تعليق الفاتيكان على الأجوبة حول التغذية والإهامة الاصطناعيين (1)

الفاتيكان، 19 سبتمبر 2007 (ZENIT.org) – ننشر في ما يلي القسم الأول من تعليق مجمع عقيدة الإيمان على الإجابات عن بعض الأسئلة في مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة حول التغذية والإهامة الاصطناعيتين.

Share this Entry

القسم الأول من التعليق

 لقد صاغ مجمع عقيدة الإيمان أجوبة عن الأسئلة التي قدمها سعادة الموقر “وليام س. سكيلستاد”، رئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة، في رسالة بتاريخ 11 يوليو 2005 حول تغذية وإهامة المرضى في حالة الغيبوبة العميقة (الحالة النباتية). كان هدف الأسئلة معرفة ما إذا كانت تغذية وإهامة هؤلاء المرضى، وخصوصاً عبر الوسائل الاصطناعية، تشكل عبئاً ثقيلاً على المرضى أنفسهم أو أقاربهم أو نظام الرعاية الصحية إلى الحد الذي يمكن فيه اعتبار هذه العملية وسيلة استثنائية أو غير ملائمة على ضوء تعاليم الكنيسة، وبالتالي لا تشكل واجباً أخلاقياً.

 غالباً ما يتم ذكر كلمة البابا بيوس الثاني عشر التي ألقاها أمام منتدى حول علم التخدير في 24 نوفمبر عام 1957 من أجل دعم فكرة وقف تغذية هؤلاء المرضى وإهامتهم. ففي هذه الكلمة، شدد قداسة البابا على مبدأين أخلاقيين عامين. من جهة، تعلم الأخلاقيات المسيحية والمنطق الطبيعي أنه في حالة المرض الخطر، يحق للمريض ولمن يعتني به ومن واجبهم تأمين الرعاية الضرورية للحفاظ على صحة المريض وحياته. ومن جهة أخرى، يشمل هذا الواجب فقط استعمال الوسائل الاعتيادية في ظل هذه الظروف، أي الوسائل التي لا تفرض عبئاً استثنائياً على المريض أو الآخرين. فالواجب الأكثر صرامة يشكل عبئاً كبيراً على أغلب الأشخاص وقد يجعل من الصعب تحقيق خيراً أكبر. فالحياة والصحة وكل الأنشطة الدنيوية هي ثانوية مقارنة مع الغايات الروحية. وبالطبع، لا يمنع على أحد بذل أكثر مما هو ضروري للحفاظ على الحياة والصحة، شرط عدم التغاضي عن الواجبات الأهم.

 تجدر الإشارة هنا إلى أن الأجوبة التي أعطاها قداسة البابا بيوس الثاني عشر تطرقت إلى استعمال تقنيات الإنعاش والتوقف عن استخدامها. لكن لا يوجد أي صلة ما بين هذه الحالة وهذه التقنيات. فالمرضى في حالة الغيبوبة العميقة يتنفسون بشكل طبيعي ويهضمون الغذاء بشكل طبيعي وتستمر وظائف جسدهم الأيضية بشكل عادي حيث يكونون في وضع مستقر. غير أنهم لا يستطيعون تغذية أنفسهم. وإذا لم يحصلوا على الغذاء والسوائل بشكل اصطناعي فسوف يموتون، ولن يكون المرض أو الغيبوبة العميقة السبب في وفاتهم بل الجوع والجفاف. وفي الوقت نفسه، لا تشكل عملية التغذية والإهامة الاصطناعيين عبئاً ثقيلاً على المريض أو أقاربه، ولا تشمل نفقات كبيرة بل هي جزء من نظام الرعاية الصحية العادي. كما أنها لا تتطلب الاستشفاء وتتلاءم مع غايتها، أي تفادي موت المريض نتيجة الجوع والجفاف. فهذه العملية ليست علاجاً يشفي المريض. ليس هذا هو هدفها بل هي رعاية صحية اعتيادية هدفها الحفاظ على الحياة.

 من جهة أخرى، قد تصبح الغيبوبة العميقة التي يعاني منها عضو في العائلة عبئاً ثقيلاً حيث يشبه ذلك عبء الاهتمام بمريض مشلول بالكامل أو شخص يعاني من مرض عقلي خطر أو من مرض الألزايمر أو غيره.  فهؤلاء الأشخاص يحتاجون عناية دائمة لأشهر وربما سنوات. لكن لا يمكن تفسير المبدأ الذي ذكره البابا بيوس الثاني عشر على أنه يعني أنه يمكن التخلي عن هؤلاء المرضى الذين تشكل رعايتهم عبئاً على عائلاتهم، وبالتالي تركهم ليموتوا. ليس هذا ما عناه البابا بيوس الثاني عشر عندما تحدث عن وسائل استثنائية.

 كل شيء يدفعنا إلى تطبيق الجزء الأول من المبدأ الذي ذكره البابا بيوس الثاني عشر على المرضى في الغيبوبة العميقة: ففي حالة المرض الخطر، من حقنا وواجبنا تأمين الرعاية اللازمة للحفاظ على الصحة والحياة. فتعاليم ماجيستيريوم الكنيسة الذي تابع عن كثب تقدم الطب والأسئلة التي طرحها تؤكد هذا الاستنتاج بالكامل.

 إن الإعلان حول القتل الرحيم الذي نشره مجمع عقيدة الإيمان بتاريخ 5 مايو 1980 شرح الفرق بين الوسائل الملائمة وغير الملائمة، وبين المعالجة والرعاية الصحية العادية للمريض. “عندما يكون الموت وشيكاً رغم الوسائل المستعملة، يمكن اتخاذ قرار رفض العلاجات التي قد تؤدي إلى إطالة الحياة بشكل مؤقت ومرهق ما دامت الرعاية الصحية الاعتيادية التي يحق للمريض بها مستمرة بدون انقطاع” (الجزء 4). لكن لا يمكن التوقف عن استعمال الوسائل الاعتيادية لرعاية المرضى الذين لا يواجهون خطر الموت الوشيك كما هي حالة المرضى في الغيبوبة العميقة. فبالنسبة لهؤلاء الأشخاص، قد يؤدي التوقف عن استعمال هذه الوسائل إلى وفاتهم.

 في 27 يونيو 1981، نشر المجلس الأسقفي “قلب واحد” Cor Unum وثيقة بعنوان “بعض القضايا الأخلاقية المتعلقة بالمرضى في حال الخطر والمحتضرين” حيث أعلن المجلس من بين أمور أخرى أنه “من الواجب استعمال “الحد الأدنى” من هذه الوسائل بأي ثمن، أي الوسائل التي تهدف إلى الحفاظ على الحياة في ظل الظروف العادية والطبيعية (التغذية، نقل الدم، الحقن، الخ). فالتوقف عن استعمالها قد يعني القبول بوضع حد لحياة المريض (رقم 2.4.4).

 في كلمة ألقاها الباب يوحنا بولس الثاني أمام المشاركين في صف دولي حول أشكال سرطان الدم بتاريخ 15 نوفمبر 1985، ذكر البابا الإعلان حول القتل الرحيم وأعلن بوضوح أنه على ضوء مبدأ الرعاية الملائمة، لا يمكن التخلي عن “الالتزام بتقديم العلاج المناسب للحفاظ على الحياة أو تقديم المساعدة عبر وسائل عادية للغاية نفسها”، وهذا يتضمن بالطبع منح الغذاء والسوائل للمريض. وأشار قداسته كذلك أن التغاضي عن تقديمها أمر غير مشروع يهدف إلى “تقصير الحياة لتجنيب المريض أو عائلته المعاناة.”

 عا
م 1995، نشر المجلس الأسقفي للمساعدة الرعوية لعمال الرعاية الصحية “شرعة عمال الرعاية الصحية” في الفقرة 120 التي تؤكد ما يلي: “إن إعطاء الغذاء والسوائل، حتى لو كان ذلك بالوسائل الاصطناعية، هو جزء من العلاج الطبيعي الذي يحق للمريض الحصول عليه عندما لا يشكل ذلك عبئاً عليه؛ ووقف هذه العملية قد يعني قتلاً رحيماً بكل ما للكلمة من معنى.”

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير