علمهم ما يعني ذلك من مجازفة. يتوجه فكري إلى الكهنة والمكرسين، وإلى العلمانيين المرسلين الذين وقعوا في ميدان الحب في خدمة الإنجيل. يستطيع الأب جانكارلو بوسي، الذي صلينا لأجله خلال فترة أسره في الفيليبين، أن يقول لنا الكثير في هذا الصدد إذ نفرح بوجوده هنا الآن في ما بيننا. من خلاله أود أن أحيي وأن أشكر كل الذين يهرقون وجودهم من أجل المسيح في تخوم التبشير.

أيها الشباب الأعزاء، إذا ما دعاكم الرب إلى العيش بشكل أكثر حميمية في خدمته، جاوبوا بسخاء. كونوا أكيدين: الحياة المكرسة لله ليست أبدًا حياةً مهدورة.

أيها الشباب الأعزاء، لا يسعني أن أنهي كلماتي هذه قبل أن أعانقكم بقلب أب؛ أعانق كلاً منكم واحدًا فواحد، وأحييكم من كل قلبي. أحيي الأساقفة الحاضرين، بدءًا برئيس الأساقفة أنجلو بانياسكو، رئيس مجلس أساقفة إيطاليا، ورئيس الأساقفة جاني دانتسي الذي يستقبلنا في جماعته الكنسية.

أحيي الكهنة والمكرسين والمكرسات، ومرشديكم الذين يرافقونكم.

أحيي السلطات المدنية ومن عني بإعداد هذا اللقاء. سنتحد في ما بعد بشكل قلبي، لنعاود اللقاء غدًا صباحًا، عقب عشية الصلاة هذه، للمشاركة في اللحظة السميا في لقائنا عندما سيحضر يسوع نفسه عبر كلمته وفي سر الافخارستيا.

ولكن أود من الآن أن أعطيكم جميعاً موعداً في سيدني، حيث، بعد عام، سنحتفل بيوم الشبيبة العالمي. أعرف بأن استراليا بعيدة وهي بالنسبة للشباب الإيطاليين في الناحية الأخرى من الأرض… أصلي لكي يمنحكم الرب القادر على كل شيء إمكانية المشاركة. أطلب إليه أن يمنحني هذه الفرصة وأن يمنحها لكم أيضًا. إنما هذا واحد من الأحلام العديدة، نسلمه، ونحن نصلي في هذه الليلة، إلى مريم.

 

ترجمة وكالة زينيت العالمية (ZENIT.org)

حقوق الطبع محفوظة: دار النشر الفاتيكانية – 2007

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير