روما، الخميس 6 مارس 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم السادس من مارس للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".
الظلمة في غياب الحق
في الأزمنة الغابرة، كان أفظع ما في السجن أنه يحرم من يُحكمون به من ضوء النهار ويُغرقهم في لجة الظلمة. وعلى مستوى أعمق، فإن الحرمان الحقيقي من الحرية، أي سلب الإنسان حريته وسجنه، يكمن في توق الإنسان إلى الحقيقة. فإن كان الإنسان يجهل الحقيقة، ويجهل هويته، وعلّة وجوده على هذه الأرض وماهية واقع هذا العالم، فهو يتسكّع في الظلمة لا أكثر. إنه سجين، وليس "مُعتقاً من ذاته". فأوّل الحقوق الإنسانية وأهمها هو حقّ معرفة الله... وفي غياب هذا الحق الأساسي الذي هو أيضاً الحق في الحقيقة، تبقى الحقوق الإنسانية الأخرى ناقصة. وفي غياب هذا الحق الأساسي في الحقيقة وفي معرفة الله ينحطّ الإنسان إلى أدنى المستويات فلا يعود سوى مجرّد كائن تحرّكه الحاجات. وتتجلى الظلمة العميقة والحرمان من الحرية في زماننا اليوم أكثر ما تتجلى في أننا نتمتع بطاقات وقدرات ولكننا لا ندري ما نفعل بها. لقد أصبح لدينا وابل من المعرفة إلى حدّ أنّا بتنا عاجزين عن الإيمان ورؤية الحقيقة؛ لقد بتنا عاجزين عن معانقة الكليّة بكليّتها. وصارت فلسفتنا هي فلسفة بيلاطس، فنسأل: ما هي الحقيقة؟ وقد يبدو ذلك مجرّد سؤال، ولكنه في الواقع تصريح يفيد بأن ليس من حقيقة وبأن البسطاء والمتعصّبين وحدهم يتخيل لهم أنهم يمتلكون الحقيقة أو يدّعون ذلك. ولكن لو صحّ ذلك ولم يكن للإنسان حقيقة بل مجرّد قدرات، فهو محروم كلياً من حريته، ولا تعود "المشاركة" سوى إيماء عقيم في الظلمة، يضلّل الإنسان بواسطة مفهوم الحرية ويجرحه في الصميم. وما من صدفة في الإحتجاجات الحادة على هكذا حرية باطلة وعقيمة؛ ذلك أن الإنسان، وقد حُرم من الحقيقة، قد أُفقد منزلته وشرفه.