عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير

بكركي، 17 سبتمبر 2007 (zenit.org). – ننشر في ما يلي عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير التي ألقاها في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي.

“ان ابن الانسان لم يأت ليخدم بل ليخدم”

يتحدث الانجيل اليوم عن الامثولة التي لقنها السيد المسيح رسله. وكان التلميذان يعقوب ويوحنا اقتربا منه ليسألاه ان يحقق لهما ما يطلبان. فسألهما ما هو المطلوب؟ قالا اذذاك: ان يجلس احدنا عن يمينك والآخر عن شمالك في مجدك. ولكن يسوع اجابهما على الفور: “انكما لا تعلمان ما تطلبان”, واضاف: “أتستطيعان ان تشربا الكأس التي اشربها, وان تتعمدا بالمعمودية التي انا اتعمد بها؟ اي هل تستطيعان ان تتحملا ما سأتحمله من آلام؟”. فاجاباه: نعم. ولكن يسوع قال لهما على الفور: “ستشربان الكأس التي سأشربها, وستتعمدان بالمعمودية التي انا اتعمد بها, أما الجلوس عن يميني او عن شمالي, فليس لي ان امنحه الا الذين اعد لهم”.

وأثار حديث الرسولين مع يسوع حفيظة باقي الرسل العشرة. فناداهم يسوع وقال لهم: “تعلمون ان الذين يعتبرون رؤساء الامم يسودونهم, ويتسلطون عليهم, أما انتم فليس الامر كذلك بينكم”. واعطاهم نفسه مثلا للاقتداء به, وختم قوله لهم: “ان ابن الانسان ايضا, لم يأت ليخدم, بل ليخدم. وهذا هو سر الفداء”. وكما كان بعض القادرين يدفعون مبلغا من المال لتحرير العبيد, هكذا ان يسوع المسيح بذل نفسه ليحرر الناس من الخطيئة المميتة.

Share this Entry

وننتقل الى الحديث عن الشرائع غير الكاملة, والظالمة, كما اشارت اليها رسالة البابا يوحنا بولس الثاني التي عنوانها: انجيل الحياة, خاصة في ما يتعلق في المحافظة على الحياة وحمايتها. وهذا ما سنتوقف عنده اليوم.

الشرائع غير الكاملة والظالمة

ان دور الشريعة المدنية يقوم على: “تأمين الخير العام للناس عن طريق الاعتراف بما لهم من حقوق والدفاع عنها, والعمل على صيانة السلام, والآداب العامة, على ما يقول البابا يوحنا بولس الثاني. والخير العام السياسي هو المقياس لما للشرائع المدنية من قيمة أدبية سياسية. والشرائع التي تتوافق, الآن وهنا, على الخير العام هي عادلة. والشرائع العادلة قابلة دائما – او تقريبا دائما – للاستكمال, على الاقل من ناحية صياغتها وفاعليتها القانونية, والشرائع الظالمة بامكانها ان تكون أقل او اكثر ظلما. ولكن, من ناحية قيمتها الادبية والسياسية, ليس بين الاولى والثانية اية صيغة وسيطة. الشرائع أربعة أقسام

يمكننا ان نقسم الشرائع الظالمة الى اربعة أقسام: القسم الاول ينطوي على الشرائع التي تسعى الى تنظيم السلوك الغريب عن مفهوم الخير العام, اي تلك التي, في جميع الظروف العملية, لها طابع شخصي او خاص, والتي بوصفها هذا, ليست من اختصاص الدولة واجهزتها التشريعية. وقد تطرقت الرسالة العامة التي نشرها البابا يوحنا بولس الثاني, والتي عنوانها “انجيل الحياة”, واكدت ان الشريعة المدنية, لا يمكنها, في اي ميدان من ميادين الحياة, ان تقوم مقام الضمير, ولا بامكانها ان تملي قواعد تخرج عن صلاحيتها. ولهذا ان الشرائع التي تأمر مثلا بسلوك خاص, او تنهى عنه هي شرائع ظالمة, فيما يعتبرها المواطنون غير جائزة او اجبارية لاعتبارات دينية او اخلاقية.

القسم الثاني هو مؤلف من شرائع تمس بالاملاك العامة, او بحقوق تتعلق بالاملاك العامة (كحقوق الشخص الاساسية, والنظام العام, والعدالة وما شابه), او تحرمهم من الحماية الضرورية. وهي في التالي شرائع ظالمة تلك التي تجيز للدولة وحسب ان تعتدي على احد حقوق الانسان, بل ايضا الشرائع التي تجيز للدولة ان تخل بواجب منع خرق حقوق شخص او عدة اشخاص اساسية وانزال العقوبة بها (وهذه مثلا هي حال الشرائع التي تسمح بالاجهاض).

القسم الثالث يتعلق بالشرائع القائمة على اساس غير شرعي, اي تلك التي يصدرها أشخاص ليسوا ذوي اختصاص, او اشخاص, ولو كانوا ذوي اختصاص, لا يحترمون الصيغ القانونية القائمة. ولهذا يعتبر ظالما مثلا القانون الذي تصدره الدولة التي تريد, دون سبب عادل, ان تسن شرائع تتعلق بموضوع هو من صلاحية احدى المناطق حصرا, بحسب الدستور, او بقانون يصدره المجلس النيابي, وهو يرمي زورا الى التهرب من تدابير اساسية ينص عليها النظام البرلماني.

القسم الرابع يتعلق بالقوانين الظالمة التي لا توزع الاعباء وفوائد الحياة العامة توزيعا عادلا بحسب عدد جميع السكان. وهذا مثلا القانون الضريبي الذي يعاقب فئة من الناس كالموظفين والعائلات, او ينشىء وضعا خاصا لفئة من المواطنين كذوي المهن الحرة والعازبين وما شابه. ولتبيان ما يجب أن يتخذ المواطنون من مواقف بالنسبة الى القوانين الظالمة، يقتضي لذلك بعض الشرح. يمكن التأكيد أن القوانين الظالمة، لا تلزم ضميرنا، وعلى المواطنين الا يعطوا أصواتهم الذين عملوا على سنها. والبابا يوحنا بولس الثاني يقول في رسالته: “انجيل الحياة: ان القوانين الظالمة هي قوانين غير كاملة، اي انها غير واضحة، ويمكن أن تكون خادعة. وبعد ان كل شريعة انسانية هي، من طبيعتها، غير كاملة وقابلة للكمال، لكن عندما تكون مضادة لحق انساني أساسي، وتسمح بخرقه، فهي ليست فقط غير كاملة، لا بل ظالمة.

مسألة ضميرية

ولكن عبارة “قانون ظالم” قد يحمل على التساؤل عن أي موقف يجب اتخاذه بالنسبة اليه، سواء أكان بالنسبة الى الحق الذي يجب تأسيسه، أو الحق المؤسس. ان رسالة البابا تقول: “هناك مسألة ضميرية خاصة قد تعرض في حال ان تصويتا في مجلس النواب يكون حاسما لتفضيل قانون يرمي الى تضييق عدد الاجهاضات المسموح بها، ليقوم مقام قانون أكثر تشددا، أي يرمي الى التسامح بالاجهاض، ويكون النواب قد صوتوا عليه. وهذه حالات ليست نادرة. ويلاحظ ان في بعض البلدان تتوالى الحملات لادخال قوانين تسهل الاجهاض، تؤيدها عادة منظمات دولية كبيرة, بيد انه في بلدان أخرى – خاصة تلك التي جربت مثل هذه القوانين المتساهلة – تظهر علامات تفكير جديد. وعندما تستحيل ملاقاة قانون يجيز الاجهاض أو نقضه، يستطيع النائب الذي يناقض اقتراح الاجهاض، ويكون اقتراحه قد أصبح معروفا لدى الجميع، أن يساند اقتراحات ترمي الى التخفيف من النتائج السلبية على الصعيد الثقافي والاخلاقي العام. وبفعله هذا، وهذا لا يكون قد أسهم اسهاما غير جائز في سن قانون ظالم. ويكون قد حاول محاولة مشروعة، وهذا واجب، للحد من وجوه هذا القانون الظالم، على ما يقول البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته: انجيل الحياة.

ولنأت الى لب المشكلة. ان عبارة “قوانين غير كاملة” يمكنها أن تقود الى الخطأ بالنسبة الى المواقف الذي يجب اتخاذه بالنسبة الى القوانين الظالمة. ولكن رسالة البابا تبرز حكما على موضوع قائم. وهي تشرح ما هو الموضوع الادبي لعمل يقوم به النواب، ولا تقبل بنظرية الشر الاقل. ولا تجيز المساومة التي تعتبر الاجهاض شرعيا ولو ضمن بعض حدود.

ويمكن اختصار المسألة بالقول : ان الشرائع التي تقدم حماية غير كاملة لحق الحياة، ولو كانت تحمي هذا الحق اكثر من غيرها من
القوانين القائمة، هي قوانين ظالمة وهي، بحد ذاتها، غير مقبولة، ويجب رفضها لدى التصويت. وبحسب رسالة البابا: “انجيل الحياة”، لا يمكن اقرار مثل هذا القانون، الا اذا كان التصويت الوسيلة الوحيدة للحد من عواقبه الوخيمة، دون أن يكون النائب غير مسؤول أدبيا عن قيام قانون ظالم.
المحافظة على الحياة قبل أن تبصر النور وبعده، واجب مقدس. ومن قتل جنين كمن قتل رجلا حسابه لدى ضميره وربه عسير، وان لم تطله قوانين الارض. لذلك يجب النظر الى هذا الامر بجدية كلية.وان ما نسمعه ونقرأه في هذه الايام يدل على أن حياة الناس أصبحت وكأنها لا قيمة لها، بدليل هذا التصرف المعيب الذي يتميز به كثير ممن يتعاطون الامور العامة. هناك من يقولون أن بعض الفئات تتسلح، كأن ما حدث من ذي قبل، وهو لا يزال قائما في ذاكرة كل المواطنين، لم يكن أمثولة رادعة، وكأن الذين سقطوا ضحايا العنف من كل الطبقات، وبالامس خاصة من أفراد الجيش اللبناني، لم يكونوا كافين لكي يفكر بعض اللبنانيين بغير العنف والقتل.

وان الجدل القائم بشأن تأمين النصاب المطلوب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا يدل على وطنية سليمة. والمطلوب الان النظر في مصلحة الوطن والمواطنين، وليس في مصلحة هذا أو ذاك من المسترئسين. والاهم أن نعرف كيف نحافظ على اجيالنا الطالعة فلا تكفر بهذا الوطن، وتغادره دون أمل بالعودة وهذا يقود الى ضياع الوطن، ولا نعتقد أن أحدا من اللبنانيين يريد لوطنه هذا المصير القائم. نسأل الله أن يقينا سوء المصير”.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير