القسم الثاني من التعليق

 إن كلمة البابا يوحنا بولس الثاني أمام مجموعة من الأساقفة من الولايات المتحدة خلال زيارة بتاريخ 2 أكتوبر 1998 كانت في غاية الوضوح: إن التغذية والإهامة جزء من الرعاية الطبية العادية ويشكلان وسائل اعتيادية للحفاظ على الحياة. ومن غير المقبول وقفهما أو منعهما في حال أدى ذلك القرار إلى وفاة المريض. فعندها يكون ذلك قتلاً رحيماً بالإهمال (م. رقم 4).

 في كلمة ألقاها البابا يوحنا بولس الثاني في 20 مارس عام 2004 أمام المشاركين في المنتدى الدولي حول "العلاجات المغذية والغيبوبة العميقة: التقدم العلمي والمعضلات الأخلاقية"، أكد بكل وضوح ما قيل في الوثائق المذكورة آنفاً وشرح تفسيرها الصحيح. شدد قداسته حينها على النقاط الآتية:

1.  تشير عبارة "الغيبوبة العميقة الدائمة" إلى حالة المرضى التي تستمر غيبوبتهم أكثر من عام واحد. في الواقع، لا يوجد تشخيص مختلف يلائم هذا التعريف بل مجرد حكم تكهني تقليدي حيث يعتبر تعافي المرضى لجهة الإحصاءات أمراً صعباً مع استمرار حالة الغيبوبة العميقة لوقت طويل" (رقم 2).[1]

2.  رداً على المشككين "بالنوعية الإنسانية" للمرضى في الغيبوبة العميقة، من الضروري إعادة التأكيد على أن "القيمة الجوهرية والكرامة الشخصية لكل كائن بشري لا تتغير مهما كانت الظروف الملموسة لحياته. فحتى لو كان الإنسان يعاني مرضاً خطراً أو لا يقدر على ممارسة وظائفه العليا، هو إنسان ويبقى إنساناً ولن يصبح "نباتاً" أو "حيواناً" (رقم 3).

3.  "يحق للمريض في حالة الغيبوبة العميقة الذي ينتظر إما التعافي إما النهاية الطبيعية الحصول على الرعاية الصحية الأساسية (التغذية، الإهامة، النظافة، الدفء، الخ) وتفادي التعقيدات الناتجة عن بقائه طريح الفراش. ويحق له كذلك الحصول على العناية المناسبة لإعادة تأهيله ومراقبة الإشارات الحيوية السريرية للتعافي المحتمل. أود التشديد على أن كيفية إعطاء الغذاء والمياه، حتى لو كان ذلك عبر الوسائل الاصطناعية، يمثل وسيلة طبيعية للحفاظ على الحياة وليس عملاً طبياً. وينبغي أيضاً اعتبارها مبدئياً اعتيادية وملائمة، وبالتالي ملزمة أخلاقياً ما دامت تحقق غايتها النهائية، أي تأمين الغذاء للمريض وتخفيف معاناته" (رقم 4).

4.  بعد النظر في الوثائق السابق ذكرها، تم شرحها كما يلي: "إن واجب تأمين "الرعاية الاعتيادية التي يحق للمريض بها في هذه الحالات" (مجمع العقيدة والإيمان، الإعلان حول القتل الرحيم، ص. 4) تتضمن استعمال الغذاء والإهامة (م. المجلس الأسقفي Cor Unum وثيقة بعنوان "بعض القضايا الأخلاقية المتعلقة بالمرضى في حال الخطر والمحتضرين" رقم 2.4.4؛ المجلس الأسقفي للمساعدة الرعوية لعمال الرعاية الصحية، شرعة عمال الرعاية الصحية، رقم 120). إن تقييم الاحتمالات المبنية على آمال ضعيفة بالتعافي بعد استمرار الغيبوبة العميقة لأكثر من عام لا يمكن أن يبرر وقف أو قطع الحد الأدنى من الرعاية للمريض، بما في ذلك الغذاء والإهامة. في الواقع، إن الموت بسبب الجوع والجفاف هو النتيجة الوحيدة الممكنة لوقف الغذاء والإهامة. بمعنى آخر، يشكل ذلك قتلاً رحيماً نتيجة الإهمال إذا ما حصل عن سابق معرفة (رقم 4).

 بالتالي، تعبر الأجوبة التي قدمها مجمع العقيدة والإيمان بوضوح عن الميل المذكور في وثاق الكرسي الرسولي، وخصوصاً كلمة البابا يوحنا بولس الثاني بتاريخ 20 مارس عام 2004. ويشمل ذلك نقطتين أساسيتين. أولاً، إن تقديم التغذية والإهامة ولو كان ذلك عبر الوسائل الاصطناعية هو مبدئياً وسيلة اعتيادية وملائمة للحفاظ على حياة المرضى الذين يعانون من غيبوبة عميقة. "وهي بالتالي وسيلة ضرورية ما دامت تحقق غايتها النهائية أي تغذية المريض وإهامته". ثانياً، من الواضح أنه يجب استعمال هذه الوسيلة الاعتيادية للحفاظ على حياة مرضى الغيبوبة العميقة الدائمة بما أنهم أشخاص يتمتعون بالكرامة الإنسانية الأساسية.

 عند اعتبار تقديم الغذاء والمياه واجباً أخلاقياً في المبدأ، لا يلغي مجمع العقيدة والإيمان إمكانية الاستحالة الجسدية لتقديم الغذاء والمياه بوسائل اصطناعية في أماكن نائية أو في حالات الفقر المدقع، أي أن لا أحد ملزم القيام بالمستحيل ad impossibilia nemo tenetur. لكن واجب منح الحد الأدنى من العلاجات المتوفرة يبقى قائماً، إلى جانب واجب الحصول على الوسائل الضرورية للحفاظ على الحياة، في حال كان ذلك ممكناً. ويبقى هناك احتمال عدم تمكن المريض من امتصاص الغذاء والمياه بسبب التعقيدات الناشئة عن حالته، وبذلك تصبح هذه العملية بل فائدة. وفي الختام، من الممكن أيضاً أن يشكل الغذاء والإهامة الاصطناعيين في بعض الحالات النادرة عبئاً ثقيلاً على المريض أو يؤديان إلى انزعاج جسدي كبير، نتيجة التعقيدات المترتبة عن استعمال هذه الوسائل على سبيل المثال.

 غير أن هذه الحالات الاستثنائية لا تلغي المعيار الأخلاقي العام الذي يعتبر أن تقديم الغذاء والمياه، حتى لو كان ذلك عبر الوسائل الاصطناعية، هو وسيلة طبيعية للحفاظ على الحياة وليس علاجاً طبياً. وبالتالي، يجب اعتبار هذه العملية عادية وملائمة حتى مع استمرار الغيبوبة العميقة.

 

[1] إن المصطلحات الخاصة بالمراحل والأشكال المختلفة للغيبوبة العميقة قيد النقاش لكن ذلك غير مهم على المستوى الأخلاقي.